قنبلة عون الخلّبية… أدهم نابلسي من مغن إلى داعية.. شجرة الميلاد وتجميل الاستعمار

أخبار البلد-

 

منذ يومين ونحن نقرأ عن خطاب مرتقب للرئيس اللبناني ميشيل عون، قالوا إنه سيكون قنبلة الموسم. كان منهكاً كالمعتاد، حروفه رخوة، مع أن الخطاب مكتوب بلغة مريحة، هي بين الفصحى المبسطة، والعامية. وعلى الأغلب كان الرجل يقرأ من شاشة غير ظاهرة. خطاب مبني على أسئلة متتالية، وهذه بالطبع أسوأ أمراض الكتابة، أن تسأل، وتكرر السؤال، يزيدها سوءاً أنها تصدر عن رئيس ينتظر منه الناس أجوبة وحلولاً لا أسئلة.

كرّر عون أسئلة من قبيل؛ وين ومَن المسؤول؟ بأي شرع؟ بأي منطق؟ بأي دستور؟ لماذا تزوير الحقائق؟ وماذا يمكن لرئيس بصلاحيات محدودة أن يفعل؟ خطبة عون كانت تترجم تلقائياً في الرأس إلى خطاب يعرفه اللبنانيون جميعاً منذ سنوات طوال: «وينيي الدولة؟ وينيي الحكومة؟»، ولا ندري كيف سيشعر المواطن اللبناني وهو يرى رئيسه يُفَصْحِن الأسئلة إلى: «أين هي الدولة؟ أين هي الحكومة؟».
قد يكون خطاب عون موجهاً بالفعل إلى الثنائي الشيعي الحاكم، وهذه هي بطولته المزعومة. لكن ما دام لم يتجرأ على تسمية الأشياء بأسمائها سيكون من السهل التنصّل من أي تبعات للخطاب. بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك إلى حدّ القول إن الخطاب قدّم سلفاً إلى «حزب الله»، وقوبل بالمصادقة.
صحيح أن «السؤال أول المعرفة»، لكن أسئلة فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ليست سوى متاهة.

فيديو بلا ذوق

كثر تساءلوا إثر إعلان المغني الأردني أدهم نابلسي اعتزاله الفن: «ولكن من يكون هذا المغني أساساً؟».
جولة بسيطة في الشبكة العنكبوتية تكشف أن الشاب لم يبلغ بعد من العمر ثلاثين عاماً، وصحيح أن لديه بضعة ملايين من المتابعين على يوتيوب لكنه لم يبلغ مكانة عبد الحليم حافظ في وجدان الناس، ولا حتى مرتبة راغب علامة.

أطل الشاب في فيديو يخلو من أي ذوق، خلفيته جدار فارغ يوحي بأنه جالس في حمام، لا تطريزة، ولا لوحة، لا معلقة ولا حتى تميمة. أكد أنه برحلته السابقة في الغناء كان في طريق لا يرضي الله، وها قد اهتدى أخيراً ويدعو جمهوره إلى مشاركته الطريق، أي إلى اجتناب عالم الفن والغناء. اللهم لا اعتراض على إيمان، فهذا خيار وشأن شخصي تماماً، ولكن لأنه كذلك لماذا لم يسلك طريقاً شخصياً بين العبد وإيمانه؟ لماذا لا ينشغل بشقّ طريقه الشخصي إلى الله؟ كان بإمكان الشاب أن يختفي بصمت، ينسحب من غير ضجيج، لكنه أراد أن يكون انسحابه ساطعاً على هذا النحو، كما لو أنه محمد حسنين هيكل يستأذن بالانصراف في عمر الثمانين، بعد تجربة صحفية صاخبة ومدوية استمرت عقوداً.
يبدو أن الشاب الثلاثيني قرّر أن يتحوّل من مغن إلى داعية، من اللحظة الأولى التي انقلب فيها أراد أن يخطّئ الآخرين، تمهيداً لتكفيرهم على ما يبدو.
على الفور، وخلال أيام حاز فيديو الاعتزال حوالي أربعة ملايين ونصف مشاهدة، بالإضافة إلى أن الخبر شغل وسائل التواصل الاجتماعي، ومختلف الأوساط الفنية، والقنوات التلفزيونية والإذاعية، ولم يخل الأمر من بعض التراشق الغاضب مع الزملاء والزميلات الضالين. ليس عليه أن يستغرب الجدل ما دام قرّر الانسحاب مع شيء من الضجيج، حتى وهو يغادر أراد أن يصفق الباب وراءه بعنف. إنه نوع من البحث عن المجد والعظمة والشهرة، على الأقل هو شكل من «الأسف على العظمة»، حتى ونحن نزعم التواري عن الأنظار.

