قصة صاحب المسجد الذي ظل خاوياً من المصلين 20 عاماً في الرباط

أخبار البلد-

لا بد أن يكون لديك ما يدفعك لتنهض من فراشك، هدف وحُلم تتجه نحو تحقِيقه..

استفقت في الصباح الباكر ناسياً كل ما طرأ من أحداث، لا أفكر إلا بشيء واحد وهو كيف هو الحل لمشكلة الثانوية الأزهرية غير المقبولة بالجامعات المغربية؟

ذهبت مسرعاً إلى المعهد صاعداً إلى الإدارة وسألت موظف الإدارة "رشيد" وحدثته قائلاً: "شهادتي غير مقبولة بالجامعة، ماذا أفعل؟" أجابني بدون تردد: "إذا كنت أجنبياً وشهادتك غير مقبولة فإما أن تصنع معادلة لشهادتك وإما أن ترسل أوراقك لوزارة التعليم من خلال السفارة كي تكون من طلاب الثانوية المغربية (الباك) وتحصل على شهادة ثانوية مغربية"، شكرته وأثنيت عليه متجهاً إلى عملي وأنا أفكر في فعل الاثنتين المعادلة والثانوية المغربية لكي أحظى بخط الأمان.

ما تراه الأمس مشكلة قد يكون فرصة للتطور والنمو

بالفعل اتخذت قراري؛ القيام بالأمرين، بعد ذلك بيومين اتجهت إلى وزارة التعليم للحصول على المعادلة والتقديم لكي أصبح طالباً من طلاب الباك المغربي، وبالفعل حصلت على الاثنتين بعد تقديم كم هائل من الأوراق، البعض منها من مصر والبعض الآخر من السفارة ولكني انتهيت من تلك الأوراق بعد معاناة كبيرة تارة من السفارة وتارة من الأوراق التي كانت تأتي من مصر. كل ذلك غير العمل الذي تذهب إليه يومياً لكي تستطيع أن تأكل بدون أن تمد يدك لأحد، استطعت أن أحصل على المعادلة وسجلت اسمي بين أسماء طلبة الباك المغربي، النجاح لا يأتي إلا بالتركيز والتخطيط له، والأهم من ذلك كله هو الفعل.

يوم الراحة؛ الأحد البعيد، دائماً ما أفعل فيه الكثير من الأشياء، كالخروج والسير في أزقة الرباط للتعرف عليها، فالرباط تتميز بالأسوار القديمة والمساجد القديمة وعندما يأتيك الملل فعليك بالاتجاه إلى الشاطئ الذي لا تمل من الجلوس أمامه، ومع غروب الشمس دائماً ما أذهب إلى المقهى وأجلس لأتعرَّف على المغاربة.

مسجد السنة بالرباط

بدأت عطلتي بالذهاب لمسجد السنة لصلاة الظهر به ومحاولة معرفة حكاية السلطان الذي بنى المسجد.

بعد صلاتي اقتربت من إمام المسجد وسألته ما حكاية السلطان الذي شيَّد المسجد؟

أجابني بابتسامة ارتسمت على شفتيه بعد ما عرف بأني مصري الجنسية، وقال: "يعد جامع السنة معلمة تاريخية دينية، وهو أحد المساجد الستة التي بناها السلطان محمد بن عبد الله في عام 1785م، وقد ظل المسجد منذ بنائه نحو عشرين سنة خالياً لبعده عن المنطقة السكنية، وقد قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بتجديد مسجد السنة ونقل منارته من الطرف الشمالي إلى الطرف الجنوبي حيث رواق التجانيين، وذلك سنة 1969م".

السلطان محمد الثالث بن عبد الله الخطيب العلوي

السلطان محمد بن عبد الله هو الذي بناه من سلالة العلويين، ويلقب بمحمد الثالث حكم بعد أبيه عبد الله بن إسماعيل، أصبح بشكل رسمي سلطاناً عام 1757 عندما توفي أبوه تولى الحكم منذ عام 1746 لمدة 44 عاماً.

بويع سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل بمراكش، وتولى الحكم في ظروف صعبة، بعد عهد الاضطراب مباشرة، وقد تميز بالعقل والرزانة وبعد النظر. اجتهد في المحافظة على بلاده ووحدتها وتأمين الشواطئ المغربية من العدوان الإسباني والبرتغالي، رغم صعوبة الظروف.

وكان دائم التنقل بين جهات مملكته الواسعة ليطمئن على أحوال رعيته، لذلك كان له الفضل في الخروج بالبلاد إلى عهد مشرق يمثل أوج الازدهار السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للمغرب.

وحَّد المغرب من جديد، واسترجع الثغور وحصَّن الشواطئ، فقمع جشع الدول الاستعمارية، وطمعها في خيرات المغرب، فاستطاع أن يستعيد مازغان (الجديدة) من أيدي البرتغاليين سنة 1768م، حيث جهز قوة ضخمة لاستعادة هذا الميناء، وفتح البريجة سنة 1769م وأخرج النصارى منها وهدمها، وبنى وأسس مدينة الصويرة. كما كان يتابع عن كثب مقدار القوة النارية التي جمعها الإسبان في سبتة، فرأى أن يرجئ الاستيلاء عليها إلى وقت آخر.

يقول السلاوي بخصوص اعتنائه بأمور البحرية والجندية: "وأما اعتناؤه بمراكب القراصنة فقد بلغ عددها في دولته حوالي 50 من المراكب الكبيرة".

وبلغ عسكر البحرية ألفاً من المشارقة وثلاثة آلاف من المغاربة، ومن الطبجية ألفين. وبلغ عسكره من العبيد خمسة عشر ألفاً، ومن الأحرار سبعة آلاف، وأما عسكر القبائل الذي كان يغزو مع الجند فمن الحوز ثمانية آلاف ومن الغرب سبعة آلاف.

وكانت له هيبة عظيمة في مشوره، ومواكبه يتحدث الناس بها، وهابته ملوك الفرنج وطواغيتهم، ووفدت عليه رسلهم بالهدايا والتحف يطلبون مسالمته في البحر.

وبلغ ذلك بسياسته وعلو همته، حتى عمت مسالمته أجناس النصارى كلهم إلا المسكوف (الروس) فإنه لم يسالمهم لمحاربتهم للسلطان العثماني، ولقد وجه المسكوف رسلهم وهداياهم إلى طنجة فردها السلطان وأبى مسالمته.

وكان أعظم طواغيتهم في ذلك الوقت؛ طاغية الإنجليز وطاغية الفرنسيين، فكانوا يأنفون من أداء الضريبة علانية مثل غيرهم من الأجناس، فكان يستخرجها منهم وأكثر منها بوجه لطيف.

كما اهتم بالصحراء المغربية، فجدَّد ولاية شيوخ قبائلها بوادي نون وأدرار وماسة والساقية الحمراء.

وأنهي عهد الاضطراب الذي تولى فيه الحكم، وقضى على جميع الانحرافات والتطلعات الشخصية والقبلية.

وكان أول ما عني به العبيد الذين كانت حالتهم قد ساءت بسبب تسلط البربر عليهم.

ونظم شؤون القضاء، وجدد مسطرته، حيث استصدر ظهائر دورية عديدة تستهدف إصلاحه، وخاصة بالمحاكم الشرعية، كما تستهدف تذكير القضاة بواجبهم وتوصي بالأيتام والضعفاء، تحقيقاً للعدالة.

واهتم بالجانب العمراني، فإليه يرجع الفضل ببناء مدن: الصويرة سنة 1178هـ وفضالة (المحمدية) وتجديد مدينة الدار البيضاء، كما شيد ما يناهز ستين مؤسسة، من مساجد ومدارس وغيرها.

المغرب كان أول دولة تعترف بالولايات المتحدة 1777م، إذعاناً تحت قصف وتهديد من السفن الأمريكية التي أتت لتحرير سفينتين مخطوفتين، اشترط محمد الثالث بن عبد الله، تبادل الاعتراف بين الدولتين، على أن يتضمن ذلك دفع جزية أخوة مثل أوروبا للقراصنة، فرفضت أمريكا وأجبرته على توقيع اعتراف بدون دفع أموال.

كما بنى علاقات دبلوماسية قوية مع دول أوروبا الغربية بغية إعادة مكانة المغرب في السياسة الخارجية.

كما طلبت منه الولايات المتحدة الأمريكية أن يقيم معها معاهدة صداقة وتجارة، وقد راسله رئيسها جورج واشنطن، مشيداً بالعلاقات الودية التي تجمع بين البلدين، مما جعل المولى محمد بن عبد الله من أوائل الملوك والدول المعترفين بالفدرالية الأمريكية.

لم يلبث أن عقد معها المعاهدة المطلوبة سنة 1768م. كما وقع عدة معاهدات سلام مع كل من ملك السويد وملك الدنمارك كريستيان السابع، وملك إنجلترا جورج الثاني، وكذا مع البرتغال.

في عهد هذا الملك تم الاعتراف بالسيادة المغربية على مدينتي سبتة ومليلية وبضمان صيانتهما تاريخياً.

كما عقد اتفاقية مع ملك فرنسا لويس السادس عشر يتم بموجبها إلغاء الرق بين المسلمين والمسيحيين سنة 1777م، مما يعتبر سبقاً في سياسة المغرب الدولية.

شكرت الإمام وأثنيت عليه لكثرة المعلومات التي قصها عليّ، أعطاني شغفاً للقراءة على هذا السلطان ومعرفة حكايته بالكامل.

أدركت حينها أن هذا الشعب هو شعب بسيط يرحب بمن هو غريب، غير أنهم يتحدثون مع المصريين بشغف وحب وتقدير، كان المقهى ملاذي يوم العطلة واعتدت على تلك العادة، لأن المقهى المغربي يتميز بتجمعات للشباب والطلبة ورجال الأعمال، فكل ما هو مغربي يجلس على المقاهي خصوصاً بالرباط وبعض المدن الحضرية بالمغرب، المقهى بالنسبة للمغاربة هو مكان للتعارف، التحدث، التأمل والراحة.

وأنا جالس بالمقهى أتلذذ بقهوتي نادى عليَّ النادل قائلاً: "هناك سيد مصري يجلس بجوارك"، ذهبت إلى المصري وتعرفت عليه وتحدثنا مع بعضنا في الكثير من الأمور، عرفت منه أنه رجل أعمال يقيم بالمغرب هو وأولاده ويملك أكاديمية للتنمية البشرية ومجلة ورقية تديرها صحافية تعمل عنده، وقتها أحسست أن الدنيا تضحك لي وسألته هل هناك مكان لكي أعمل أجابني مرحباً وأعطاني ورقة تعريف به.

صباح يوم جديد يشق شعاع الأمل صدري، ذهبت إلى عملي المعتاد وعندما جاء رب عملي واستأذنت منه وقلت له: "إني ذاهب إلى عمل جديد" فقال: "الله يوفقك ولكن إذا وجدته غير مناسب فعليك بالرجوع؛ مكانك موجود كما هو".

ذهبت إلى الأكاديمية وتقابلت مع رجل الأعمال فرحب بي وسألني: "هل عندك إقامة بالمغرب" أجبته: لا. قال "لا بد أن تحصل على إقامة" قلت له: "هل ستساعدني في الحصول على إقامة؟" أجابني: "إن احتجت أي شيء فقله لي ولا تخجل".

عملك سيكون عبارة عن تدوين بعض الأسماء والأرقام واستقبال القادمين لعمل دورات تكوينية في التنمية البشرية، أما بخصوص الكتابة بالمجلة؛ عندما تأتي الصحافية تكلم معها. "كم سأتحصل على راتب؟": 20" درهماً ووجبتان وحساب الكتابة في المجلة مع الصحافية" صَمَتُّ لبرهه لا أعرف ما أقول، حدثتني نفسي بالقبول لكي أتعرف على العمل الذي تتحصل فيه على 20 درهماً في اليوم الواحد ولكي أدخل في دهاليز العمل الصحافي بالمغرب فستكون بداية مثيرة، ساد الصمت بالغرفة للحظات بعدها قلت له: "توكلنا على الله متي أبدأ؟" أجابني: "غداً ستبدأ والصحافية ستأتي بعد غد، تكلم معها عندما تأتي". تركت مقر الشركة بعدما شكرته على مساعدتي.

رجعت إلى رب عملي السابق وسردت له حواري مع رجل الأعمال المصري فقال لي: "دائماً ما تكون البدايات صعبة ومرهقة وفي بعض الأوقات تكون محفوفة بالمخاطر وأنت تحلم بالصحافة؛ فهذه فرصة لك إن عملت بالمجلة، أكمل معه وإن حدث شيء فأنا بجانبك"، الصديق الحقيقي هو كفاية حاجتي وهو حقي الذي زرعته بالمحبة وحصدته بشكري له وثنائي عليه وأنهي حديثي بمقولة لأفلاطون: "كل بداية ولها نهاية، وهذه النهاية هي البداية لشيء آخر".

انتظروني الحلقة المقبلة

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@