كيف سيواجه المقدسي مؤامرة التسجيل العقاري الإسرائيلية؟!‏

أخبار البلد-

 

قلنا مرارا وتكرارا أن أس البلاء في القدس وفلسطين هو الإحتلال العسكري الكولونيالي ‏الإستيطاني الإسرائيلي بإجراءاته وضم القدس للكيان الإسرائيلي. وغدا الفلسطيني بالعموم ‏والمقدسي بالخصوص يواجه إجراءات قراقوشية للإستيلاء على أرضه وتجريده من حقوقه ‏العقارية كافة. وعملا بالعدالة الإسرائيلية المزعومة سنت السلطة المحتلة التشريع تلو التشريع، ‏واتخذت القرار تلو القرار مستهدفة العقار الفلسطيني، وعلى الفلسطيني المقدسي لوحده التصدي ‏لهذه التشريعات المتوالية، والقرارات المجحفة المتتابعة. بل كان الصراع على الأرض هو ‏محور الصراع بين الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية.‏

ضمن هذه السلسة ، اتخذت الحكومة الإسرائيلية في عام 2018، قرارا غريبا متأخرا السم في ‏باطنه والعسل في ظاهره، يقضي بتسجيل أراضي القدس بعد خمسة عقود من الإحتلال ‏الإسرائيلي ونيف، حيث كانت الحكومة الأردنية قد بدأت مراحل التسجيل المتعددة لأجزاء من ‏القدس دون أن تنهيها. وكأن الحكومة الإسرائيلي أفاقت من سبات عميق امتد خمسين عاما على ‏مارد الديموغرافيا المقدسية الفلسطينية بعد أن اعتقدت أن المقدسيين سيغادرون بيت المقدس، ‏وسيجف رحمهم المقدسي إثر الضم الإسرائيلي لهم بلا أية حقوق والتضييق عليهم رخصا وبناء ‏وسكنا وإقامة.‏
بررت الحكومة الإسرائيلية قرار التسجيل العقاري للأموال غير المنقولة للفلسطيني المقدسي ‏بحجج سخيفة كاذبة، بأنه يزيد من دخل المقدسيين ويقلص الفجوات الإجتماعية والإقتصادية ‏ويطور الإقتصاد، ويخلق قوة عمل فلسطينية، ويؤدي لقيام مناطق صناعية ولزيادة دخل بلدية ‏القدس. وأوكلت تنفيذ هذا القرار الجائر لوزارة العدل الإسرائيلية.‏
هكذا إذن صحا الضمير الإسرائيلي النائم الذي سلب الأرض الفلسطينية والعقار الفلسطيني عبر ‏قوانين عدة أبرزها قانون أملاك الغائبين والتنظيم والبلديات بعد عام 1948، وجرد الفلسطيني ‏المدني الأعزل الفقير من عقاره . صحا المحتل ليكمل مسيرته ويتوجها بعد أن أعمل أدواته ‏التشريعية والإدارية بعد عام 1967 حينما ضم القدس ووسع مساحتها أحد عشر ضعفا أي من ‏ستة كيلومترات ونصف إلى سبعين كيلومترا. وقد صادر وقنن وقيد العقارات المقدسية ‏حرمانا ومنع التخطيط والتنظيم بإصدار قراره الأخير بتسجيل العقارات المقدسية الفلسطينية ‏خلال فترة أقصاها عام 2025، ورصد له الموازنات للتنفيذ. فهو قرار مشبوه يقصد منه ‏تسريب عقارات بيعت خلال سماسرة، أو سيستولي عليها من خلال أملاك الغائبين، أو تسجيل ‏أملاك دولة في حالة فشل إثبات الملك للشخص، وعليه قس. ‏
وكأن القدر كان بالمرصاد لهذا القرار الجائر فجاء وباء الكورونا ليشل تنفيذ القرار مؤقتا، لكن ‏هذا الوباء الذي نشكره سيزول قريبا، ويعيد الموضوع للمربع الأول. وبالتالي على الفلسطيني ‏أن يعلم ويتدرب على كيفية مواجهة هذا الموضوع الخطير، الذي هو أصلا من علامات ‏الحضارة والتمدين والرقي. وقد يقال إن السلطة الفلسطينية أوعزت بعدم التعامل هذا الموضوع ‏بل تجاهله، وكفى الله المؤمنين شر القتال. تماما كموضوع التجنس بالجنسية الإسرائيلية حيث ‏بقي المواطن المقدسي حائرا محتاجا لجواب وقرار رسمي فلسطيني. لكن هذا الأمر يجب ‏الإستعداد له بعقلانية وعلمية وليس بأسلوب حماسي غيبي عاطفي.‏
حتى لو سلمنا بالموقف الفلسطيني وهو موقف سليم نظريا مؤسس على الناحية القانونية ‏والشرعية الدولية، وقد كررت هذا الموقف قرارات مجلس الأمن المتعاقبة وقرارات الجمعية ‏العامة للأمم المتحدة ونصوص اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام ‏‏1949 ، لكننا نرى تجاهلا إسرائيليا تاما لكل ما سبق بل تنفيذ نقيضه، ولا تستطيع الأمم ‏المتحدة بمجلسها وجمعيتها، ولا محكمة العدل الدولية، ولا المجتمع الدولي برمته ولا الدول ‏الكبرى التي تتباكى على حقوق الإنسان، منع السلطة الإسرائيلية من إيقاف خطواتها رغم عدم ‏شرعيتها، بينما نحن نرى ونشاهد الخروقات الإسرائيلية في الشيخ جراح وسلوان والعيسوية. ‏
