هل تدمّر روسيا القوات الأمريكية في سوريا؟
اخبار البلد - كما كان متوقعاً، فشلت المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبين موسكو وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، بشأن الإنذار الروسي.
لقد رفض الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً المطالب الأمنية التي تقدمت بها روسيا. وردّت الأخيرة بالإعلان عن الانتقال إلى "إجراءات أخرى"، بما في ذلك الردع المضاد والإخافة المضادة.
في الوقت نفسه، بدأت روسيا مناورات عسكرية في المناطق المتاخمة لأوكرانيا، بينما أعلنت بالتزامن عن عدم نيّتها مهاجمة كييف.
تجدر الإشارة هنا إلى تصعيد خطاب موسكو ورفع درجة صرامة موقفها. يشعر المرء وكأنها تريد الحصول على رد مكتوب من الولايات المتحدة الأمريكية في أقرب وقت ممكن، من أجل الانتقال إلى الإجراءات العملية سريعاً.
منطق ذلك التسرّع هو أن أوكرانيا وأوروبا في خضم أزمة طاقة. يعود ذلك إلى ما اتسما به من جشع وحماقة، بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم قيامهما بتخزين احتياطيات الغاز اللازمة خلال الربيع والصيف الماضيين، على أمل مزيد من انخفاض الأسعار. ووفقاً لتقديرات شركة "غازبروم" الروسية، فإنه اعتباراً من 10 يناير الجاري، تم ملء منشآت الغاز الأوروبية بنسبة 50.88%، بمقدار 54.93 مليار متر مكعب من الغاز. قبل عام، كان مستوى الاحتياطيات أعلى بمقدار حوالي 18 مليار متر مكعب. وإذا لم تقم روسيا بزيادة الإمدادات، فإن المخزون في أوروبا سينخفض إلى 15% بحلول نهاية مارس، وهو ما قد يكون الأدنى في التاريخ. ووفقاً لخبراء الشركة الاستشارية "وود ماكينزي" Wood Mackenzie، فلو توقفت إمدادات الغاز من روسيا تماماً، ستتجمد أوروبا حرفياً هذا الشتاء.
وبالتالي، ففي حالة سيناريو المواجهة الصعبة، تواجه أوروبا كارثة اقتصادية، ومن غير المرجّح أن تكون قادرة على المشاركة بنشاط في أي مواجهة مع روسيا. على العكس من ذلك، سوف تبذل أوروبا قصارى جهدها لإنهاء المواجهة في أسرع وقت ممكن.
حاولت فيمقال السابقإثبات وجهة نظر أن روسيا ستحاول الابتعاد عن الحرب مع أوكرانيا، التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، مقابل محاولتها الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن، ذلك أن حرباً كبيرة مع روسيا هو أمر غير مقبول لها، عشية اشتباكها مع الصين. لذلك، ستبذل الولايات المتحدة كل ما بوسعها للخروج من الصراع العسكري مع روسيا في أقرب فرصة ممكنة، ومن المرجح أن يظل مثل هذا الصراع محليّاً.
وعليه فإننا في رأيي نتجه نحو مواجهة عسكرية روسية – أمريكية مباشرة في المستقبل القريب، في الشتاء، وربما في يناير.
إلا أن السؤال الرئيسي المطروح بلا إجابة: ما هي الإجراءات العسكرية، والعسكرية التقنية، التي سوف ترد بها روسيا؟ وأين؟
تستطيع روسيا إخافة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر فقط على حدود الأراضي الأمريكية. أمّا أوكرانيا أو أوروبا فلن تكونا مناسبتين لهذا الغرض. علاوة على ذلك، تبذل روسيا قصارى جهدها لتفادي السيناريو الأوكراني.
نظرياً، يمكن افتراض أن لدى روسيا بعض الأسلحة المعجزة الجديدة، التي يمكن أن تعلق في الهواء لسنوات، وتبعد 30 كيلومتراً فقط عن نيويورك، وتضرب في اللحظة المناسبة بسرعة تفوق سرعة الصوت بعدة مرات. من المحتمل أن يكون أحد تلك الأسلحة مرتبط بواقعة التجربة التي أجريت في موقع "نيونوكسا"، شمال روسيا، ووصفتها بعض الجرائد المصرية آنذاك بأنه انفجار نووي. أو ربما يتعلّق الأمر بغواصات نووية من دون طيار، برأس حربي يحمل 100 ميغا طن، من شأنها أن تغرق الساحل الأمريكي في البحر بمساعدة تسونامي.
