فلاح بني صخر يكتب : " رسالة إلى أبناء القبائل والعشائر الأردنية "
" رسالة إلى أبناء القبائل والعشائر الأردنية "
"إِنَّ قوى الفساد تنصب لكم الفخاخ فاحذروها "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
أكتب إليكم هذه الرسالة بمداد من قلب مفعم بحبّ العروبة وأهلها , وهل أهلها إلاّ أبناء العشائر والقبائل من حاضرة وبادية فأستعير ما قاله البارودي حيث يقول :
"هَذِي نَصِيحَةُ مَنْ لا يَبْتَغِي بَدَلاً بِكُمْ وَهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ " .
يا أبناء العروبة ويا حماة الديار :
إنّه لا يخفى عليكم الدمار الذي لحق بالوطن من قوى الفساد التي تغوّلت حتى فرضت الفساد على جميع نواحي الحياة حتى أصبح ثقافة وطريقة عيش , ولا يخفى عليكم ما يجري في العالم العربي وانعكاساته على الأردن , ولا يخفى عليكم ما يجري في الأردن من حراك شعبي منظّم وغير منظّم , ومبرمج وغير مبرمج , يدعو للإصلاح , ومحاربة الفساد .
ولكي تكون الصورة واضحة فإنني ألفت أنظاركم وكريم عنايتكم إلى أنّ الوسط السياسي الأردني , وأصحاب الصالونات السياسية , وما يسمى بمراكز القوى يوجد بينها من الصراع والتنافس ما لا يتخيله عقل , ولكل منها أزلام وأقلام , وقد اعتادوا أن يتلامزوا ويتهامزوا طيلة العقود الماضية, والمعركة التي تدور بينهم هي معركة في سبيل المناصب والمكاسب والنهب والسلب , فهم لا يرون في هذا الوطن إلاّ جزورا سمينة الكلّ يريد أن يأخذ منها النصيب الأكبر, ولا يرون في الشعب إلاّ قطيعا من الماشية , وجموعا من الرعاع الجاهلة التي تميل مع كلّ ريح , وتصدّق كلّ ما يشاع ويذاع , فكانوا يسربون أخبار فساد منافسيهم للشارع والخارج بواسطة "أزلامهم وأقلامهم " ليجبروهم على إشراكهم في الغنيمة إن لم يستطيعوا دفعهم عنها ليستفردوا بها .
وكان هذا التناكف الرخيص بين هذه القوى والتصارع الدنيء فيما بينها من أهمّ عوامل الدمار الذي لحق بالوطن ( شعبا ودولة ) وكرّس ثقافة الفساد , وأجهض الجهود الإصلاحية التي بذلها جلالة الملك طيلة العقد الماضي , وأساليبهم في ذلك كثيرة ولكنّ كان أهمها مخادعة جلالة الملك , وحجب صوت الشعب عن الوصول لمسامعه , وتشكيكه بكلّ صوت وطني غيور ارتفع محذّرا من الكارثة وذلك لأنّ "فلترة " ما يصل إلى مؤسسة الحكم بيد تلك الطبقة إياها التي تمارس تضليل القيادة عن آلام الشعب وأوجاعه جهارا نهارا .... فخنقوا صوت الشعب طيلة العقود الماضية , وخدعوا القيادة عن واقع ما يجري , وجعلوها في لقاءاتها أو لقاءت أركانها مع الجماهير لا تسمع إلاّ معزوفة المدح والثناء , والتأييد والولاء , وأمّا ما يجول في نفوس الأغلبية الصامتة , وما يدور في مجالسهم الخاصّة , وما ينفثونه من زفرات حرّى وآهات عميقة فإنّه لم يصل إلى مسامعها , وإن وصل من ذلك شيء كان سلاحهم التكذيب والتشكيك والتخوين .
وإنّ هذه القوى لا تجهل خطورة هذا المسلك على شعبية مؤسسة الحكم والعرش والعقد الاجتماعي , ولعلّها تلقت بفرح غامر تقرير صحيفة " الواشنطن بوست " في العام الماضي عن الأردن الذي يشير صراحة إلى ذلك الخطر حيث كشف ذلك التقرير أنّ الشعب لم يعد يميّز بين " الحكومة " ومؤسسة الحكم " الدولة " ؛ لأنّ مثل هذه النتيجة هي الهدف الاستراتيجي لجميع قوى الفساد في الأردن فهي تريد أن يرتبط مصير العرش بها , وأن يكون معها بنفس الخندق المضاد لمصالح الشعب ورغائبه وآماله .... لذلك اعتادوا ألاّ يفعلوا شيئا إلا ونسبوه لجلالة الملك مرددين عبارة " بتوجيهات من جلالة الملك " مختبئين وراء مؤسسة العرش هامسين للآخرين بأنهم ينفذّون ( أوامر من فوق ) ( وتوجيهات عليا ) حتى أضطر جلالة الملك للتحذير من ذلك وتكذيب مثل تلك الدعاوى ........ إنهم باختصار يريدون تحميل الملك مسؤولية فسادهم وإفسادهم وتقصيرهم وإهمالهم ونتائج ألاعيبهم الصبيانية ....
هذا ما كان عليه القوم طيلة السنوات الماضية وعندما ظهر الحراك الشعبي الذي بدأ يخرج للعلن بعد عقود من الهمس والتهامس والذي بدأت تقوده طلائع المجتمع من المثقفين الوطنيين المقهورين تحركت قوى الفساد والإفساد مشكّلة ما يسمى بقوى "الشدّ العكسي " , وأجلبت على دعاة الإصلاح بخيلها ,ورجلها , وأبواقها , وصنائعها , وأمعنت فيهم تشكيكا وتخوينا وتخويفا , وانطلقت الأبواق , والأقلام المأجورة , والألسنة المعسولة مستخدمة كلّ ما لديها من فنون الزيف والخداع لإجهاض الإصلاح , وحرفه عن مساره الصحيح, وتساقطت أقنعة أصحاب الأقلام المأجورة الذين أشبعونا في الماضي تشاكيا وتباكيا وصراخا وتحذيرا وتنظيرا , فيا لله كم سفكوا من الحبر في الحديث عن الفساد والفاسدين والسماسرة , ونهب الأموال , وبيع مقدرات الوطن , وتفكيك الدولة , وضياع الشعب , وعندما انتفضت طلائع الشعب مطالبة بإصلاح حقيقي وإذا بهم يقلبون لهم ظهر المجنّ تسويفا وتشكيكا وتحذيرا .
ألم تسمعوا أبواقهم من أصحاب الأقلام المأجورة يقولون بكلّ صفاقة وصلافة ووقاحة لنخبة الشباب الطليعي أنّكم قلّة لا تمثّلون 1% من الشعب , ويتساءلون لماذا لا نشاهد معكم أشخاصا من عامّة الشعب وعوامّ الناس , فأنتم مجرد نخبة من المثفقين من مهندسين وأطباء ومحامين ومن على شاكلتهم , أمّا الشعب فإنّه بعيد عنكم , وعمّا تطرحونه , وعمّا تطالبون به !! إنّهم لا يخجلون من الخداع والمخادعة والمكر والكذب لأنّهم طهروا نفوسهم من فضيلة الحياء فاستباحوا جميع الموبقات والفواحش , وفريتهم هذه لا تنطلي إلاّ على الجهلة والسذّج وتهافتها يظهر من وجهين :
1. أنّهم يعلمون يقينا أنّ طبيعة الحياة البشرية تقوم على أنّ نخبة المجتمع وصفوته من المثقفين التي لا تمثّل في أحسن أحوالها إلاّ 1% أو أقلّ من مجموع الراشدين البالغين هي التي تقود المجتمع , وتعبّر عن آماله وآلامه وتستطيع صياغة ما يريد , وهذا أمر طبيعي تخضع له المجتمعات البشرية في كلّ عصر ومصر , وهم لا يجهلون هذه الحقيقة الاجتماعية الإنسانية ولكنّهم يتعمدون تجاهلها صفاقة ووقاحة , ويريدون للمجتمع الأردني أن يخرج من طبيعته البشرية فيجتمع في صعيد واحد , ويقدّم مشروعا للإصلاح , ولو كان الناس جميعهم مؤهلين لهذه المهمّة لخرب الكون ولما قامت دول , ولما أقر محكوم لحاكم إلاّ بالقوة الغاشمة .
