فرويد ومجلس النواب الأردني
أخبار البلد-
تابعتُ بعناية ما حصل تحت القبة من أحداث مؤسفة في الأيام الأخيرة, وحضرني ما ذهب إليه العالم النمساوي (فرويد) قبل مئات السنين, حيث كتب بعمق الكثير الكثير حول عجز الأنسان عن تقبل الرأي والرأي الآخر, وتحويل النقاش والحوار إلى تلاسن حاد ومشادات كلامية ومن ثم اللجوء إلى القوة, وقد اختصر فرويد كل ذلك بعبارة جاء فيها أن (استخدام اليد والقوة مؤشر لضعف سيطرة العقل), ولا ادري هنا إن كان فرويد قد قرأ هذه الآية الكريمة أم لا: ﴿يُؤتي الحكمةَ من يشاءُ ومن يُؤتَ الحكمةَ فقد أُوتي خيراً كثيراً وما يذكّرُ إلا أولوا الألبابِ)؟
استحضارنا اليوم للعالم لفرويد, لأنه نجح في تفسير كل سلوك إنساني خاطئ, على انه انطباع واختزال ذلك الإنسان للماضي, وهذا يؤكد المثل العربي الشهير: (القصة ليس رمانة, إنما القصة قلوب مليانه).
كنت أتوقع أن يكون الخطاب تحت القبة خطاباً مسؤولاً, وأكثر عقلانية من الذي حدث, لكن للأسف الشديد حصل عكس ذلك تماماً, اعتقد جازماً أن القصة ليست وليدة الساعة التي وقعت فيها المشكلة, إنما هي تراكمات سابقة تجمعت في لحظة ما وحصل ما حصل, والمتتبع لحيثيات المجلس يجد دون أدنى شك أن هناك للأسف الشديد من يثير (الفوضى), ويجد أن هناك من يثير (الفتنة) ايضاً, ويجد أن هناك من يتزعم (فئة مستأسدة) في المجلس, فالقصة ليست قصة خلاف على طبيعة الإصلاحات على الإطلاق, إنما هي جملة من الاختزالات العرجاء تلك التي يتحرك وفقها بعض النواب.
اتجاهات المواطنين اليوم نحو أعضاء مجلس النواب سلبية للغاية, وانطباعات الحكومة نحو أعضاء مجلس النواب كذلك الأمر, وتمنيات الجميع بحل مجلس النواب الحالي واضحة المعالم, لكن ذلك سيعيدنا إلى المربع الأول, وسنكون في هذه الحالة أمام مجلس نواب جديد بنفس الشكل والمضمون, والحل الوحيد لدينا هنا هو البقاء على هذا المجلس لحين اكتمال دورته النيابية مع ضرورة محاسبة من أثار الفوضى, ومن أثار الفتنة, ومحاسبة الفئة المستأسدة في المجلس وفق لائحة القوانين والانظمة المعمول بها في المجلس, فنحن بحاجة ماسة إلى إصلاحات سياسية من شأنها أن تفرز لنا مجلس نواب قوي امين يطرح لنا خطاب سياسي مرموق, ويحمل معه تحديات الوطن ومستقبل أجياله القادمة.
مجلس النواب الحالي بخطابه السياسي الضعيف لم يقنع احد على مدار جلساته حتى اللحظة على الاطلاق, بل على العكس فقد اخفق في مناقشة الهياكل السياسية للدولة, فنحن لا نريد من هذا المجلس الموافقة المطلقة للإصلاحات السياسية المطروحة, ولا نريد منه رفض الاصلاحات السياسية المطروحة بالمطلق, نحن نريد منه خطاب سياسي هادئ وعميق يعكس تحليله للإصلاحات السياسية والتي من شأنها الوصول إلى التعديلات والاصلاحات الضرورية والمطلوبة دون محاباة لاحد, ودون الوقوع تحت تأثير اي ضغط كان, وتحكيم العقل النيّر بدلاً من العاطفة, فالإصلاحات السياسية المطروحة لا تدار بالعواطف الجيّاشة ولا بعرض العضلات, إنما تدار بالمنهج العلمي العقلاني في التحليل والربط والمقارنة وتقييم الواقع تقييماً سليماً, ومن ثم إقرار ما ينبغي إقراره.
سلوك أعضاء مجالس النواب حتى اللحظة لا تعكس بأي شكل من الأشكال الوعي والنضوج السياسي عند الكثير منهم, الأمر الذي جعل التنمية السياسية للأسف الشديد في الأردن تكاد تكون متعثرة إلى حد ما, ولا شك أن كثير من التحديات تعتمد هنا على وعي وثقافة الإنسان الأردني, وأن ثقافة الفزعة ينبغي أن تغيب تماماً من قاموس الأردنيين في هذه المرحلة وبالذات أمام صناديق الاقتراع, كيف لا وانتخاب نائب حقيقي من غير أسلوب (الفزعة) يعني أسقاط تحدٍ أو أكثر من تحديات الوطن, والعكس يعني بالضبط تكريس تحدٍ أو أكثر من تحديات الوطن.. نعم المسألة تُحسب بهذه الطريقة وربما أدق من ذلك بكثير.
وبعد..
أنظار الأردنيين اليوم تتجهُ نحو إصلاحات سياسية حقيقية تعمل على صياغة قانون انتخابي توافقي يفرز للوطن مجلس نواب يعي ويدرك مصالح الأردن السياسية في قادم الايام.