يود المرء أن يأمل أن تقتصر المواجهة على تهديدات من هذا النوع، تفضي في نهاية المطاف إلى مفاوضات بأسرع ما يكون، على الرغم من وجود خطر نشوب صراع نووي في هذا السيناريو أيضاً.
مع ذلك، أعتقد أن كل هذا ليس مرجّحاً الآن، والأهم من ذلك أنه لن يكون مطلوباً. فهناك سيناريوهات تمتلك روسيا بالفعل أسلحة كافية لها.
أعتقد أن النقطة الأكثر ضعفاً في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الآن هي الاقتصاد. حيث يتسارع التضخّم في الغرب والعالم. وتشهد اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا توازناً دقيقاً بين الانهيار الكارثي لبورصات الأوراق المالية وانهيار الاقتصاد والتضخّم المفرط وكذلك إغلاق الاقتصاد. فأي صدمة عالمية ستنتهي حتماً بانهيار الاقتصاد الغربي. في واقع الأمر، لن يتمكن الغرب من شن حرب استنزاف يكون فيها أقوى من روسيا في ظل هذه الظروف.
لذلك، وبشكل عام، لا يهم ما سيكون الرد العسكري الروسي، الأمر الرئيسي هو أنه سيكون كبيراً بما يكفي لبدء تفاعل متسلسل من التفكك في الاقتصاد الغربي.
لكن السؤال الذي يظل مطروحاً: كيف وأين؟
دعونا نتذكر مشكلة الطاقة في أوروبا. الطاقة تقف في صف روسيا، ولا يوجد سبب يمنعها من استخدام هذه الورقة الرابحة مرتين.
هناك بلد في الشرق الأوسط، يوجد على أراضيه الجيش الأمريكي بشكل غير قانوني، وستكون الضربة حينها أولاً، قانونية، وثانياً، ستؤدي حتماً إلى اضطرابات عالمية.
وفي حال رد الأمريكيون باستخدام بنيتهم التحتية العسكرية الإقليمية، يمكن لروسيا أن تضرب القواعد الأمريكية في المنطقة. بل ومن الممكن أن تنحرف بضعة صواريخ أمريكية أو روسية عن مسارها خلال القتال، لتدمر عن طريق "الخطأ" أكبر المنشآت النفطية في المنطقة.
في هذه الحالة، وبشكل عام، فمن غير المحتمل أن يتم توفير إمدادات النفط والغاز من هذه المنطقة لعدة أشهر على الأقل، وحينها سيحلم المشترون بالحصول على برميل نفط بسعر 1000 دولار أمريكي.
أعتقد أنها قد تكون الصدمة الأخيرة للنظام المالي في الغرب. بالطبع، سيكون الأمر صعباً على العالم بأسره، لكن الاقتصاد الأمريكي سوف يدمّر مع أي تطوّر للأعمال العدائية.
لقد قالها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوماً: "ما حاجتنا لعالم بدون روسيا؟". هذا تحديداً ما يفعله الغرب بتضييقه حلقة العقوبات، ووضع الصواريخ على حدود روسيا، لنصبح الآن على مقربة من الخط، الذي يصبح من الممكن بعده إيجاد عالم بدون روسيا، لذلك فليس لدى روسيا ما تخسره.
بالطبع، هذا هو الملاذ الأخير. وربما سيقتصر الأمر على تفاهات من عينة اعتراف روسيا بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وتدمير أوكرانيا، في حالة محاولتها منع ذلك.
إلا أنه من الواضح أن روسيا جادة، وإذا استبعدنا خيار حصول روسيا على سلاح معجزة جديد، "مغيّر للعبة" Game Changer، يبدو لي أن سيناريو الشرق الأوسط هو الأفضل. من غير المرجّح أن تحقق أي من السيناريوهات الأخرى النتيجة المأمولة.
على كل حال، ذلكم هو رأيي الشخصي المتواضع، وربما أكون مخطئاً.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف