الفوضى
أخبار البلد-
تذمر من كل زوايا المثلث متين الأضلاع؛ طلبة يبكون لم يعودوا يستطيعون حملا لأعباء دراسية لا يفهون لها سببًا ولا منطقا، أهالٍ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي لهم منفسا يتناقلون من خلاله طلاسم المفاهيم الدراسية وتعذر وصولها سلسلا إلى عقول أبنائهم، باحثين عن مخلص يحل هذه الطلاسم أو يجدون لهم عزاء في تكرار الشكوى نفسها عند الأهل جميعهم. أما المعلمون الضلع الثالث فهم ليسوا بأحسن حالا؛ تائهين بين استراتيجيات تدريس مستوردة لم تكن يوما من لباسنا ومفاهيم تدريسية يلقونها على طلبتهم واثقين من عدم جدواها لأعمارهم.
حقيقة لا رياء، وسؤال يرمى على طاولة منسقي أنظمة التعليم:
هل درسوا حقا وعلمًا جدوى أساليب التدريس المستوردة واختبروا صلاحيتها في مجتمعنا وعلى طلبتنا وفقا ومدى مناسبتها لبيئتنا ؟ أم أنها موضة كالبلاطين الممزقة لا هي سترت جسدًا ولا كشفت عورة ؟ أم هي تجارة ثمنها مخرجات تعليم سيئة؛ أميون بشهادات ؟
في قراءة سريعة للموقف قد يُظنّ من الطرح أنها مناداة للعودة بأدراجنا إلى الوراء؛ إلى زمن العصا واحفظ تفلح، إلى كلاسيكية صماء لا تحاكي عقلًا ولا تنتج فكرًا.
ولكن ،،،، في مقارنة بسيطة على طاولة الصدق، لو وضعت القراءة والكتابة وجدول الضرب بين الجيلين، الجيل السابق وجيل ( السمارت بورد ) واستراتيجيات التعليم الحديثة للاحطنا دونما انحياز أن من يعيب التدريس القديم ( وهو من مخرجاته ) أفضل حالا بأشواط لا تخفى على العين من الجيل الجديد !
ومن هنا، وإن كانت الاستراتيجيات الحديثة هي الأكثر نفعًا وجدوى فلماذا نرى مخرجات الجيل السابق أفضل؟ علمًا أن الاستراتيجيات نفسها أحدثت ثورة تعليمية هائلة على مستوى التفكير والإنتاج في مجتمعات أخرى ؟
ولعل المضحك المبكي هنا يأتي في مقاربة عشوائية كسائل يسأل لماذا تتعطل حال البلد بمطر بسيط وتكمل الحياة دائرتها سهلة مع جبال الثلوج اليومية في بلاد أخرى ؟
نعم. لقد صرنا نضحك من سائل هذا السؤال لأننا نعاني من إجابته عيانا لا سماعًا، المكان غير مهيئ ببنيته لتحمل المطر فما بالنا بالثلج.
ولتقريب الصورة أكثر ؛ إن كان بيت أخيك خاليًا من البسط والسجاد فهل من اللائق إهداؤه أفضل ماكينة لغسيل السجاد؟!!
وعودا على بدء، فليس الأمر كما قد يفهم دعوة للرجوع خلفا، ولكن رفقا بأبنائنا فهذه الاستراتيجيات المقدمة تتعذر ابتداء على المعلمين قبل المتعلمين وأضحت عقبة في طريق إيصال أساسيات القراءة والكتابة التي إن أتقنت ستكون جسرًا قوي البنيان لإيصال ما يمكن إيصاله للطلبة من فكر ومنطق وإنتاج، وإلا فكيف يطلب مما لا يزال في ثانويته يتلعثم في القراءة ويكتب في الرسائل الإلكترونية: إنشاء الله قاصدًا إن شاء الله، لا يرى بينهما فرقا ولا يدرك تمييزًا، أن يبدع فكريا ويكون فاعلا بناء مبدعا؟!
لا نرضى العصا لابنائنا وسيلة للتعليم ولا نعطيهم ما صح عند غيرنا ويفسد على أرضنا.
نقولها جازمين أن باستطاعتنا لو درسنا مواطن الضعف عند طلبتنا وحللناها مقارنة بمعطيات واقعنا وما نملك أن نتخير استراتيجيات مناسبة لقدرات تفكيرهم تمضي بهم قدمًا نحو الإنتاج. وإلا سيظل طائر اللوم حائرا يراقب جامعات تكتظ بمقصرين تخرج أميين يمتلئ بهم سوق البطالة، يشكون عالة على أنفسهم قبل أن يكونوا عالة على غيرهم !
لا تلوموا طفلًا يكره المدرسة، فالرضيع لن يفهم الجبر المغلف بورق السولفان !