2. أنّهم يعلمون أنّ السواد الأعظم الذي لا يملك القدرة على الإبانة عن أمانيه ورغائبه يجد في طرح هذه النخبة ما يريده بالضبط وإن عجز عجزا طبيعيا عن التعبير عنها , أو خاف من إعلان تأييدها لأنّ الشعب كلّ الشعب يريد العدالة , وتكافؤ الفرص , والحفاظ على ثروات الوطن , واستخراج كنوزه , وكفّ يد الفاسدين .... الخ ... إنّهم يعلمون ذلك , ولكنّهم يصرّون على ترديد تلك المقولة لخداع القيادة عمّا يريده الشعب , وإيهامها بأنّ الشعب في واد أخضر تجري مياهه العذبة , وتتساقط ثماره الشهية , وهو يلعب ويمرح آمنا مطمئنا يسبح بحمد ولاة الأمر , ويتقلب في النعيم , وتلك النخبة الداعية للإصلاح إن هي إلاّ غربان ناعقة في واد آخر تدعو بالخراب وللخراب , وتتعزز هذه الفرية الظالمة الفاجرة بما يقوم به بعض الوصوليين والمنافقين والمتسلقين من تحركات ترسّخ فرية الوادي الأخضر .... والنتيجة خداع القيادة , وزيادة قهر الشعب.
ثمّ جاءوا بحجّة أخرى ومفادها استحالة الإصلاح قبل تحديد الهوية الوطنية إذ يقول هؤلاء المخادعون إنّ إصلاح المنظومة التشريعية إصلاحا حقيقيا لا يجوز قبل تحديد الهويّة الأردنية , وتثبيت حدود الدولة , وقبل الحلّ النهائي للقضية الفلسطينية , فكان الله في عونك يا فلسطين كم عثنا فسادا وإفساد في الأرض باسمك طيلة تسعين عاما ,وتحرر منك أهل مصر بعظمتها ونحن لا نزال نمارس فسادنا باسمك !!
يتجاهل هؤلاء المأجورون المخادعون من أبواق قوى الفساد أنّ جميع القوى السياسية والناشطين السياسيين بما في ذلك منظري الحركة الوطنية المتطرفة _ متفقون على أنّ كلّ من يحمل الجنسية الأردنية هو أردني بغضّ النظر عن أصله وفصله , ومشتله , ومنبته , وأنّ جميع شرائح المجتمع الأردني تريد أن تعيش في ظلّ دولة ديمقراطية عصرية حقيقية تستحقّ أن يضحى من أجلها , ويدافع عنها , فما الذي يمنع من القيام بهذه الخطوة ؟؟ أهو الخوف من ديمقراطية تفرض علينا حلولا لا يريدها الوطن ؟؟ أم الخوف من ديمقراطية ستحول دون حلول يريد أن يفرضها الفساد والاستبداد على هذا الوطن؟ إنني أراهن بأنّ الشعب الأردني بمختلف منابته لن يصوّت لصالح قرار استقدام لاجئي الشتات إلى الأردن ؟؟ ولن يصوت لصالح وحدة كونفدرالية مع سلطة الضفة المرتقبة التي تمهّد لقيام إسرائيل الكبرى التي ستخرج تحت عباءة "كنفدرالية الأراضي المقدسة" , وأراهن على أنّ الشعب لن ينشغل بهوية وأصول رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء ما دام هذا المجلس مجلسا وطنيا خاضعا للقانون , ومنفذّا له , ويحاسب على أساسه , ولا يفرق بين مواطن ومواطن , ولا بين إقليم وإقليم , ولا محافظة ومحافظة .... ومتى كان الشعب الأردني يلتفت لهوية وأصول رئيس الوزراء وهو الذي ترأس حكوماته عرب من مختلف بلدان العالم العربي ولم يغضبه ذلك , ولم يزعجه ؛ لأنّه يعتقد أنّ [الحاكم = مجلس ورئيس الوزراء ] هو خادم للوطن بشقيه ( الشعب والعرش ) , وتقييمه لا يكون إلاّ على هذا الأساس .
أيّها السادة الأماجد :
أننا نقف أمام معركة حقيقية حامية الوطيس بين قوى الإصلاح الخائفة على الوطن والدولة والعرش الهاشمي , وقوى الفساد الممعنة في فسادها وإفسادها جاهلة أو متجاهلة خطر هذا المنهج على الوطن بشقيه ( الشعب والعرش ), وإنّ الأنظار لتتجه للقبائل والعشائر فتراهن قوى الفساد والإفساد على انحيازها لصفّها بوسائل الترغيب والترهيب والمكر والخداع , وتتوجس قوى الإصلاح من انحيازها لما يسمى بقوى الشدّ العكسي فتكون سببا في إجهاض الإصلاح الذي أصبح قضية مصيرية البديل لها دمار الوطن وانهياره , وذلك أنّ تلك القوى الماكرة الفاسدة توحي إلى أبناء هذه القبائل والعشائر بأنّها تدافع عن العرش وصاحب العرش , وتتجرأ أكثر فتوسوس للشعب وعشائره بأنّ ما تطرحه القيادة حول ضرورة الإصلاح إنما هو مجرد شعارات تمليها الظروف الدولية والإقليمية .... فهي لم تكتف بمقولة " أوامر من فوق " التي رفضها جلالة الملك رفضا قاطعا , وإنما تجاوزتها بإيهام الناس بأنّ جلالة الملك ضدّ الإصلاح وإن تظاهر بعكس ذلك ..... ألا قبحهم الله وساء ما يفترون وما يزعمون فمتى كانت مصلحة الوطن ومصلحة العرش فيما عاثوه من فساد وإفساد في تزوير الانتخابات النيابية حيث تآمروا على الرموز الوطنية المخلصة للعرش المحترمة في المجتمع فأسقطوهم في تزوير مكشوف , ومتى كانت مصلحة العرش في بيع مقدرات الوطن ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في الانقلاب على المشروع الوحدوي النهضوي الهاشمي المتمثّل بمبادئ الثورة العربية الكبرى ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في خداع صاحب العرش ليبارك تلك السياسة الاقتصادية المدمرّة حيث أوهموه بأنّ النور في نهاية النفق , وما كان ذلك النور إلاّ لهيب جهنم الذي كان من أبرز مظاهره 17 مليار دين على كاهل الوطن ؟؟ , ومتى كانت مصلحة العرش في قيام الإدارة على الترهل والإهمال والمحسوبية والواسطة ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في ضياع حقوق المواطنين في أروقة القضاء السنوات الطوال ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في إهمال المرضى وتعذيبهم في المستشفيات ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في التهاون مع المجرمين والسراقين؟؟..... ومتى ومتى وما أكثر مظاهر الفساد الذي يكتوي به الناس ......
لقد حاولت قوى الفساد جرّ أبناء القبائل والعشائر لمسيرات غوغائية همجية ينظمها ممن باعوا دينهم وشرفهم وسمعة عشائرهم بثمن بخس من فتات موائد الفاسدين إلاّ أنّها فشلت فشلا ذريعا , وتكشّفت أوراق الأذناب والمأجورين عندما هدر الشعب قائلا :
مقالة ملؤها الإخلاص نرفعها لقائد الشعب قلب الشعب ممليها
آن الأوان فما التأجيل يمنعنا لنعلن الحق إقرارا وتنبيها
فالق العصا إنها للسحر مبطلة مثل الكليم إذا ما خاف يلقيها
يا أيها الليث قم خلص عرينك من سطو الذئاب ولا ترهب عواديها
وإن شعبك للتوجيه منتظر فاصدر إرادتك العليا يلبيها
فليس في قلبه للصبر متسع من بعد أربعة سود لياليها
ذاق الأمرين من ذل ومسغبة ومن مظالم ما ينفك يرويها
عادوا به القهقرى في كل ناحية ليثبتوا أنه شاة لراعيها
وأمام هذا الفشل فقد تفتقت عبقريتها الشيطانية الماكرة عن خطّة شرّّيرة جديدة حيث استغلت بعض الساخطين على الفساد والاستبداد فبرمجتهم بطريقة الإيحاء أو التلقين من قبل المدسوسين عليهم باختزال الفساد في أشخاص من الشخصيات البارزة لصرف هؤلاء الناقمين على الفساد عن تبني مشروع إصلاحي حقيقي ينقذ الوطن من براثن الفاسدين الذين دمروا الوطن , وفككوا الدولة تنفيذا للمخططات الاستعمارية التي تريد صياغة المنطقة العربية صياغة جديدة بما يخدم مصالحها ومشاريعها المدمرة للأمّة , والمؤلم أنّ هؤلاء المساكين من الساخطين على الفساد الراغبين بالإصلاح قد وقعوا في هذا الفخّ المنصوب فانشغلوا بمهاجمة بعض الأشخاص محملينهم مسؤولية ما جرى من فساد واستبداد وضياع.