بدا الشاب، تماماً في اللحظة التي أراد فيها الانسحاب وإيثار السكوت، يستأنف حياة صاخبة من جديد، لقد دخل عالم الشهرة من أوسع الأبواب. هذا ما دفع البعض لنصح الفنانين المستجدّين، الراغبين بشهرة سريعة، بتعديل خططهم. أن يبدأوا حياتهم الفنية بالمقلوب، لا من الغناء، بل من الاعتزال!

تحية قناة الميادين الجديدة هي هذه المرة للفاتيكان والبابا فرنسيس. مونتاج فيديو ليس من الصعب توقّع مغزاه، فكما تعلمون لا حامي للأقليات ورموزها في هذه البلاد إلا إيران والنظام السوري والدائرين في فلك الممانعة.

هذه هي الفكرة التي حاولوا تصديرها كلما كانوا في مهب الثورات. لكن ليس ذلك وحسب، فالفيديو يريد الإيحاء بأن البابا هو بدوره إلى جانب الممانعة، فيديو بطله السيستاني، المرجع الشيعي العراقي المعروف، والرئيس ميشيل عون، حارس الممانعة في خاصرتها الأشد حساسية، إلى صور أخرى ترافق خطابات للبابا، للكنائس المدمرة والمدن السورية المنكوبة، ومرفأ بيروت وصور الشهداء. لكن لمَ الغرابة!
لماذا نستغرب أنهم يحاولون الاستئثار ببابا الفاتيكان وتصويره على أنه «باباهم» ما داموا يحاولون الاستئثار بيسوع المسيح ذاته نفسه. وأكثر: أليسوا هم أحزاب الله!

يؤمن كثيرون أن ما من دين يمكن أن ينتصر على آخر، ما من إيمان يمكن أن يدحض آخر، ولذلك فإن شجرة عيد ميلاد بالناقص، أو شجرة بالزائد لا يمكنها أن ترجّح كفّة دين على آخر. تأتي صور من السعودية يبدو معها أن المملكة أرخت القبضة المعتادة قليلاً عن بعض طقوس الاحتفال بالأعياد المسيحية، ومنها ظهور شجرة ميلاد في بهو فندق، فتقوم الدنيا عند كثيرين احتجاجاً، إلى جانب ذلك الجدل السنوي المصاحب لأعياد الميلاد ورأس السنة، بل لأي عيد ديني؛ هل يجوز الاحتفال والتهنئة والمباركات. يطال الأمر أيضاً التعزية بمتوفى من دين أو طائفة أخرى؛ إن كانت التعزية تجوز، وبأي عبارات!

هذا هو الجدل غير الضروري، وربما الأسئلة الأكثر بغضاً. مكتوب علينا ألّا نرتاح ما دامت هذه الاحتفالات والطقوس مصدر قلق ورعب واستغراب.

لن يشفع لك، مهما تحدثتَ عن فظائع الاستعمار الفرنسي ومجازره في الجزائر، إن انزلقتَ مرة إلى القول: «لقد تركتْ الحقبة الاستعمارية هناك عمارات جميلة»، غضب الله كلّه سينزل فوق رأسك، تماماً كما حدث لكاتب نشر أخيراً مقالاً بهذا الخصوص. سيُعتبر ذلك مديحاً للاستعمار، ممنوع أن تتحدث عن طريق إسفلت صامد حتى الساعة في بلادنا من تلك الحقبة، حتى وإن كنت ترى بأم العين أثراً استعمارياً صامداً منذ مئة عام فيما تنهار كل «الصروح» والإنجازات الوطنية التي بنتْها حكومات ما بعد الاستقلال بلمح البصر.

ربما تصلح الفكرة لنقاش ينهض غالباً في الحروب وفي سنوات التعافي التالية للحرب. ماذا نفعل بتلك الأشياء المفيدة التي جاء بها الاستعمار وباتت بحكم أمر الواقع، العمارة والشوارع وتخطيط المدن والمؤسسات. اللغة مثلاً، تلك الفرنسية التي كتب بها الجزائري كاتب ياسين معتبراً إياها «غنيمة حرب». طيب اعتبروها غنيمة حرب!
الاستعمار قبيح وبغيض، خصوصاً الاستعمار الفرنسي في الجزائر، فمجازره أفظع من أن تنكر، لكن هل أنت مضطر لقول كل ذلك كلما أردت أن تقول إن هذه العمارة جميلة!وإلا سيكون ذلك نوعاً من التجميل للاستعمار؟!