د.طارق عبد القادر المجالي: اقتراح للحكومة وللمعارضة

أبناء الوطن الواحد في الأردن أمام فتنة كبرى ستأكل الأخضر واليابس ، لا سمح الله ، إن لم نتداركها بالممارسة الصادقة ، والنوايا المخلصة ؛ عشرات الحراكات الشعبية ، ومئات المسيرات الأسبوعية ، وآلاف اللقاءات الفضائية ، وملايين الخطب المنبرية ، وفي الجانب الآخر : سرايا الدرك المستنفرة ليل نهار ، وكتائب الأمن العام التي حرمت طعم الراحة والمنام ، ياختصار نحن في حالة تجييش واستنفار لم يشهده الوطن في وقت من الأوقات .
إلى متى هذه المعارك الكلامية ، التي صرنا نقطف ثمارها المرّة في شتى شرايين حياتنا اليومية ؟ لا الحراكات الشعبية متوقفة ، لأنها تدرك ، حسب رأيها ، بأن الحكومة غير جادة في الإصلاح ، لذلك اختارت أن تشم الهوى على الميادين العامة ، ولا الحكومة والقوات الأمنية قادرة على أن تأخذ وقتها المطلوب للإصلاح فقررت الدوام يوم الجمعة بكافة مرتباتها كرها لا طوعا .
الكل ينادي بالإصلاح ولا إصلاح ولا من يصلحون، وغير المقتنع أو المتشكك بهذا القول ، فلينظر حواليه إلى أي قطاع من قطاعات الدولة مشلولة الحركة ، أو لأي نشاط حكومي في ميدان التعليم والزراعة والتجارة والسياحة وغيرها . وانتفخت مؤسسات إعلامية وقنوات فضائحية فاسدة تتغذى على خلايا الفتنة والقبلية والجهوية وإشهار إعلانات الوفاء والوطنية ومظاهر التناخي الكاذب ، والانتماء القائم على المصلحة والرسائل الخلوية مدفوعة الأجر.
الكل مع الدولة والنظام ، والكل مع إصلاح النظام !! ولكن لماذا لم نسر خطوة واحدة جادّة في هذا الطريق ؟ كيف كل هذه الأشهر لم نتمكن من التوفيق بين شعار: الشعب يريد إصلاح النظام ، وكذلك الحكومة أيضا التي بحّ صوتها وهي تصرح بإصلاح النظام ، وبما أنهما الطرفان واللاعبان الرئيسيان في عملية الإصلاح . إذن ما الحل ؟
هل الحل أن نبقى طعاما سائغا لمن يحققون مآرب شخصية أو حزبية أو جهوية أو قبلية ، مستثمرين طيبة أبناء الشعب ، وغيرته على وطنه ،ومستغلين أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة ؟ ويقينا أن هذه الحالة المتردية لن تقودنا إلا إلى مزيد من المعاناة والتمزق والتناحر والفرقة والانفلات المجتمعي ، وإن رغبنا في هذا الطريق ما علينا إذن إلا أن نفكك كل أجهزة الدولة ، ونعتصم بالعشائر ،ونلوذ بالقبائل و( وين راحوا النشامى ) نحن كلنا ،حقيقة ،غير جادين في الإصلاح على الرغم من صدق النوايا ، لذلك فإن العلاج السحري الذي يمكن أن يقدم لأبناء الشعب في هذا المقام ، وهو في تقديري العلاج الوحيد ،إن أردنا تحقيق الإصلاح بصورة جذرية ومستمرة ، ومحققة لطموحات المعارضة والموالاة على حدّ سواء .
العلاج السحري الذي أتبناه وأتمناه هو : أن تقوم الحكومة فورا بعقد مؤتمر وطني للإصلاح يدعى إليه كافة الأحزاب السياسية والحراكات الوطنية وأطياف المعارضة ، والفعاليات النقابية والشبابية ، وأن يتحاور الطرفان على خطة إصلاحية شاملة وواضحة يتم الاتفاق عليها ، تكون منسجمة مع تطلعات الأردنيين ،ومبنية على أسس من واقع الوطن الاقتصادي والظروف المحيطة إلى أن تتولد لدي الجميع قناعة حقيقية لا شعاراتية بأن هذه الخطة هي القادرة على إنقاذ الوطن مما هو فيه حول الإصلاح ومكافحة الفساد ، وتعلن هذه الخطة المتفق عليها أمام المواطن الأردني ليتم محاكمة الحكومة على أساس الالتزام بها أولا بأول ، شريطة أن تتوقف بعدها المطالبات والمسيرات والاحتجاجات والاعتصامات ،ما دامت الحكومة ملتزمة بتنفيذ هذه المطالب وفق جدول زمني محدد ، وليست ملتزمة بتنفيذ غير ما هو مطلوب في ما اتفق الطرفان عليه .
اقتراح قابل للتطبيق ، وعملي ، ومثمر . وبخلافه فإننا سنبقى نراوح مكاننا نحو توسيع الفجوة بين الحكومة والشعب ، وتشتيت الجهود ، وتحقيق المطالب عن طريق البلطجة ، والاستقواء الحكومي والعشائري ، وتذويب مدنية الدولة والمؤسسات إلى أن نصل جميعا إلى الهاوية . والبحث عن لقمة الخبز في الحاوية .