قصة التطوير الإداري ” مكانك سر”
أخبار البلد-
كلما داهمتنا أزمة، أو "تفطنا” بأن لدينا مشكلة، فزعنا لتشكيل "لجنة”، بعض هذه اللجان، وهي بالمئات، انقطعت أخبارها، أخرى تناسلت فولدت لجانا جديدة احتفظت بأسمائها، يبدو أن من شكلها لم تسعفه الذاكرة باستذكارها، فأحياها ثم أماتها، المفارقة أن "الإصلاح باللجان” أصبح دمغة أردنية بامتياز، أما النتيجة فهي "مكانك سر”، وربما تراجعنا، فيما الأكيد أننا دائما نهرب من اتخاذ القرارات الى "تطريز” التوصيات، و”الترزية” جاهزون، ومقرهم "لجنة”.
آخر نسخة وصلتنا هي "لجنة تحديث القطاع العام” التي شكلتها الحكومة نهاية الأسبوع الماضي، برئاسة رئيس الحكومة وعضوية أربعة وزراء وسبعة آخرين، وقد سبق للحكومة نفسها أن أعلنت نهاية نيسان الماضي عن تشكيل لجنة "تطوير القطاع العام”، وعهدت اليها مهمة اعتماد مخرجات اللجنة العليا لإعادة هيكلة القطاع العام، لاحظ أن اللجنة الأخيرة حلت محل التي قبلها، وأن الاختلاف فقط هو كلمة التحديث بدل التطوير، ثم لاحظ أنه أسندت لها مهمة استكمال ما أنجزته اللجنة العليا، التي لا نعرف ماذا أنجزت، ولا لماذا ظلت مخرجاتها بلا تنفيذ.
قصة تطوير الإدارة، أو تحديثها (لا فرق)، لم تبدأ مع هذه الحكومة ولجانها، فمنذ العام 1996 (حيث تم تشكيل حكومة أسندت اليها مهمة القيام بثورة بيضاء بالقطاع العام)، وأزمة الإدارة العامة تطاردنا ونطاردها، ثلاث وزارات أنشئت لتطوير الإدارة: التنمية الإدارية، وتطوير القطاع العام، وتطوير الأداء المؤسسي، تعاقب عليها أكثر من 22 وزيرا، وبين آخر وزارتين (2019) تم تشكيل إدارة تابعة لرئاسة الوزراء، ثم جري إطلاق عشرات الاستراتيجيات والمبادرات والبرامج (لا تسأل كم دفعنا من أموال)، كلها باسم "التطوير الإداري.
ما النتيجة؟ تقرير حالة البلاد الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي (2018)، يؤكد ان معظم المبادرات انتهت إلى ” الفشل”، ويضع سبعة حقائق صادمة، منها أن غالبية هذه المبادرات كانت تتم على عجل ودون أي دراسة، كاستجابة للتوجيهات الملكية، أو من باب الدعاية الإعلامية، ومنها عدم وضوح الرؤية المتعلقة بإصلاح القطاع العام لدى راسمي السياسات، ومنها تغيير السياسات بتغيير الوزارات وتبديل الوزراء.. الخ.
لا أريد أن أستبق مخرجات اللجنة الجديدة، ولست ممن يتعمد وضع العصي بالدواليب، أو إطلاق الأحكام المسبقة، لكن لدي أكثر من سؤال: لماذا تأخرت الحكومة بالقيام بهذه المهمة التي أسندت اليها بكتاب التكليف قبل أكثر من عام، ولماذا أطلقت لجنة قبل ثماني أشهر وتعطلت أعمالها ثم عادت وأطلقتها قبل أيام، ولماذا جاء تشكيلها من طاقم حكومي وشبه حكومي، واستبعد الخبراء والمتخصصون، ولماذا أصلا لم تكن مستقلة، أسوة بلجنة تحديث المنظومة السياسية، علما أن الملك تحدث مرات عديدة في هذا السياق؟
السؤال الأهم: اين المشكلة، في الإدارة كهيكلة أم بالموارد البشرية أم بكليهما؟ الإجابة مركبة بالطبع، لكن ما يجب أن نتذكره هو أن مشكلتنا الصعبة مع الموظف العام، سواء من جهة أدائه والخدمة التي يقدمها للجمهور، أو من جهة البيئة الوظيفية التي تدفعه لفعل ذلك، هنا يمكن ان نستدعي أخلاقيات وقيم الوظيفة العامة التي افتقدناها، ومعايير التعيين التي أكلتها الواسطة والمحسوبية، وتعدد المرجعيات التي أربكت الموظف وأرعبت قراراته، بعدها يمكن أن نبدأ التفكير جديا بتحديث الإدارة، بالأتمتة والحوسبة، أو بالهيكلة والدمج.
