مغامرة الإسلاميين في المفرق


إصرار جبهة العمل الإسلامي على تنفيذ قرار تنظيم مسيرة سياسية في محافظة المفرق، بالرغم من الكثير من التحذيرات التي نصحت بتجنب المواجهة مع نسبة لا يستهان بها من سكان المحافظة وأبناء عشائرها الذين أعلنوا عدم ترحيبهم بالنشاط في محافظتهم، أمر يمكن أن يكون سببه إما عدم إدراك لطبيعة الظروف السياسية والعشائرية في المحافظة أو التوجه نحو تصعيد مدروس وافتعال مواجهة عنيفة يمكن أن تكون مدانة أخلاقيا وسياسيا وتضع الإسلاميين في الموقع المحبب لهم وهو الضحية.

كافة محافظات الأردن تقريبا تشهد حراكا سياسيا ذا غطاء عشائري محلي، ويتضمن تركيبة واسعة من القطاعات السياسية والاجتماعية في المحافظات، مع مشاركة محدودة من الإسلاميين والاحزاب الاخرى. والمنطقي هو الحفاظ على هذه المعادلة وعدم العمل على فرض تواجد وأجندات حزبية ذات طابع صدامي في هذه المرحلة. أصر الإسلاميون على عقد المسيرة ضمن افتراض لا نعرف مدى منطقيته في أن أجهزة الدولة الامنية مجبرة على توفير الحماية للإسلاميين، وهذا يعني بشكل مباشر وضع الاجهزة الأمنية في بؤرة الواجهة مع أبناء العشائر الذين أعلنوا مسبقا رفضهم لهذا التجمع. هل كان المطلوب بالفعل وضع الأمن في مواجهة السكان المحليين لحماية الإسلاميين؟ لا نملك أن نحاكم النوايا نكتفي بإبداء الانتقاد من غياب الحكمة.

وفي المقابل، ومع كل التقدير لمشاعر الولاء الوطني فإن استخدام مظاهر العنف في سياق العمل السياسي ليس ابدا الخيار الأمثل، بل ستكون له تداعيات سلبية ومزيدا من الاستقطاب في المجتمع نحو موقفين نعتقد أنهما “مصطنعان” في وضع الشعب الأردني في مواجهة نفسه إما “إصلاحيين” يشاركون في المسيرات السياسية والشعبية وإما “معادين للإصلاح” يقفون أمام الفئة الأولى.

نحن في مرحلة انتقالية يجب أن نتعلم فيها جميعا الرضوخ المنطقي لحكمة قبول الرأي الآخر وعدم اللجوء إلى العنف ابدا. لا الإسلاميين يمثلون المجتمع الأردني ولا الإصلاحيين الذين يجوبون الشوارع ولا المناهضين لهم من المجموعات التي تطرح نفسها موالية للدولة والقيادة. المجتمع الأردني فيه كافة التلاوين والمواقف ولا يملك اي أحد الحق في استخدام جملة تبدأ ب “الشعب يريد...” لأن الشعب لم يمنح تفويضا لهذه التيارات السياسية المتناقضة لتمثيل الناس. في كافة الدول يريد الشعب الحياة الكريمة والآمنة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو سيمنح دعمه للجهات التي تساهم في الوصول إلى هذه النتائج بغض النظر عن شعاراتها السياسية.

هنالك إرهاق في الأردن من تواصل هذا الضخ السلبي منذ سنة. الحكومات ملامة بسبب التأخير في تنفيذ الإجراءات الإصلاحية والتيارات السياسية ملامة بسبب عدم وضوح الرؤية لديها والجماعات التي تمارس العنف ملامة لانها تزرع بذرة من الفتنة والكراهية قد تكبر ويصبح من الصعب السيطرة عليها. الحل الوحيد هو السير السريع والمنظم نحو تحقيق إنجازات حقيقية في سياق الإصلاح، وتحقيق التوافق بين الحكومة والمعارضة وليس تعظيم الخلافات واللجوء إلى الصدامات في الشارع.

batirw@yahoo.com