وكلما بدأت قوى الإصلاح تفيق وتدرك أنّها انزلقت في مستنقع هؤلاء الفاسدين وأرادت أن تلتقط أنفاسها لصياغة مشروع إصلاحي شامل – تدخلت تلك القوى لإعادتها لهذا المستنقع بما تسربه من أخبار عن قصص فساد بشكل فجّ مقزز مثير للاشمئزاز , ومبالغة لا تحترم العقول السليمة اعتمادا على عقلية الدهماء التي تتقبل كلّ ما يذاع ويشاع , فاستهدفت تلك القصص الشخصيات التي برزت في العقد الأخير , وتلقف هذه الأخبار الساخطون على أوضاع الوطن المأسوية فجعلوها مادّة لبياناتهم وتصريحاتهم وخطابهم غير مدركين أنّ قوى الفساد هي من رسم هذا المخطط الشرير ليوهموا الملك بأنّ قوى الإصلاح تعاديه وتحاربه بمحاربة شخصيات حقبته ورموزها ؛ ليدفعوه كي يصطدم مع تلك القوى الإصلاحية التي انزلقت في ذلك المستنقع , ووقعت بذلك الفخّ , وكاد ينجح هذا المخطط فقد ثار غضب الملك وعبّر عنه صراحة في رسالته إلى د. معروف البخيت في 25 أيار 2011 التي قال فيها: (( أما الاستناد إلى الأقاويل والإشاعات، رغبة باغتيال الشخصية وظلم الناس، فهذه فتنة لا يُسكت عنها ولا بد من محاسبة مثيريها أمام القانون، لأنهم يسعون إلى تكريس مجتمع يحتفل بالكراهية، ويعاقب بالإشاعة والكلمة الظالمة، بدلا من التوجه لمؤسسات القانون الرادعة )) .... وجاء فيها أيضا (( ونحذر من خطورة التردد في توضيح الحقائق للناس والسماح لأحاديث الكراهية بالانتشار والتصعيد ضد الأبرياء، حتى نالت، وللأسف، من أهل بيتي بكل ما يمثلونه من رمزية وطنية سامية. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي اقترب فيها حديث الكراهية والاتهام بالباطل من أهل بيتنا الكرام ......... الخ )) .
لقد حاولت تلك القوى الشريرة إثارة الفتنة لإجهاض الإصلاح بأساليب كثيرة كان منها :
1. منها محاولة إثارة فتنة إقليمية في أوساط الشعب باستفزازه لينقسم إلى (شرقي وغربي) ومعلوم أنّ قوى الفساد يعتبرون أنّ إثارة هذه النعرة وتلك الفتنة هي الورقة الحاسمة في وأد أيّ توجّه إصلاحي يضع حدّا لفسادهم وإفسادهم فهذه هي ورقتهم الرابحة التي كانوا يلعبون فيها طيلة العقود الماضية لمنع قيام ديمقراطية حقيقية وإصلاح شامل , وتمّ ذلك بأقلام مأجورة منها د. منى الخطيب وجهاد الخازن وأمثالهم .
2. تخويف الشعب والقصر معا وذلك بدفع عناصرهم لركوب موجة المعارضة , وتقديم أطروحات تتجاوز جميع السقوف والخطوط الحمراء كالذين يتحدثون عن تحرير الأردن من الاحتلال الهاشمي , والحديث عن الجمهورية الأردنية , أو تجريد جلالة الملك من جميع الصلاحيات أو تجريد نصف الأردنيين من جنسيتهم , ومنها محاولة زجّ المخيمات في الحراك الشعبي مع مطالب تتضمن تكريس مشروع الوطن البديل .
3. محاولة استفزاز الشرق أردنيين وقواهم الإصلاحية لتصطدم مع مؤسسة العرش فتضطر مؤسسة العرش للانحياز إلى قوى الفساد والاستبداد , والنتيجة الانتصار أو الدمار ظهر ذلك في تصرفات بعض الرموز وكان منها تصريح وزير الداخلية السابق الذي يتهم العشائر والمتقاعدين العسكريين بأنّهم يريدون تخريب الوطن , وطريقة تعامل الحكومة السابقة مع المطالب الشعبية العادية بأساليب كادت تدفع الوطن للانفجار .
4. محاولة صرف القوى الإصلاحية عن تقديم مشاريع إصلاحية ناضجة من خلال عناصرهم المدسوسة على تلك التكتلات ؛لتبقى أطروحاتهم معتمدة على الإشاعات واستهداف الأشخاص لإقناع مؤسسة الحكم والملك بأنّ هذه القوى هي مجرد سفهاء من الطامحين والمتسلقين والعابثين الذين لم يبلغوا سنّ الرشد السياسي بعد , وليس لديهم الكفاءة والأهلية التي تخولهم المشاركة في صنع القرار أو تسنّم المناصب .وإقناع العالم الخارجي والقوى الداعمة للتوجهات الإصلاحية للشعوب بأن ما يجري في الأردن من حراك سياسي هو مجرد ألاعيب صبيانية يقودها سفهاء لا يعرفون ما يريدون
لقد أخفقت تلك الأساليب أو كادت بفضل الله , وبفضل وعي طلائع الشعب , وحكمة قيادته وأعطيت القوس لباريها بتشكيل حكومة لا يختلف اثنان على كفاءة وإخلاص رئيسها وجديته في تنفيذ مشروع الإصلاح , ومكافحة الفساد , وفتح جميع ملفاته وإنقاذ الوطن من الدخول في مستنقع الإقليم الذي تتصارع فيه القوى الكبرى بأيد وأموال عربية , فرأت أن المخرج لها لن يكون إلاّ بتجييش العشائر ضد القوى السياسية الداعية للإصلاح وخاصّة حزب جبهة العمل الإسلامي , وكيل الاتهامات للجبهة من تهمة الارتباط مع إيران إلى تهمة التنسيق مع الأمريكان , إلى مقولة أن الجبهة تسعى لأخذ السلطة في الأردن لتغيير بنية الدولة ونظامها , وأنّها تسعى لتنفيذ مشروع الوطن البديل في الأردن ....الخ .
إنّ ما جرى في المفرق يثير علامات استفهام كبرى تجبرنا للتساؤل عمّا إذا كان هناك صفقة سرّية بين طرفي المعادلة ( جبهة العمل الإسلامي وقوى الشدّ العكسي ) لإثارة الفتنة لوأد الإصلاح , واسقاط الحكومة التي تسير سيرا حثيثا في المشروع الإصلاحي , ومكافحة الفساد وفتح جميع ملفاته وخاصّة موضوع الخصخصة أو اللصلصة بتعبير أدق ؟؟ لا أستطيع الجزم بشيء ولكن ثمّة أمر مريب إمّا أن الحكومة تفتقر إلى القدرة والجدية للسير في مشروع إصلاح الوطن وتطهيره من الفساد , وإمّا أنّ الطرفين يأتمرون بها تكريسا للوضع القائم من خلال توجيه رسالة إلى ملك والشعب الأردني بأن البديل للواقع الفاسد هو الدمار والحرب الأهلية ؟؟ وإمّا أنّ الجبهة قد استدرجت للوقوع في الفخّ ؟؟ أم هي المراهقة السياسية والرغبة بالظهور في كلّ محفل ؟؟ أم هناك قوى خارجية لا تريد للأردن السير في المشروع الإصلاحي بشكل سلمي وتصرّ على إدخاله في مستنقع الفوضى المدمرة في واقعها الخلاقة بحسب تعبيرهم المضلل ؟؟
لا أستطيع أن أجزم بشيء من تلك الاحتمالات ؛ لأنّ ما يجري في الأردن يكاد يستعصي على فهم الجهابذة فما بالكم بذي بضاعة مزجاة , وثقافة متواضعة , ووعي محدود من أمثالي إلاّ أنّ الذي لا أشك فيه هو وجود مخطط شرير قذر تقوم على تنفيذه مراكز الفساد والإفساد وأسيادهم ,وأزلامهم وأقلامهم {وأعدقائهم } لذلك فإنني أنصح جميع قوى الإصلاح الوطنية وخاصّة أبناء القبائل والعشائر وأهل العقد والحلّ فيها بما يلي :
1. ضرورة الوعي على واقع قوى الفساد والإفساد , وهؤلاء هم فئة تملك المال والنفوذ والإعلام , وتستقوي بالأجنبي , ولها سطوة على جميع مؤسسات الدولة إلاّ أنّها من أجل تضليل الشعب وحراكه السياسي فإنّها تختفي عن الأنظار وتحاول أن تلقي بمسؤولية ما يجري على بعض تلك المؤسسات , والحقيقة أنّها هي التي تسخّر تلك المؤسسات لتنفيذ ما تريد , وإنّ بعض المؤسسات التي تتعرض للهجوم من قبل دعاة الإصلاح ما هي إلاّ أدوات بيد هذه القوى وكلّ من يجهل سيطرة رأس المال وسلطانه على المؤسسات والدول والشعوب والأفراد فإنّه بحاجة إلى إعادة النظر فيما يحمله من أفكار ومفاهيم .... وإنّه لمن السذاجة أن يظن البعض أنّ موظفا مهما علا مركزه يستطيع أن يفعل فعلا مؤثرا بدون تنسيق أو تحالف مع رأس المال , وأعجب ممن يجهل أو يتجاهل هذه الحقيقة وهاهي الولايات المتحدة بعظمتها وجبروتها ومخابراتها مجرد أداة بيد حفنة من سدنة الوحش الرأسمالي الكاسر .
