"فريد من نوعه".. كيف يختلف التدخل الروسي في كازاخستان عن أوكرانيا؟

أخبار البلد - للمرة الرابعة في أقل من عامين، تدخل روسيا على خط أزمة جديدة في واحدة من الدول السوفييتة السابقة، وهذه المرة في كازاخستان، أكبر بلد في وسط آسيا، لكن التدخل الروسي في هذا البلد يختلف عن المرات السابقة، وفق مراقبين.

وقبل ساعات من انطلاق الحوار الأميركي الروسي في جنيف، الذي سيناقش على وجه الخصوص حشد موسكو لنحو 100 ألف جندي على حدود أوكرانيا، أعلنت موسكو وصول وحدة من قواتها وقوات دول أخرى متحالفة معها، الخميس، إلى كازاخستان، بطلب من الأخيرة، بهدف حماية المباني الاستراتيجية ومساندة الشرطة على وقع احتجاجات عنيفة.

وأعلن الكرملين، السبت، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، أجريا "محادثة هاتفية طويلة" لمناقشة الوضع واتفقا على البقاء على "تواصل دائم".

وبدأت الاحتجاجات، الأحد، في المناطق الريفية بعد زيادة أسعار الغاز، ثم امتدت إلى عدد من المدن وبينها ألماتي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث تطورت التظاهرات إلى أعمال شغب أدت إلى سقوط عشرات القتلى.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها أعدت فرقة مكونة من أكثر من 75 طائرة نقل، للسماح بنشر القوات في البلاد. وأشارت وسائل إعلام رسمية إلى أن موسكو أرسلت حوالي 2500 جندي وهو رقم مرشح للزيادة.

وهذه هي المرة الرابعة خلال عامين فقط التي "تستعرض فيها موسكو عضلاتها في الدول المجاورة"، بعد بيلاروس وأرمينيا وأوكرانيا، على حد وصف صحيفة صحيفة وول ستريت جورنال.

وبعد أن عرض بوتين في 2020 تقديم "المساعدة الشاملة" لرئيس بيلاروس، ألكسندر لوكاشينكو، ضد موجة من الاحتجاجات العارمة، أرسل بوتين بعد ذلك "قوات لحفظ السلام" لوقف الحرب على الأراضي المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان، ونشر أكثر من 100 ألف جندي على حدود روسيا مع أوكرانيا للضغط على كييف من أجل التخلي عن رغبتها في الانضمام إلى حلف "الناتو".

وبعد التحرك الأخير في كازاخستان، انتقدت الولايات المتحدة على الفور نشر قوات روسية هناك لدعم حكومتها، بعد أن شككت بالدعم الذي قدمته روسيا للوكاشينكو إثر إعادة انتخابه المثيرة للجدل ولطريقة تعامله أزمة المهاجرين الأخيرة في أوروبا.

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لشبكة "سي أن أن"، الأحد: طلبنا توضيحا من المسؤولين في كازاخستان حول سبب حاجتهم إلى طلب المساعدة من القوات الروسية.

ما الفرق بين التدخل في أوكرانيا وروسيا؟
المحللة المختصة بالشأن الروسي، آنا بورشفسكايا، توضح لموقع الحرة أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا جزء من الدولة الروسية، وفي السرد الخاص بتأسيس الدولة الروسية. لا تنفصل أوكرانيا عن روسيا، ولم يعترف بوتين والكرملين أبدا بالسيادة الأوكرانية، أما كازاخستان فليست المسألة شخصية وهي لم تتطلع إلى أن تصبح جزءا من الاتحاد الأوروبي، ولم يكن هناك أي حديث عن انضمام كازاخستان إلى حلف الناتو على الإطلاق، ومن هذا المنطلق، فإن الأمر ببساطة ليس ارتباطا شخصيا ولكن من الناحية الاستراتيجية، لا تزال كازاخستان دولة مهمة للغاية.

ما أهمية كازاخستان لروسيا؟
وتوضح المحللة أن في كازاخستان أقلية عرقية روسية كبيرة وقبل عدة سنوات وبعد فترة وجيزة من احتلال إقليم القرم، عندما كانت هناك توترات بين روسيا وكازاخستان. ألمح بوتين نوعا ما، إلى أنه توجد هناك أقلية يمكنها إجراء استفتاء حول الاستقلال، في محاولة لتذكير القيادة الكازاخستانية بأن لروسيا هذا النفوذ داخل هذه الأقلية.

وتشير المحللة أيضا إلى أن كازاخستان أيضا جزء من منظمة شنغهاي للتعاون، وروسيا أيضا عضو فيها، ولذلك لدى روسيا الكثير من العلاقات العسكرية مع كازاخستان، ومن بين جميع دول آسيا الوسطى، ربما تكون كازاخستان هي الأقرب لروسيا، وفضلا عن ذلك فإن منطقة وسط آسيا مهمة بشكل خاص بالنسبة لروسيا، بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتعد كازاخستان جزءا مهما من المعادلة، كما أنه لدى كازاخستان العديد من الموارد الطبيعية الهامة.

وتقول: "لا يبدو أن ما حدث هو أن الاحتجاجات كانت ببساطة نتيجة للفساد وسوء الإدارة في كازاخستان، لكن حقيقة الأمر أن روسيا تنشط في هذه الأزمة".

وجاء في تحليل على فورين بوليسي أن أي تدخل روسي في الدول السوفييتة السابقة يهدف إلى الحفاظ على الوحدة السياسي المحلية في روسيا، وحماية نفسها من الجيران المناوئين أو القوى الخارجية، وترسيخ نفوذها في المنطقة مع الحد من نفوذ اللاعبين المتنافسين.

وبينما غزت روسيا جورجيا وأوكرانيا لتقويض الحكومات الموالية للغرب المعادية لمصالحها، فإن تدخل موسكو في كازاخستان جاء لدعم دعم حكومة موالية لروسيا تتماشى استراتيجيا مع الكرملين.

وتقول نيويورك تايمز إن التدخل بمثابة "فرصة" لروسيا لاغتنام هذه الاضطرابات لتعزيز نفوذها. وتشير إلى أن الاضطرابات في كازاخستان كشفت مرة أخرى ضعف القادة الأقوياء، الذين وثق الكرملين فيهم من أجل الحفاظ على النظام، لكنها أيضا أتاحت لروسيا فرصة أخرى لإعادة تأكيد نفوذها في المجال السوفييتي السابق، وهو أحد أهداف بوتين بعيدة المدى.

وقال مكسيم سوشكوف، من معهد الدراسات الدولية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، لنيويورك تايمز، إن "مشهد بلد مثل كازاخستان (يبدو أنه بلد كبير وقوي) وقع في حالة من الفوضى بهذه السرعة كان بمثابة صدمة، وأظهر كيف أن الجمهوريات السوفييتية السابقة التي حاولت تحقيق التوازن بين الشرق والغرب يمكن أن تحدث بها أزمة وتتحول إلى روسيا".

وأضاف سوشكوف أن الاضطرابات في كازاخستان يمكن اعتبارها "أزمة خطيرة تهتم روسيا بتحويلها إلى فرصة"، وأن مثل هؤلاء القادة يرون أن بوتين هو الحامي الذي لا غنى عنه ويلجأون إليه في أوقات الأزمات.

وقال ألكسندر كولي، أستاذ العلوم السياسية في كلية بارنارد وسلطة في آسيا الوسطى، للصحيفة إنه من غير المرجح أن تطالب روسيا بتنازلات فورية من توكاييف، لكنها في الوقت ذاته اكتسبت نفوذا قويا، مما عرقل جهود كازاخستان السابقة لاتخاذ موقف حيادي مع موسكو وواشنطن.

وتقول وول ستريت جورنال إن المهمة الأخيرة لروسيا في إطار التحالف الجماعي توضح إلى أي مدى نجح بوتين في الاستفادة من تحديث البلاد عسكريا خلال العقد الماضي لخلق أداة دبلوماسية تحفظ نفوذه في الفضاء السوفييتي السابق.

لماذا القلق من التدخل الروسي في كازاخستان؟
وكان بلينكن قد حذر من أن كازاخستان ستجد صعوبة كبرى في الحد من النفوذ الروسي، قائلا: "ثمة درس من التاريخ الحديث مفاده أنه ما أن يدخل الروس بلدا ما، فإن إخراجهم يكون أحيانا أمرا بالغ الصعوبة".

ويشير الوزير الأميركي في هذا الصدد إلى إرسال روسيا قوات لحفظ السلام، في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي منظمة إقليمية تضم روسيا وحلفاءها، من بينهم أرمينيا وبيلاروس وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.

وتقول المحللة الروسية لموقع "الحرة" إن الأمر المقلق هو أنه بمجرد وصول قوات حفظ السلام الروسية إلى بلد ما، فهي لا تغادر عموما.

وتشير نيويورك تايمز إلى أن القوات الروسية، التي أرسلت قبل ثلاثة عقود في إطار "قوات لحفظ سلام" إلى منطقة مولدوفا الانفصالية ومنطقة أبخازيا في جورجيا، لا تزال موجودة هناك.

وجاء في تحليل فورن بوليسي أن التدخل الروسي في كازاخستان "فريد من نوعه مقارنة بالعمليات العسكرية السابقة لموسكو في الفضاء السوفييتي السابق"، مثل جورجيا في عام 2008 وأوكرانيا في عام 2014، وأحد الجوانب الفريدة هو مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

وعلى عكس عمليات روسيا في جورجيا وأوكرانيا، فإن نشر قوات المنظمة (غالبيتها قواتها من روسيا) طلبها صراحة الرئيس الكازاخستاني.

وما شجع روسيا على التدخل سريعا أيضا الإشارات الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنه لن تكون هناك عواقب اقتصادية أو سياسية كبيرة لروسيا من الغرب، ونتيجة لذلك، تصرفت روسيا بسرعة وحسم لإرسال قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي فور طلبها، وفق فورين بوليسي.

ما هي مخاطر النفوذ الروسي في كازاخستان؟
وتقول المحللة الروسية في تصريحاتها لموقع "الحرة" إن سؤال أساسيا الآن هو: هل سيؤدي هذا الوضع إلى خلق حاكم استبدادي آخر؟، تماما كما حدث مع رئيس بيلاروس الذي يدين ببقائه في الحكم لروسيا؟ لأنه مع النفوذ الروسي هناك من خلال قوات حفظ السلام، لا يبدو أنهم سيضغطون على قيادة كازاخستان من أجل إجراء الإصلاحات الضرورية لإجراء الانتخابات ومعالجة المظالم التي أدت إلى هذه الاحتجاجات، بل سوف يستغلون هذه الفرصة ببساطة لترسيخ النفوذ الروسي في بلد مهم استراتيجيا في آسيا الوسطى.

ما تأثير الأزمة على محادثات جنيف؟
تأتي التطورات الأخيرة قبيل محادثات الأميركيين والروس، بدئا من يوم الاثنين، في جنيف، في محاولة لنزع فتيل التوترات بشأن أوكرانيا وتقريب وجهات نظر حول الأمن في أوروبا عموما.

وبينما يريد الغرب من روسيا سحب حشودها عند الحدود مع أوكرانيا ويتوعد بفرض عقوبات في حال حدوث غزو جديد للبلاد، تطالب موسكو بوضع حد لتوسيع حلف الناتو عند حدودها وتقليص عدد العسكريين التابعين للحلف في أوروبا الشرقية، وهي مطالب كثيرة اعتبرها الغرب "غير مقبولة".

واستبق بلينكن المحادثات بالقول، الأحد، إنه لا يتوقع حدوث اختراقات، فيما قالت روسيا إنها "لن تقدم تنازلات"، معربة عن "خيبة أمل" من "الإشارات" الصادرة من واشنطن.

وترى المحللة الروسية، آنا بورشفسكايا، أن موسكو تشعر بثقة أكبر بالنفس، وتقول لموقع "الحرة": "انظر كيف وجهت روسيا إنذارا نهائيا للولايات المتحدة (بشأن مطالبها الأمنية)، وتنشر للمرة الأولى قوات لحفظ السلام عبر المنظمة. إنها إشارة على أن روسيا أصبحت أكثر ثقة بنفسها في إبراز مصالحها وتعمل على ترسيخ نفوذها. روسيا تتصرف بشكل حاسم لضمان سيطرتها".

لكن تقرير فورن بوليسي تحدث عن مخاطر للمشاركة الجماعية، قائلا إن مشاركة بيلاروس وقيرغيزستان وأرمينيا، وهي دول واجهت مشاكلها الخاصة بسبب الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، يمكن أن تجعل تلك البلدان أكثر عرضة للاضطرابات السياسية في المستقبل. وإذا فشلت هذه الدول بقيادة روسيا في تهدئة الوضع واستعادة النظام في كازاخستان، وربما في المناطق الساخنة في المستقبل، فقد يضر هذا بشدة بسمعة الكرملين، سواء في الداخل أو في الفضاء السوفييتي.

وتشير نيويورك تايمز إلى النتائج العسكرية لحملة موسكو في أوكرانيا من ناحية "تحويل عدد كبير من سكانها الذين كانوا أصدقاء لروسيا في عدة مناطق من البلاد إلى عدو لدود"، كما أنها تسببت أيضا في توتر خارج الفضاء السوفييتي السابق، وأحيت نقاشا في دول أخرى حول ما إذا كان ينبغي الانضمام أو على الأقل الارتباط الوثيق بحلف الناتو.

ويتساءل كثيرون عن عدد الحرائق التي يمكن أن تندلع حول حدود روسيا قبل اندلاع حريق مماثل في داخل روسيا. وقال سكوت هورتون، المحاضر في جامعة كولومبيا الذي قدم المشورة لمسؤولين في كازاخستان ودول أخرى في آسيا الوسطى لصحيفة نيويورك تايمز: "إذا حدث شيء من هذا القبيل في كازاخستان، فيمكن أن يحدث بالتأكيد في روسيا أيضا".