وإذا تركنا القانون الدولي وشرعيته الذي هو بدون مخالب، نطرح سؤلا عمليا واقعيا ماذا لو ‏قرر الإحتلال الإسرائيلي بدء إجراءات التسجيل للأرض الفلسطينية على سبيل الإلزام، وهو قد ‏حصل فعلا في كثير من المواقع ( التجريبية) كبيت حنينا وبيت صفافا وصورباهر. كيف ‏نتصرف، وما هو الموقف العملي، هل نقاطع أم نسجل ومتى وكيف؟
صحيح أنه قرار غير شرعي وباطل لأن ضم القدس باطل من أساسه وجميع إجراءات المحتل ‏وقراراته باطلة ومنعدمة، لكن هذا الكلام والتنظير مقبول في أروقة المحاكم الدولية وفي أروقة ‏الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحكومية، لكنه مرفوض إسرائيليا بل قد يزعم أنه ظاهرة ‏حضارية فلم الإحتجاج؟ أولم تنظم الحكومات على اختلاف ألوانها ومواقعها في كل قارات العالم ‏أراضيها وعقاراتها، بل إن السلطة الفلسطينية ذاتها قامت بمحاولات خجولة في هذا المضمار.‏
هل يترك المواطن المقدسي وحيدا للإستفراد به من قبل من يوكل لهم صلاحيات التسجيل، هل ‏يترك المواطن المقدسي وحيدا ليبدي اجتهادا في موضوع سيعرض الوطن للخطر، هل يترك ‏المواطن المقدسي وحيدا مع محام وآخر مع محام، وهلم جرا فتتعدد وجهات النظر بقدر تعدد ‏المحامين ونقع في تضارب رغم حسن النوايا. وهل سيقع المقدسي رغم أنفه ويترك وحيدا ‏تحت التكاليف الباهظة للعقار من تخطيط ومساحة ورسوم وضرائب؟!‏
البعض يقول أن التعامل في موضوع التسجيل العقاري هو اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على ‏القدس، وهذا أمر غير صحيح البتة. فأهل القدس يحملون الهوية الزرقاء الإسرائيلية ليس حبا ‏فيها ولا اختيارا لها بل جبرا، وهم يتعاملون معها على أساس هذا الواقع المرير ويتحملون ‏تبعاتها المريرة. كذلك هو موضوع التسجيل العقاري الإسرائيلي فهو ليس ترفا فكريا بل ‏مواجهة مريرة وإلا سلبت الأرض المقدسية تحت حجج وذرائع كما حصل في السابق.‏
في رأيي يجب إقامة لجنة قانونية مهنية محدودة غير مرتزقة من خيرة خبراء الأراضي في ‏فلسطين ويكون مقرها القدس، حيث تدرس وسائل مواجهة التسجيل العقاري القانوني وبخاصة ‏في الداخل الفلسطيني وتصدر توجيهاتها الإرشادية إلى المواطن المقدسي حيث لا يترك في ‏فراغ موحش وأسئلة دون إجابة. ويجب أن نتواضع كثيرا فلا أحد من القانونيين يملك الحقيقة ‏المطلقة والخبرة الكاملة لمواجهة هذا الموضوع المعقد المترامي الأطراف وبخاصة ما تم من ‏إجراءات إسرائيلية على مدى خمسة عقود من الإحتلال الإسرائيلي. أضف أن هذا الموضوع قد ‏يحتاج لموقف قانوني موحد وبخاصة إذا قام أحدهم باللجوء للمحكمة العليا الإسرائيلية. ‏فضلا أن هذا الموضوع يحتاج إلى قدر هام من المنظمين المهندسين ولهم خبرة واسعة فيها. ‏وبكل تواضع هذا الإقتراح ليس سحبا لبساط من تحت أقدام أحد ولا تصيدا في ماء عكر ولا ‏دفع باتجاه ضد آخر، إنما هو إملاء أملته المصلحة العامة المقدسية العقارية. ‏
العقار لا يمكن نقله من مكان لآخر ولا يمكن إنتاجه ولا يتكرر، وله هوية وطنية لا تخفى على ‏أحد، بينما المنقولات مثل الثلاجات والغسالات والأقلام على عكس ذلك، بل هو شعار الوطن ‏ومكان سيادته، فلو نقص أو اختفى أو سلب تزول الدولة عن الوجود، فأين تمارس الدولة ‏سيادتها وسلطتها إذا فقدت إقليمها الأرضي. لذا يجب المحافظة عليه وعدم التفريط به وبذل كل ‏الجهود الممكنة لحمايته، وبرمش العين رعايته وعدم التقصير بحقه يوم لا ينفع الندم!!!‏