2. الترفع عن شخصنة الأمور واستهداف الأشخاص , وعدم الالتفات لمثل تلك المقالات والمقولات التافهة التي تنشرها أقلام مأجورة أو وفضائيات مشبوهة , والحذر كلّ الحذر من الانجراف في هذا المسلك ؛ لأنّ من ينجرف إلى هذا المستنقع إمّا أن يكون عميلا مأجورا لقوى الفساد , متآمرا على شعبه ووطنه وأهله ومليكه , وإمّا أن يكون مغفّلا ساذجا ينفّذ المؤامرة من حيث لا يدري وعلى كلا الحالتين فإنّ الأمر مصيبة جلل .
3. رفض زجّ أسماء العشائر في هذا الصراع القذر الذي لا ناقة لها فيه ولا جمل , ومحاسبة كلّ من يتكلم باسم هذه العشائر ويفتئت عليها في أمور لم تستشر بها أو توافق عليها , ومحاسبة جميع وسائل الإعلام المحلية التي تسمح بنشر ترّهات التافهين المذيلة بأسماء العشائر العريقة المحترمة ؛ لأنّ نشر عبارات مذيلة باسم قبيلة أو عشيرة على شريط تلك الفضائيات هو استخفاف بهذه العشائر واستفزاز للمشاهد , وأسلوب لنشر الفتن .
4. أن يستعين الشباب المخلص الذي يسعى للإصلاح بخبرات الشخصيات الوطنية المحترمة ذات السجّل الوطني النظيف ؛ لأنّ القضية أكبر من تحصيل شعبية كاذبة أو نجومية تافهة أو مكاسب هزيلة ... إنّها قضية وطن إمّا أن يكون أو لا يكون ... وإنّ ما يجري هو مصيبة ليس بعدها مصيبة ,تصيب العاقل بالذهول وهو يشاهد سوقا للأفكار والمشاريع الإصلاحية أشبه ما يكون بسوق الخضار عجيج وضجيج , وهدير وزئير من جميع الجهات , والدعوة إلى عشرات الاتجاهات , وفي هذا الضوضاء تغيب الأطروحات الصحيحة , وتضيع التحذيرات الصادقة , وتجهض المشاريع الحقيقية , ويختلط الحابل بالنابل , ولم يعدّ أحد يميّز بين بائع القثاء وبائع الذهب , وعارض العسل النقي والعسل المسموم , ويتساءل عن هذا الكم الهائل من الهيئات والتكتلات التي تفرّخ باستمرار فهل هذا يأتي في إطار ما أشار إليه طلعت رميح في مقاله بتاريخ 10/11/1427هـ(فراغ القوة في الشرق الأوسط ) الذي يتحدث فيه عن المشاريع التي تستهدف العالم الإسلامي فيقول متحدثا عن المشروع الأمريكي : حيث يقول : " كما اعتمد نمط أو نظرية الفوضى البناءة في حالات أخرى أو ضد دول أخرى، ووفق أساليب متنوعة شملت عمليات الاغتيال لأحداث حالات من الاضطراب في بنى الدول، وضم شخصيات سياسية وفكرية وثقافية إلى خططها ومشروعها، وتربية وحماية شخصيات "شابة" جديدة لتغير اتجاهات الرأي العام كمكون وطني عام, وإيجاد جسور علاقات ومصالح مع قطاعات فئوية أو طائفية على حساب الأوطان، ولعزل "المكونات الوطنية" في كل بلد عن بعضها البعض، وأحداث حالات من التخلخل والتفكك داخل المجتمعات لتسهيل مهام الاختراق، وتطويع الإرادة والسيطرة، كما استخدمت مختلف أشكال الضغوط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على حكومات الدول لتغير توجهاتها، أو لتطويع إرادتها في إطار المشروع الأمريكي. " انتهى .
5. أن تتوحد جميع الجهود لبلورة مشروع إصلاحي شامل لينقذ الوطن من الدمار ؛ لأنّ قوى الفساد لا تزال توهم الملك بأنّ الشعب لا يعرف ما يريد وأنّه لم يبلغ سن الرشد الذي يؤهله للعيش في ظلّ دولة ديمقراطية حقيقية , وأنّ قوى الإصلاح ليس لديها مشاريع إصلاحية تحظى برضا شعبي , وإن لم تسارع قوى الإصلاح في ذلك فإنّ التاريخ سيسجل عليها أنها تضيّع فرصة إصلاح الوطن وإنقاذه , فإن كان الجميع متفقين على الإصلاح فما هو المسوّغ لتلك التيارات والهيئات والرقميات , وشباب كذا , وشابات كذا , أفكلما اجتمع خمسة شباب وأصدروا بيانا ولدت عندنا هيئة أو تكتل ؟؟ وهل نحن مضطرون للقول عمّا يجري
(أمور يضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها الحليم )
وما الذي يمنع من التكتل في جبهة وطنية تحمل مشروعا إصلاحيا شاملا ينقذ الوطن من الدمار ؟؟ , ويحقق رغائب الشعب وآماله وأحلامه ؟؟ فهذا الشعب يريد وطنا عزيزا قويا يسوده العدل والحق والخير , وتصلح منظومته التشريعية وتفعّل قوانينه ودستوره ؛ليفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , ويكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي لاعتقاده بأنّه وطن طاهر تقوده قيادة طاهرة مطهّرة فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون ... هذا ما يريده الشعب أمّا قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور فإنّها تسعى لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل بالنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وقيادة شريفة وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم .
أيها السادة الأماثل :
أتوجّه إليكم بهذا النداء بصفتكم أبناء قبائل وعشائر ماجدة عريقة ينتظر منها وطنها الكثير , والمأمول منكم وأنتم السادة الصيد والأبطال الصناديد , وأهل الحلم والعلم , والحكمة والحنكة أن تترفعوا عن خلافات مفتعلة لا سبب لها إلاّ مرض النرجسية , وداء الوصولية , والرغبة بالمغانم , وتلقي التعليمات من ساسة فرّق تسد , وأن تتوحدوا في تيار واحد وجبهة واحدة لعقد مؤتمر وطني تاريخي يتمخض عنه مشروع إصلاحي شامل يلتفّ حوله أبناء الوطن الصادقين المخلصين بدلا من تمزقهم وتشرذمهم وراء كلّ ناعق ممن يتوجس كلّ عاقل منهم خيفة ؛ لأنّ الأوطان لا يقودها في الساعات الحرجة إلاّ أصحاب التاريخ الحافل بالتضحيات .
نأمل أن يكون ذلك سريعا لأنّ ما يجري هو [ إجهاض للإصلاح ] بتخطيط أو بدون تخطيط وسيؤول إلى نتائج مرعبة .
"إِنَّ قوى الفساد تنصب لكم الفخاخ فاحذروها "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
أكتب إليكم هذه الرسالة بمداد من قلب مفعم بحبّ العروبة وأهلها , وهل أهلها إلاّ أبناء العشائر والقبائل من حاضرة وبادية فأستعير ما قاله البارودي حيث يقول :
"هَذِي نَصِيحَةُ مَنْ لا يَبْتَغِي بَدَلاً بِكُمْ وَهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ " .
يا أبناء العروبة ويا حماة الديار :
إنّه لا يخفى عليكم الدمار الذي لحق بالوطن من قوى الفساد التي تغوّلت حتى فرضت الفساد على جميع نواحي الحياة حتى أصبح ثقافة وطريقة عيش , ولا يخفى عليكم ما يجري في العالم العربي وانعكاساته على الأردن , ولا يخفى عليكم ما يجري في الأردن من حراك شعبي منظّم وغير منظّم , ومبرمج وغير مبرمج , يدعو للإصلاح , ومحاربة الفساد .
ولكي تكون الصورة واضحة فإنني ألفت أنظاركم وكريم عنايتكم إلى أنّ الوسط السياسي الأردني , وأصحاب الصالونات السياسية , وما يسمى بمراكز القوى يوجد بينها من الصراع والتنافس ما لا يتخيله عقل , ولكل منها أزلام وأقلام , وقد اعتادوا أن يتلامزوا ويتهامزوا طيلة العقود الماضية, والمعركة التي تدور بينهم هي معركة في سبيل المناصب والمكاسب والنهب والسلب , فهم لا يرون في هذا الوطن إلاّ جزورا سمينة الكلّ يريد أن يأخذ منها النصيب الأكبر, ولا يرون في الشعب إلاّ قطيعا من الماشية , وجموعا من الرعاع الجاهلة التي تميل مع كلّ ريح , وتصدّق كلّ ما يشاع ويذاع , فكانوا يسربون أخبار فساد منافسيهم للشارع والخارج بواسطة "أزلامهم وأقلامهم " ليجبروهم على إشراكهم في الغنيمة إن لم يستطيعوا دفعهم عنها ليستفردوا بها .
وكان هذا التناكف الرخيص بين هذه القوى والتصارع الدنيء فيما بينها من أهمّ عوامل الدمار الذي لحق بالوطن ( شعبا ودولة ) وكرّس ثقافة الفساد , وأجهض الجهود الإصلاحية التي بذلها جلالة الملك طيلة العقد الماضي , وأساليبهم في ذلك كثيرة ولكنّ كان أهمها مخادعة جلالة الملك , وحجب صوت الشعب عن الوصول لمسامعه , وتشكيكه بكلّ صوت وطني غيور ارتفع محذّرا من الكارثة وذلك لأنّ "فلترة " ما يصل إلى مؤسسة الحكم بيد تلك الطبقة إياها التي تمارس تضليل القيادة عن آلام الشعب وأوجاعه جهارا نهارا .... فخنقوا صوت الشعب طيلة العقود الماضية , وخدعوا القيادة عن واقع ما يجري , وجعلوها في لقاءاتها أو لقاءت أركانها مع الجماهير لا تسمع إلاّ معزوفة المدح والثناء , والتأييد والولاء , وأمّا ما يجول في نفوس الأغلبية الصامتة , وما يدور في مجالسهم الخاصّة , وما ينفثونه من زفرات حرّى وآهات عميقة فإنّه لم يصل إلى مسامعها , وإن وصل من ذلك شيء كان سلاحهم التكذيب والتشكيك والتخوين .
وإنّ هذه القوى لا تجهل خطورة هذا المسلك على شعبية مؤسسة الحكم والعرش والعقد الاجتماعي , ولعلّها تلقت بفرح غامر تقرير صحيفة " الواشنطن بوست " في العام الماضي عن الأردن الذي يشير صراحة إلى ذلك الخطر حيث كشف ذلك التقرير أنّ الشعب لم يعد يميّز بين " الحكومة " ومؤسسة الحكم " الدولة " ؛ لأنّ مثل هذه النتيجة هي الهدف الاستراتيجي لجميع قوى الفساد في الأردن فهي تريد أن يرتبط مصير العرش بها , وأن يكون معها بنفس الخندق المضاد لمصالح الشعب ورغائبه وآماله .... لذلك اعتادوا ألاّ يفعلوا شيئا إلا ونسبوه لجلالة الملك مرددين عبارة " بتوجيهات من جلالة الملك " مختبئين وراء مؤسسة العرش هامسين للآخرين بأنهم ينفذّون ( أوامر من فوق ) ( وتوجيهات عليا ) حتى أضطر جلالة الملك للتحذير من ذلك وتكذيب مثل تلك الدعاوى ........ إنهم باختصار يريدون تحميل الملك مسؤولية فسادهم وإفسادهم وتقصيرهم وإهمالهم ونتائج ألاعيبهم الصبيانية ....
هذا ما كان عليه القوم طيلة السنوات الماضية وعندما ظهر الحراك الشعبي الذي بدأ يخرج للعلن بعد عقود من الهمس والتهامس والذي بدأت تقوده طلائع المجتمع من المثقفين الوطنيين المقهورين تحركت قوى الفساد والإفساد مشكّلة ما يسمى بقوى "الشدّ العكسي " , وأجلبت على دعاة الإصلاح بخيلها ,ورجلها , وأبواقها , وصنائعها , وأمعنت فيهم تشكيكا وتخوينا وتخويفا , وانطلقت الأبواق , والأقلام المأجورة , والألسنة المعسولة مستخدمة كلّ ما لديها من فنون الزيف والخداع لإجهاض الإصلاح , وحرفه عن مساره الصحيح, وتساقطت أقنعة أصحاب الأقلام المأجورة الذين أشبعونا في الماضي تشاكيا وتباكيا وصراخا وتحذيرا وتنظيرا , فيا لله كم سفكوا من الحبر في الحديث عن الفساد والفاسدين والسماسرة , ونهب الأموال , وبيع مقدرات الوطن , وتفكيك الدولة , وضياع الشعب , وعندما انتفضت طلائع الشعب مطالبة بإصلاح حقيقي وإذا بهم يقلبون لهم ظهر المجنّ تسويفا وتشكيكا وتحذيرا .
ألم تسمعوا أبواقهم من أصحاب الأقلام المأجورة يقولون بكلّ صفاقة وصلافة ووقاحة لنخبة الشباب الطليعي أنّكم قلّة لا تمثّلون 1% من الشعب , ويتساءلون لماذا لا نشاهد معكم أشخاصا من عامّة الشعب وعوامّ الناس , فأنتم مجرد نخبة من المثفقين من مهندسين وأطباء ومحامين ومن على شاكلتهم , أمّا الشعب فإنّه بعيد عنكم , وعمّا تطرحونه , وعمّا تطالبون به !! إنّهم لا يخجلون من الخداع والمخادعة والمكر والكذب لأنّهم طهروا نفوسهم من فضيلة الحياء فاستباحوا جميع الموبقات والفواحش , وفريتهم هذه لا تنطلي إلاّ على الجهلة والسذّج وتهافتها يظهر من وجهين :
1. أنّهم يعلمون يقينا أنّ طبيعة الحياة البشرية تقوم على أنّ نخبة المجتمع وصفوته من المثقفين التي لا تمثّل في أحسن أحوالها إلاّ 1% أو أقلّ من مجموع الراشدين البالغين هي التي تقود المجتمع , وتعبّر عن آماله وآلامه وتستطيع صياغة ما يريد , وهذا أمر طبيعي تخضع له المجتمعات البشرية في كلّ عصر ومصر , وهم لا يجهلون هذه الحقيقة الاجتماعية الإنسانية ولكنّهم يتعمدون تجاهلها صفاقة ووقاحة , ويريدون للمجتمع الأردني أن يخرج من طبيعته البشرية فيجتمع في صعيد واحد , ويقدّم مشروعا للإصلاح , ولو كان الناس جميعهم مؤهلين لهذه المهمّة لخرب الكون ولما قامت دول , ولما أقر محكوم لحاكم إلاّ بالقوة الغاشمة .
2. أنّهم يعلمون أنّ السواد الأعظم الذي لا يملك القدرة على الإبانة عن أمانيه ورغائبه يجد في طرح هذه النخبة ما يريده بالضبط وإن عجز عجزا طبيعيا عن التعبير عنها , أو خاف من إعلان تأييدها لأنّ الشعب كلّ الشعب يريد العدالة , وتكافؤ الفرص , والحفاظ على ثروات الوطن , واستخراج كنوزه , وكفّ يد الفاسدين .... الخ ... إنّهم يعلمون ذلك , ولكنّهم يصرّون على ترديد تلك المقولة لخداع القيادة عمّا يريده الشعب , وإيهامها بأنّ الشعب في واد أخضر تجري مياهه العذبة , وتتساقط ثماره الشهية , وهو يلعب ويمرح آمنا مطمئنا يسبح بحمد ولاة الأمر , ويتقلب في النعيم , وتلك النخبة الداعية للإصلاح إن هي إلاّ غربان ناعقة في واد آخر تدعو بالخراب وللخراب , وتتعزز هذه الفرية الظالمة الفاجرة بما يقوم به بعض الوصوليين والمنافقين والمتسلقين من تحركات ترسّخ فرية الوادي الأخضر .... والنتيجة خداع القيادة , وزيادة قهر الشعب.
ثمّ جاءوا بحجّة أخرى ومفادها استحالة الإصلاح قبل تحديد الهوية الوطنية إذ يقول هؤلاء المخادعون إنّ إصلاح المنظومة التشريعية إصلاحا حقيقيا لا يجوز قبل تحديد الهويّة الأردنية , وتثبيت حدود الدولة , وقبل الحلّ النهائي للقضية الفلسطينية , فكان الله في عونك يا فلسطين كم عثنا فسادا وإفساد في الأرض باسمك طيلة تسعين عاما ,وتحرر منك أهل مصر بعظمتها ونحن لا نزال نمارس فسادنا باسمك !!
يتجاهل هؤلاء المأجورون المخادعون من أبواق قوى الفساد أنّ جميع القوى السياسية والناشطين السياسيين بما في ذلك منظري الحركة الوطنية المتطرفة _ متفقون على أنّ كلّ من يحمل الجنسية الأردنية هو أردني بغضّ النظر عن أصله وفصله , ومشتله , ومنبته , وأنّ جميع شرائح المجتمع الأردني تريد أن تعيش في ظلّ دولة ديمقراطية عصرية حقيقية تستحقّ أن يضحى من أجلها , ويدافع عنها , فما الذي يمنع من القيام بهذه الخطوة ؟؟ أهو الخوف من ديمقراطية تفرض علينا حلولا لا يريدها الوطن ؟؟ أم الخوف من ديمقراطية ستحول دون حلول يريد أن يفرضها الفساد والاستبداد على هذا الوطن؟ إنني أراهن بأنّ الشعب الأردني بمختلف منابته لن يصوّت لصالح قرار استقدام لاجئي الشتات إلى الأردن ؟؟ ولن يصوت لصالح وحدة كونفدرالية مع سلطة الضفة المرتقبة التي تمهّد لقيام إسرائيل الكبرى التي ستخرج تحت عباءة "كنفدرالية الأراضي المقدسة" , وأراهن على أنّ الشعب لن ينشغل بهوية وأصول رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء ما دام هذا المجلس مجلسا وطنيا خاضعا للقانون , ومنفذّا له , ويحاسب على أساسه , ولا يفرق بين مواطن ومواطن , ولا بين إقليم وإقليم , ولا محافظة ومحافظة .... ومتى كان الشعب الأردني يلتفت لهوية وأصول رئيس الوزراء وهو الذي ترأس حكوماته عرب من مختلف بلدان العالم العربي ولم يغضبه ذلك , ولم يزعجه ؛ لأنّه يعتقد أنّ [الحاكم = مجلس ورئيس الوزراء ] هو خادم للوطن بشقيه ( الشعب والعرش ) , وتقييمه لا يكون إلاّ على هذا الأساس .
أيّها السادة الأماجد :
أننا نقف أمام معركة حقيقية حامية الوطيس بين قوى الإصلاح الخائفة على الوطن والدولة والعرش الهاشمي , وقوى الفساد الممعنة في فسادها وإفسادها جاهلة أو متجاهلة خطر هذا المنهج على الوطن بشقيه ( الشعب والعرش ), وإنّ الأنظار لتتجه للقبائل والعشائر فتراهن قوى الفساد والإفساد على انحيازها لصفّها بوسائل الترغيب والترهيب والمكر والخداع , وتتوجس قوى الإصلاح من انحيازها لما يسمى بقوى الشدّ العكسي فتكون سببا في إجهاض الإصلاح الذي أصبح قضية مصيرية البديل لها دمار الوطن وانهياره , وذلك أنّ تلك القوى الماكرة الفاسدة توحي إلى أبناء هذه القبائل والعشائر بأنّها تدافع عن العرش وصاحب العرش , وتتجرأ أكثر فتوسوس للشعب وعشائره بأنّ ما تطرحه القيادة حول ضرورة الإصلاح إنما هو مجرد شعارات تمليها الظروف الدولية والإقليمية .... فهي لم تكتف بمقولة " أوامر من فوق " التي رفضها جلالة الملك رفضا قاطعا , وإنما تجاوزتها بإيهام الناس بأنّ جلالة الملك ضدّ الإصلاح وإن تظاهر بعكس ذلك ..... ألا قبحهم الله وساء ما يفترون وما يزعمون فمتى كانت مصلحة الوطن ومصلحة العرش فيما عاثوه من فساد وإفساد في تزوير الانتخابات النيابية حيث تآمروا على الرموز الوطنية المخلصة للعرش المحترمة في المجتمع فأسقطوهم في تزوير مكشوف , ومتى كانت مصلحة العرش في بيع مقدرات الوطن ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في الانقلاب على المشروع الوحدوي النهضوي الهاشمي المتمثّل بمبادئ الثورة العربية الكبرى ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في خداع صاحب العرش ليبارك تلك السياسة الاقتصادية المدمرّة حيث أوهموه بأنّ النور في نهاية النفق , وما كان ذلك النور إلاّ لهيب جهنم الذي كان من أبرز مظاهره 17 مليار دين على كاهل الوطن ؟؟ , ومتى كانت مصلحة العرش في قيام الإدارة على الترهل والإهمال والمحسوبية والواسطة ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في ضياع حقوق المواطنين في أروقة القضاء السنوات الطوال ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في إهمال المرضى وتعذيبهم في المستشفيات ؟؟ ومتى كانت مصلحة العرش في التهاون مع المجرمين والسراقين؟؟..... ومتى ومتى وما أكثر مظاهر الفساد الذي يكتوي به الناس ......
لقد حاولت قوى الفساد جرّ أبناء القبائل والعشائر لمسيرات غوغائية همجية ينظمها ممن باعوا دينهم وشرفهم وسمعة عشائرهم بثمن بخس من فتات موائد الفاسدين إلاّ أنّها فشلت فشلا ذريعا , وتكشّفت أوراق الأذناب والمأجورين عندما هدر الشعب قائلا :
مقالة ملؤها الإخلاص نرفعها لقائد الشعب قلب الشعب ممليها
آن الأوان فما التأجيل يمنعنا لنعلن الحق إقرارا وتنبيها
فالق العصا إنها للسحر مبطلة مثل الكليم إذا ما خاف يلقيها
يا أيها الليث قم خلص عرينك من سطو الذئاب ولا ترهب عواديها
وإن شعبك للتوجيه منتظر فاصدر إرادتك العليا يلبيها
فليس في قلبه للصبر متسع من بعد أربعة سود لياليها
ذاق الأمرين من ذل ومسغبة ومن مظالم ما ينفك يرويها
عادوا به القهقرى في كل ناحية ليثبتوا أنه شاة لراعيها
وأمام هذا الفشل فقد تفتقت عبقريتها الشيطانية الماكرة عن خطّة شرّّيرة جديدة حيث استغلت بعض الساخطين على الفساد والاستبداد فبرمجتهم بطريقة الإيحاء أو التلقين من قبل المدسوسين عليهم باختزال الفساد في أشخاص من الشخصيات البارزة لصرف هؤلاء الناقمين على الفساد عن تبني مشروع إصلاحي حقيقي ينقذ الوطن من براثن الفاسدين الذين دمروا الوطن , وفككوا الدولة تنفيذا للمخططات الاستعمارية التي تريد صياغة المنطقة العربية صياغة جديدة بما يخدم مصالحها ومشاريعها المدمرة للأمّة , والمؤلم أنّ هؤلاء المساكين من الساخطين على الفساد الراغبين بالإصلاح قد وقعوا في هذا الفخّ المنصوب فانشغلوا بمهاجمة بعض الأشخاص محملينهم مسؤولية ما جرى من فساد واستبداد وضياع.
وكلما بدأت قوى الإصلاح تفيق وتدرك أنّها انزلقت في مستنقع هؤلاء الفاسدين وأرادت أن تلتقط أنفاسها لصياغة مشروع إصلاحي شامل – تدخلت تلك القوى لإعادتها لهذا المستنقع بما تسربه من أخبار عن قصص فساد بشكل فجّ مقزز مثير للاشمئزاز , ومبالغة لا تحترم العقول السليمة اعتمادا على عقلية الدهماء التي تتقبل كلّ ما يذاع ويشاع , فاستهدفت تلك القصص الشخصيات التي برزت في العقد الأخير , وتلقف هذه الأخبار الساخطون على أوضاع الوطن المأسوية فجعلوها مادّة لبياناتهم وتصريحاتهم وخطابهم غير مدركين أنّ قوى الفساد هي من رسم هذا المخطط الشرير ليوهموا الملك بأنّ قوى الإصلاح تعاديه وتحاربه بمحاربة شخصيات حقبته ورموزها ؛ ليدفعوه كي يصطدم مع تلك القوى الإصلاحية التي انزلقت في ذلك المستنقع , ووقعت بذلك الفخّ , وكاد ينجح هذا المخطط فقد ثار غضب الملك وعبّر عنه صراحة في رسالته إلى د. معروف البخيت في 25 أيار 2011 التي قال فيها: (( أما الاستناد إلى الأقاويل والإشاعات، رغبة باغتيال الشخصية وظلم الناس، فهذه فتنة لا يُسكت عنها ولا بد من محاسبة مثيريها أمام القانون، لأنهم يسعون إلى تكريس مجتمع يحتفل بالكراهية، ويعاقب بالإشاعة والكلمة الظالمة، بدلا من التوجه لمؤسسات القانون الرادعة )) .... وجاء فيها أيضا (( ونحذر من خطورة التردد في توضيح الحقائق للناس والسماح لأحاديث الكراهية بالانتشار والتصعيد ضد الأبرياء، حتى نالت، وللأسف، من أهل بيتي بكل ما يمثلونه من رمزية وطنية سامية. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي اقترب فيها حديث الكراهية والاتهام بالباطل من أهل بيتنا الكرام ......... الخ )) .
لقد حاولت تلك القوى الشريرة إثارة الفتنة لإجهاض الإصلاح بأساليب كثيرة كان منها :
1. منها محاولة إثارة فتنة إقليمية في أوساط الشعب باستفزازه لينقسم إلى (شرقي وغربي) ومعلوم أنّ قوى الفساد يعتبرون أنّ إثارة هذه النعرة وتلك الفتنة هي الورقة الحاسمة في وأد أيّ توجّه إصلاحي يضع حدّا لفسادهم وإفسادهم فهذه هي ورقتهم الرابحة التي كانوا يلعبون فيها طيلة العقود الماضية لمنع قيام ديمقراطية حقيقية وإصلاح شامل , وتمّ ذلك بأقلام مأجورة منها د. منى الخطيب وجهاد الخازن وأمثالهم .
2. تخويف الشعب والقصر معا وذلك بدفع عناصرهم لركوب موجة المعارضة , وتقديم أطروحات تتجاوز جميع السقوف والخطوط الحمراء كالذين يتحدثون عن تحرير الأردن من الاحتلال الهاشمي , والحديث عن الجمهورية الأردنية , أو تجريد جلالة الملك من جميع الصلاحيات أو تجريد نصف الأردنيين من جنسيتهم , ومنها محاولة زجّ المخيمات في الحراك الشعبي مع مطالب تتضمن تكريس مشروع الوطن البديل .
3. محاولة استفزاز الشرق أردنيين وقواهم الإصلاحية لتصطدم مع مؤسسة العرش فتضطر مؤسسة العرش للانحياز إلى قوى الفساد والاستبداد , والنتيجة الانتصار أو الدمار ظهر ذلك في تصرفات بعض الرموز وكان منها تصريح وزير الداخلية السابق الذي يتهم العشائر والمتقاعدين العسكريين بأنّهم يريدون تخريب الوطن , وطريقة تعامل الحكومة السابقة مع المطالب الشعبية العادية بأساليب كادت تدفع الوطن للانفجار .
4. محاولة صرف القوى الإصلاحية عن تقديم مشاريع إصلاحية ناضجة من خلال عناصرهم المدسوسة على تلك التكتلات ؛لتبقى أطروحاتهم معتمدة على الإشاعات واستهداف الأشخاص لإقناع مؤسسة الحكم والملك بأنّ هذه القوى هي مجرد سفهاء من الطامحين والمتسلقين والعابثين الذين لم يبلغوا سنّ الرشد السياسي بعد , وليس لديهم الكفاءة والأهلية التي تخولهم المشاركة في صنع القرار أو تسنّم المناصب .وإقناع العالم الخارجي والقوى الداعمة للتوجهات الإصلاحية للشعوب بأن ما يجري في الأردن من حراك سياسي هو مجرد ألاعيب صبيانية يقودها سفهاء لا يعرفون ما يريدون
لقد أخفقت تلك الأساليب أو كادت بفضل الله , وبفضل وعي طلائع الشعب , وحكمة قيادته وأعطيت القوس لباريها بتشكيل حكومة لا يختلف اثنان على كفاءة وإخلاص رئيسها وجديته في تنفيذ مشروع الإصلاح , ومكافحة الفساد , وفتح جميع ملفاته وإنقاذ الوطن من الدخول في مستنقع الإقليم الذي تتصارع فيه القوى الكبرى بأيد وأموال عربية , فرأت أن المخرج لها لن يكون إلاّ بتجييش العشائر ضد القوى السياسية الداعية للإصلاح وخاصّة حزب جبهة العمل الإسلامي , وكيل الاتهامات للجبهة من تهمة الارتباط مع إيران إلى تهمة التنسيق مع الأمريكان , إلى مقولة أن الجبهة تسعى لأخذ السلطة في الأردن لتغيير بنية الدولة ونظامها , وأنّها تسعى لتنفيذ مشروع الوطن البديل في الأردن ....الخ .
إنّ ما جرى في المفرق يثير علامات استفهام كبرى تجبرنا للتساؤل عمّا إذا كان هناك صفقة سرّية بين طرفي المعادلة ( جبهة العمل الإسلامي وقوى الشدّ العكسي ) لإثارة الفتنة لوأد الإصلاح , واسقاط الحكومة التي تسير سيرا حثيثا في المشروع الإصلاحي , ومكافحة الفساد وفتح جميع ملفاته وخاصّة موضوع الخصخصة أو اللصلصة بتعبير أدق ؟؟ لا أستطيع الجزم بشيء ولكن ثمّة أمر مريب إمّا أن الحكومة تفتقر إلى القدرة والجدية للسير في مشروع إصلاح الوطن وتطهيره من الفساد , وإمّا أنّ الطرفين يأتمرون بها تكريسا للوضع القائم من خلال توجيه رسالة إلى ملك والشعب الأردني بأن البديل للواقع الفاسد هو الدمار والحرب الأهلية ؟؟ وإمّا أنّ الجبهة قد استدرجت للوقوع في الفخّ ؟؟ أم هي المراهقة السياسية والرغبة بالظهور في كلّ محفل ؟؟ أم هناك قوى خارجية لا تريد للأردن السير في المشروع الإصلاحي بشكل سلمي وتصرّ على إدخاله في مستنقع الفوضى المدمرة في واقعها الخلاقة بحسب تعبيرهم المضلل ؟؟
لا أستطيع أن أجزم بشيء من تلك الاحتمالات ؛ لأنّ ما يجري في الأردن يكاد يستعصي على فهم الجهابذة فما بالكم بذي بضاعة مزجاة , وثقافة متواضعة , ووعي محدود من أمثالي إلاّ أنّ الذي لا أشك فيه هو وجود مخطط شرير قذر تقوم على تنفيذه مراكز الفساد والإفساد وأسيادهم ,وأزلامهم وأقلامهم {وأعدقائهم } لذلك فإنني أنصح جميع قوى الإصلاح الوطنية وخاصّة أبناء القبائل والعشائر وأهل العقد والحلّ فيها بما يلي :
1. ضرورة الوعي على واقع قوى الفساد والإفساد , وهؤلاء هم فئة تملك المال والنفوذ والإعلام , وتستقوي بالأجنبي , ولها سطوة على جميع مؤسسات الدولة إلاّ أنّها من أجل تضليل الشعب وحراكه السياسي فإنّها تختفي عن الأنظار وتحاول أن تلقي بمسؤولية ما يجري على بعض تلك المؤسسات , والحقيقة أنّها هي التي تسخّر تلك المؤسسات لتنفيذ ما تريد , وإنّ بعض المؤسسات التي تتعرض للهجوم من قبل دعاة الإصلاح ما هي إلاّ أدوات بيد هذه القوى وكلّ من يجهل سيطرة رأس المال وسلطانه على المؤسسات والدول والشعوب والأفراد فإنّه بحاجة إلى إعادة النظر فيما يحمله من أفكار ومفاهيم .... وإنّه لمن السذاجة أن يظن البعض أنّ موظفا مهما علا مركزه يستطيع أن يفعل فعلا مؤثرا بدون تنسيق أو تحالف مع رأس المال , وأعجب ممن يجهل أو يتجاهل هذه الحقيقة وهاهي الولايات المتحدة بعظمتها وجبروتها ومخابراتها مجرد أداة بيد حفنة من سدنة الوحش الرأسمالي الكاسر .
