كلام في برامجية الأحزاب

اخبار البلد - 
 

لا يتحقق مفهوم الحزب البرامجي بوضع قائمة بمشاريع اقتصادية أو اجتماعية، الحزب البرامجي هو مفهوم سياسي متكامل، يبدأ أول ما يبدأ بفهم حديث وعصري لماهية الحزب في واقعها العملي، وهدفه والغاية منه، يتبعه بالضرورة فهم عميق للحاجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلد الذي يعمل فيه.
الاحزاب في اوروبا بدأت من داخل البرلمان، حيث تطلب حشد الاصوات تحالفات بين النواب، وعندما اطرد الامر على النواب وتواترت تحالفاتهم التصويتية، تجمع هؤلاء وشكلوا احزابا غالبا ما توزعت بين احزاب اليمين واحزاب اليسار – اليسار هنا لم يكن له علاقة بالماركسية- ؛ فكانت احزابا غايتها الاولى والاساسية التحشيد لجمع الاصوات، ولهذا سميت احزاب اطار” cader”.
احزاب الايديولوجيا جاءت لاحقا مع الثورة الصناعية، وبداية رواج الفكر الماركسي، واقدمها الحزب الديمقراطي الاجتماعي الالماني في بداية القرن التاسع عشر، واشهرها الحزب الشيوعي السوفيتي.
الاحزاب الاوروبية استبدلت الايديولوجيا بالمعنى الفلسفي السياسي التقليدي بالحريات الفردية وحقوق الانسان، وصارت مسألة الحريات الفردية وحقوق الانسان ارضية شاملة للفكر السياسي الاوروبي، ولهذا فإن "الليبرالية” الاجتماعية والاقتصادية مع فروق بين الدول الاوروبية، صارت إرثا مشتركا بين جميع الاحزاب، وانتقلت الاحزاب للتنافس على قضايا او برامج، وليس على فكر او ايديولوجيا.
محليا، التوجه نحو الاحزاب السياسية، يأتي في ظل اختلاف في التوجهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعدم وضوح ملامح عامة شعبية متفق عليها، فبين المرجعية الدينية والمدنية الليبرالية، هناك تنازع على المشهد، ناهيك عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلد، والتي سيكون التصدي لحلها معيارا اساسيا في "برنامج” او توجه اي حزب!.
تبسيط الامور بالقول اننا نحتاج الى ثلاثة احزاب يمين ووسط ويسار، تبسيط مخل، ما نحتاجه هو ان تفهم الاحزاب دورها في المرحلة المقبلة، باعتباره فرصة تاريخية لإعادة النظر في فهمنا عما نعتقد اننا نفهمه ونعرفه عن الأردن وشعبه، فمن كان في خلية حزبية في السبعينيات والثمانينات، ما يزال يعتقد ان الأردن هو ذات الأردن، وان ظروف الأردن السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي ذاتها التي كتب او وزع عنها منشورا قبل ثلاثين سنة تقريبا.
التوجه نحو الشباب لقيادة المشهد السياسي ليس جديدا على الاردن، الحزبيون الاوائل في الاردن بدأوا نشاطهم في عمر السابعة عشرة، وكانت القيادات بحدود عمر الثلاثين، الجديد انه تم عزل الشباب عن المشهد السياسي ردحا من الزمن، والآن نستدعيهم للمشهد فقط دون اعداد او استعداد، ايضا الشباب الحالي مختلف تماما عن الشباب الذين عرفتهم الاحزاب يوما ما، فهم اليوم اكثر اطلاعا على العالم والمعرفة، واكثر تواصلا مع المعلومة، واسرع قدرة على التوصل لها، فهم شباب غير الذين نعتقد اننا نعرفهم.
الاحزاب البرامجية، تبدأ بالعودة الى الذات والى الواقع، وتبدأ بطرح سؤال مهم: ماذا نعرف عن الأردن وشعبه والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت عليه؟ فنحن قد نعرف وشهدنا ونشهد ما طرأ علينا من تطورات، ولكن ليس بالضرورة ان نعرف على وجه الدقة أثر تلك التطورات على الانسان وعلى الهيكل العام للمجتمع، وبالتالي لا نعرف بالضرورة على نحو دقيق ماذا يحتاج المجتمع، فإن عرفنا فلا نعرف بالضرورة الطريق الصواب للوصول الى تحقيق غايات المجتمع واهدافه، او على الاقل نحتاج الى التفكير في هذه الاسئلة بشكل عميق وعملي قبل تشكيل الاحزاب.
تجربة الحزبيين الأردنيين – بغض النظر عن حجم الانجاز- غنية ونبيلة، ولكن الواقع تغير بكافة ابعاده، فهل من المعقول ان نواجه كل هذا التغيير باجتماع تقليدي وقائمة مشاريع، ونقول ان هذا حزب برامجي؟
إن كان او سيكون تشكيل الاحزاب سهلا قانونا، فإنه اصعب اليوم من اي وقت مضى، لانه يستوجب اجراء مراجعة شاملة، ومحاولة جادة مخلصة، لفهم البلد والناس واحتياجاتهم، ومن الواضح ان اغلب الاحزاب والنخب السياسية تسارع لحجز مكان لها في المشهد المقبل، وهي تحاول بكافة الطرق استباق الاحداث لضمان مثل ذلك المكان، وقد يكون هذا حقها، ولكن حق البلد والشعب علينا هو امر آخر، امر يحتاج اول ما يحتاج الى تجديد فكر وادوات هذه الاحزاب والنخب، والتي يتوقع منها النهوض بتحديث الحياة السياسية من خلال احزاب برامجية، عسى ان أكون وباحترام كبير وصلت الفكرة جنابك؟!.