هل أصبحت كازاخستان ساحة صراع جديدة؟
اخبار البلد -
منذ أن انسحبت أميركا من أفغانستان قبل أربعة أشهر، وشكوك خبراء السياسة كانت تحوم حول أسباب هذا الانسحاب وتبعاته، التي توقعوا أن يكون صداها في زعزعة استقرار دول آسيا الوسطى، كما حدث في المشهد الكازاخستاني اليوم الذي انفجر فيه الشارع غضباً واحتجاجاً على قرارات حكومية برفع أسعار الوقود مما ولد الضغط الكامن من تردي الأوضاع المعيشية في بلد يعد منتجاً مهماً للنفط والغاز عالمياً، ويحتل المرتبة الـ16 عالمياً في تصدير النفط، وهي الدولة الأقوى اقتصادياً، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، إضافة إلى أن لديها موارد معدنية وافرة، ولكن الاضطرابات الشعبية أججت التوترات بسبب الفقر والديون المتراكمة، إذ يبلغ الحد الأدنى للأجور نحو 100 دولار شهرياً.
بذلك تكون معضلة تلك الدول تسير نحو أسوأ الاتجاهات، فبعد تواصل الاحتجاجات وفقدان السيطرة طلبت الحكومة الكازاخية تدخل روسيا لإعادة الاستقرار، حيث اعتبر الرئيس الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، أن بلاده تعرضت لـ«عدوان مسلح» نفذه «إرهابيون مدربون في الخارج»، مشيراً إلى أنه تم رصد 20 ألفاً منهم في ألماآتا وحدها، فهل ما يحدث في كازاخستان بدافع ودعم غربي، كما في أوكرانيا لزعزعة أمن روسيا؟ أم هو شأن داخلي لشعب كازاخستان الذي يريد قرار الحرية والقدرة على طرح حلول للتحديات المثيرة للتوتر من دون تدخل من روسيا، وأن بوسعهم إدارة حياتهم، وموقفهم قابل للفهم لا يحتاج لسيناريوهات بديلة حتى لو بدا فوضوياً وخارجاً عن السيطرة؟
إنّ الإشارة الصريحة إلى نزعة الصراع بين روسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي في آسيا الوسطى هو لمواجهة النفوذ الروسي، وتهيئة شعوب المنطقة نفسياً وفكرياً ضدها، وهكذا يستخدم العقل الأميركي تغيير مخزون من المفاهيم إلى حدٍ بعيد جوهري يتم تعريفه ضمن المحفزات المقترحة لإخضاع الحاضر مادياً وإدراك الغايات لإظهار المنافع لكل المراحل التي رسمتها، وانتقال هذه الوسائل من خلال مهمات محددة تفصل الشعوب عن واقعها الذي لا يتوافق مع طموحها وازدهارها. وعندما يتم هذا الفصل يكون مفتاح المحاكمة العقلية متقداً يحدد العمق الذي يغوص إليه معنى المشكلة، ويبحث عن عدد من الخيارات، كما يمكن قول الشيء ذاته فيما يتعلق بتقويض دور روسيا في المنطقة كما تريد أميركا.
في حال التسليم حرفياً بالأمر تصبح الإشارات تعديلات تكتسب قدرة تصويرية على أنها تحتوي على وفرة من الأحداث ونشاط سياسي له عدة فصول مترابطة، فهل هذا التأثير سلبي مقصود، سيكبد كازاخستان تكاليف باهظة نظير تدخلات روسيا؟ وهل تستقر ويصبح ما يحدث مجرد احتجاجات لأوضاع معيشية، أم أن الأمر بداية انتقال الفوضى لآسيا وسيتكرر المشهد في دول أخرى؟ وهل ستطال الصين الفوضى والصراعاتُ والتدخلاتُ الغربية؟
الحقيقة أن هذا التحدي لا يقتصر على تلبية المطالب، بل هو طريقة لإيصال رسالة من التنكيل العام للحكومة عند الإخفاق في تحقيق النتائج المرجوة، ومن ثم احتاج الأمر لإذكاء النيران بداخل المؤسسات الحكومية والمحلات التجارية والمستشفيات، فالمتظاهرون اقتحموا مبنى المطار الدولي وأيضاً مبنى البلدية الرئيسي في ألماآتا. وأطلقت الشرطة قنابل صوتية والغاز المسيل للدموع ضد حشد من آلاف المتظاهرين لكنها لم تنجح في منعهم من الاعتداءات والتخريب.
في أثناء تلك الفوضى والصراعات كان الجانب الأكثر خسارة هو فقدان الثقة وقطع العلاقة بين الحكومة والشعب، والسؤال الأهم الذي نطرحه في هذا السياق، كيف يمكن أن يتحسن الوضع السياسي والاقتصادي ويصبح أفضل في كازاخستان ويعود الاستقرار؟ إذا كانت مساحة التوتر شاسعة بين الغرب وروسيا والساحة هي كازاخستان، والحصول على استنتاج سيكون مرهوناً بتحركات بريطانيا في هذا الشأن بعد إرسال قواتها، ومعها الإدارة الأميركية.. إذاً كل السيناريوهات واردة، إذا قدمت روسيا تنازلات، وغيرت بعضاً من سياستها التي تمت في شبه جزيرة القرم بأن ذلك لن يتكرر، وانسحبت القوات من أوكرانيا التي تشهد حشداً عسكرياً روسياً على حدودها، وتفادي خطر نشوب نزاع بين الحلف وروسيا... ولكن ما يجري قد يتسبب في حدوث تحول يسعى له الغرب.