2. الترفع عن شخصنة الأمور واستهداف الأشخاص , وعدم الالتفات لمثل تلك المقالات والمقولات التافهة التي تنشرها أقلام مأجورة أو وفضائيات مشبوهة , والحذر كلّ الحذر من الانجراف في هذا المسلك ؛ لأنّ من ينجرف إلى هذا المستنقع إمّا أن يكون عميلا مأجورا لقوى الفساد , متآمرا على شعبه ووطنه وأهله ومليكه , وإمّا أن يكون مغفّلا ساذجا ينفّذ المؤامرة من حيث لا يدري وعلى كلا الحالتين فإنّ الأمر مصيبة جلل .
3. رفض زجّ أسماء العشائر في هذا الصراع القذر الذي لا ناقة لها فيه ولا جمل , ومحاسبة كلّ من يتكلم باسم هذه العشائر ويفتئت عليها في أمور لم تستشر بها أو توافق عليها , ومحاسبة جميع وسائل الإعلام المحلية التي تسمح بنشر ترّهات التافهين المذيلة بأسماء العشائر العريقة المحترمة ؛ لأنّ نشر عبارات مذيلة باسم قبيلة أو عشيرة على شريط تلك الفضائيات هو استخفاف بهذه العشائر واستفزاز للمشاهد , وأسلوب لنشر الفتن .
4. أن يستعين الشباب المخلص الذي يسعى للإصلاح بخبرات الشخصيات الوطنية المحترمة ذات السجّل الوطني النظيف ؛ لأنّ القضية أكبر من تحصيل شعبية كاذبة أو نجومية تافهة أو مكاسب هزيلة ... إنّها قضية وطن إمّا أن يكون أو لا يكون ... وإنّ ما يجري هو مصيبة ليس بعدها مصيبة ,تصيب العاقل بالذهول وهو يشاهد سوقا للأفكار والمشاريع الإصلاحية أشبه ما يكون بسوق الخضار عجيج وضجيج , وهدير وزئير من جميع الجهات , والدعوة إلى عشرات الاتجاهات , وفي هذا الضوضاء تغيب الأطروحات الصحيحة , وتضيع التحذيرات الصادقة , وتجهض المشاريع الحقيقية , ويختلط الحابل بالنابل , ولم يعدّ أحد يميّز بين بائع القثاء وبائع الذهب , وعارض العسل النقي والعسل المسموم , ويتساءل عن هذا الكم الهائل من الهيئات والتكتلات التي تفرّخ باستمرار فهل هذا يأتي في إطار ما أشار إليه طلعت رميح في مقاله بتاريخ 10/11/1427هـ(فراغ القوة في الشرق الأوسط ) الذي يتحدث فيه عن المشاريع التي تستهدف العالم الإسلامي فيقول متحدثا عن المشروع الأمريكي : حيث يقول : " كما اعتمد نمط أو نظرية الفوضى البناءة في حالات أخرى أو ضد دول أخرى، ووفق أساليب متنوعة شملت عمليات الاغتيال لأحداث حالات من الاضطراب في بنى الدول، وضم شخصيات سياسية وفكرية وثقافية إلى خططها ومشروعها، وتربية وحماية شخصيات "شابة" جديدة لتغير اتجاهات الرأي العام كمكون وطني عام, وإيجاد جسور علاقات ومصالح مع قطاعات فئوية أو طائفية على حساب الأوطان، ولعزل "المكونات الوطنية" في كل بلد عن بعضها البعض، وأحداث حالات من التخلخل والتفكك داخل المجتمعات لتسهيل مهام الاختراق، وتطويع الإرادة والسيطرة، كما استخدمت مختلف أشكال الضغوط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على حكومات الدول لتغير توجهاتها، أو لتطويع إرادتها في إطار المشروع الأمريكي. " انتهى .
5. أن تتوحد جميع الجهود لبلورة مشروع إصلاحي شامل لينقذ الوطن من الدمار ؛ لأنّ قوى الفساد لا تزال توهم الملك بأنّ الشعب لا يعرف ما يريد وأنّه لم يبلغ سن الرشد الذي يؤهله للعيش في ظلّ دولة ديمقراطية حقيقية , وأنّ قوى الإصلاح ليس لديها مشاريع إصلاحية تحظى برضا شعبي , وإن لم تسارع قوى الإصلاح في ذلك فإنّ التاريخ سيسجل عليها أنها تضيّع فرصة إصلاح الوطن وإنقاذه , فإن كان الجميع متفقين على الإصلاح فما هو المسوّغ لتلك التيارات والهيئات والرقميات , وشباب كذا , وشابات كذا , أفكلما اجتمع خمسة شباب وأصدروا بيانا ولدت عندنا هيئة أو تكتل ؟؟ وهل نحن مضطرون للقول عمّا يجري
(أمور يضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها الحليم )
وما الذي يمنع من التكتل في جبهة وطنية تحمل مشروعا إصلاحيا شاملا ينقذ الوطن من الدمار ؟؟ , ويحقق رغائب الشعب وآماله وأحلامه ؟؟ فهذا الشعب يريد وطنا عزيزا قويا يسوده العدل والحق والخير , وتصلح منظومته التشريعية وتفعّل قوانينه ودستوره ؛ليفرض حبّه وتقديسه على مواطنيه , ويكون مهوى أفئدة العرب والمسلمين وقبلتهم فلا يدخله إلاّ الطاهرون من طالبي العلم , والأمن , والكرامة , والنصرة , والعلاج , وأصحاب الاستثمار الحقيقي لاعتقاده بأنّه وطن طاهر تقوده قيادة طاهرة مطهّرة فلا ينبغي أن يدخله إلاّ الطاهرون ... هذا ما يريده الشعب أمّا قوى الفساد والإفساد وأبواقها من أذناب , وإعلام مأجور فإنّها تسعى لتكريس الفساد بحجج برّاقة كبيت العنكبوت الذي لا يصطاد إلاّ الذباب وشبه الذباب , وتسعى مواصلة الليل بالنهار لتحويل هذا الوطن الطاهر الشريف إلى مكبّ لنفايات البشرية ورذائلها , وكأنّها موكولة بتوجيه صفعة لما يمثّله هذا الوطن من مشروع نهضوي , وقيادة شريفة وشعب طليعي وحدوي لإظهاره أمام الآخرين طفيليا يعيش على مساعدات الآخرين وفتات موائدهم , ومركزا لغسيل أموالهم , ومنتجعا لقضاء شهواتهم , وبندقية للإيجار للدفاع عن ترفهم وفسادهم .
أيها السادة الأماثل :
أتوجّه إليكم بهذا النداء بصفتكم أبناء قبائل وعشائر ماجدة عريقة ينتظر منها وطنها الكثير , والمأمول منكم وأنتم السادة الصيد والأبطال الصناديد , وأهل الحلم والعلم , والحكمة والحنكة أن تترفعوا عن خلافات مفتعلة لا سبب لها إلاّ مرض النرجسية , وداء الوصولية , والرغبة بالمغانم , وتلقي التعليمات من ساسة فرّق تسد , وأن تتوحدوا في تيار واحد وجبهة واحدة لعقد مؤتمر وطني تاريخي يتمخض عنه مشروع إصلاحي شامل يلتفّ حوله أبناء الوطن الصادقين المخلصين بدلا من تمزقهم وتشرذمهم وراء كلّ ناعق ممن يتوجس كلّ عاقل منهم خيفة ؛ لأنّ الأوطان لا يقودها في الساعات الحرجة إلاّ أصحاب التاريخ الحافل بالتضحيات .
نأمل أن يكون ذلك سريعا لأنّ ما يجري هو [ إجهاض للإصلاح ] بتخطيط أو بدون تخطيط وسيؤول إلى نتائج مرعبة .