لا أدري إذا كانت اللجنة الحكومية تمتلك ما يلزم من الجاهزية والشجاعة لإجراء عمليات صعبة يحتاجها القطاع العام، خاصة بعد تراكمات الأخطاء والتكلسات التي أصابته على مدى العقود الماضية، ما أعرفه أن المهمة صعبة، وأن عمر الحكومة مهما طال لن يمكنها من إنجاز ما التزمت به، بعدها ستأتي حكومة أخرى، ربما ستضع الملف بالأدراج، أو ربما تشكل لجنة جديدة، وتبدأ من الصفر، فيما كان الأولى ان تتحرر اللجنة أصلا من صفتها الحكومية، حتى تأخذ استقلاليتها، وتكون مخرجاتها ملزمة لأي حكومة مقبلة.
آخر نسخة وصلتنا هي "لجنة تحديث القطاع العام” التي شكلتها الحكومة نهاية الأسبوع الماضي، برئاسة رئيس الحكومة وعضوية أربعة وزراء وسبعة آخرين، وقد سبق للحكومة نفسها أن أعلنت نهاية نيسان الماضي عن تشكيل لجنة "تطوير القطاع العام”، وعهدت اليها مهمة اعتماد مخرجات اللجنة العليا لإعادة هيكلة القطاع العام، لاحظ أن اللجنة الأخيرة حلت محل التي قبلها، وأن الاختلاف فقط هو كلمة التحديث بدل التطوير، ثم لاحظ أنه أسندت لها مهمة استكمال ما أنجزته اللجنة العليا، التي لا نعرف ماذا أنجزت، ولا لماذا ظلت مخرجاتها بلا تنفيذ.
قصة تطوير الإدارة، أو تحديثها (لا فرق)، لم تبدأ مع هذه الحكومة ولجانها، فمنذ العام 1996 (حيث تم تشكيل حكومة أسندت اليها مهمة القيام بثورة بيضاء بالقطاع العام)، وأزمة الإدارة العامة تطاردنا ونطاردها، ثلاث وزارات أنشئت لتطوير الإدارة: التنمية الإدارية، وتطوير القطاع العام، وتطوير الأداء المؤسسي، تعاقب عليها أكثر من 22 وزيرا، وبين آخر وزارتين (2019) تم تشكيل إدارة تابعة لرئاسة الوزراء، ثم جري إطلاق عشرات الاستراتيجيات والمبادرات والبرامج (لا تسأل كم دفعنا من أموال)، كلها باسم "التطوير الإداري.
ما النتيجة؟ تقرير حالة البلاد الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي (2018)، يؤكد ان معظم المبادرات انتهت إلى ” الفشل”، ويضع سبعة حقائق صادمة، منها أن غالبية هذه المبادرات كانت تتم على عجل ودون أي دراسة، كاستجابة للتوجيهات الملكية، أو من باب الدعاية الإعلامية، ومنها عدم وضوح الرؤية المتعلقة بإصلاح القطاع العام لدى راسمي السياسات، ومنها تغيير السياسات بتغيير الوزارات وتبديل الوزراء.. الخ.
لا أريد أن أستبق مخرجات اللجنة الجديدة، ولست ممن يتعمد وضع العصي بالدواليب، أو إطلاق الأحكام المسبقة، لكن لدي أكثر من سؤال: لماذا تأخرت الحكومة بالقيام بهذه المهمة التي أسندت اليها بكتاب التكليف قبل أكثر من عام، ولماذا أطلقت لجنة قبل ثماني أشهر وتعطلت أعمالها ثم عادت وأطلقتها قبل أيام، ولماذا جاء تشكيلها من طاقم حكومي وشبه حكومي، واستبعد الخبراء والمتخصصون، ولماذا أصلا لم تكن مستقلة، أسوة بلجنة تحديث المنظومة السياسية، علما أن الملك تحدث مرات عديدة في هذا السياق؟
السؤال الأهم: اين المشكلة، في الإدارة كهيكلة أم بالموارد البشرية أم بكليهما؟ الإجابة مركبة بالطبع، لكن ما يجب أن نتذكره هو أن مشكلتنا الصعبة مع الموظف العام، سواء من جهة أدائه والخدمة التي يقدمها للجمهور، أو من جهة البيئة الوظيفية التي تدفعه لفعل ذلك، هنا يمكن ان نستدعي أخلاقيات وقيم الوظيفة العامة التي افتقدناها، ومعايير التعيين التي أكلتها الواسطة والمحسوبية، وتعدد المرجعيات التي أربكت الموظف وأرعبت قراراته، بعدها يمكن أن نبدأ التفكير جديا بتحديث الإدارة، بالأتمتة والحوسبة، أو بالهيكلة والدمج.
لا أدري إذا كانت اللجنة الحكومية تمتلك ما يلزم من الجاهزية والشجاعة لإجراء عمليات صعبة يحتاجها القطاع العام، خاصة بعد تراكمات الأخطاء والتكلسات التي أصابته على مدى العقود الماضية، ما أعرفه أن المهمة صعبة، وأن عمر الحكومة مهما طال لن يمكنها من إنجاز ما التزمت به، بعدها ستأتي حكومة أخرى، ربما ستضع الملف بالأدراج، أو ربما تشكل لجنة جديدة، وتبدأ من الصفر، فيما كان الأولى ان تتحرر اللجنة أصلا من صفتها الحكومية، حتى تأخذ استقلاليتها، وتكون مخرجاتها ملزمة لأي حكومة مقبلة.