مسؤولون


منذ أن بدأنا نسمع ترديد تعيين الكفاءات في المواقع القيادية في البلاد, كنا نعلم أن ذلك سيأتي بالأصحاب والأنساب والأصدقاء, ومن نرغب بقص الصوف عن ظهورهم, وسقط في تلك اللحظة مبدأ الكفاءة ولم يعد له وجود, بل وأصبح وسيلة تمرير وتحقيق المآرب على حساب الوطن بالدرجة الأولى وحرمان ابنائه من الوصول إلى المراكز العليا بالدرجة الثانية.
منذ أن جاء هؤلاء الذين عاثوا بالبلاد فسادا وولدنة, كان همهم ينبع من حصد المكتسبات, واستخدموا غطاء لذلك أنهم هم المنقذون لهذا الوطن من الخراب والدمار والفساد الذي أوجده "الحرس القديم" الذين هم ضد الاصلاح, كما يقولون, وتمت مخاطبتهم على أساس أنهم أعداء للوطن, وسخّروا وسائل الإعلام للهجوم عليهم, متجاهلين أن هؤلاء هم الذين بنوا الوطن منذ البدايات, ولولاهم لما كانت هناك دولة عصرية, يتمتع بأجوائها هؤلاء الفاسدون.
في كثير من المحطات المصيرية كان الذين يطلق عليهم "الحرس القديم" هم المدافعون عن حِمى هذا الوطن وأبنائه, وأغلبهم مات وهو مديون للبنوك, أو ما يزال على قيد الحياة يعيش الكفاف.
كنا نتذمر من المديونية التي عصفت في البلاد العام ,1988 وقامت محافظات الأردن مذهولة مما جرى, على الرغم من أن إنجازات تلك المرحلة واضحة للعيان, ومشاريعها واستثماراتها في كافة القطاعات ما تزال شاهدة على تلك المرحلة, وبالتالي فإن مديونية تلك الفترة كانت تقابلها انجازات, في حين أن المديونية زادت الضعفين رغم عدم وجود إنجازات مقابل ارتفاعها (!!), ولم تكن هناك مبررات لزيادة هذه المديونية, ولا مشاريع ملموسة أو استثمارات جدية غير وهمية, بل كان هناك بيع للأصول!
منذ أن كثر الحديث عن محاربة الفقر والبطالة, زادت البطالة بنسب عالية وتوسع الفقر بشكل ملحوظ, بل ذابت الطبقة الوسطى لتنحدر وتهوي في خانة الفقراء على حساب أمن الوطن واستقراره, وزيادة أموال الطبقة الغنية الجديدة (حديثي النعمة) التي افرزتها المرحلة الحالية, وتقهقر دور الاغنياء التقليديين لحساب هذه الطبقة التي أخضعت الوطن للبيع!!!!
المصيبة المخجلة!! أن مسؤولي هذه المرحلة ما يزالون بكل جرأة, بل ووقاحة, يرددون شعارات فارغة لمحاربة الفقر ومعالجة البطالة, وهي في ازدياد طبعا, ولو كنت مكانهم لخجلت من نفسي طالما انني عاجز عن تحقيق ذلك. وابتعدت عن الحديث عن هذا الموضوع إطلاقا, وتغيير اسم وزارة العمل لأنها لا تخدم العمالة الأردنية بالقدر الذي هي وزارة جباية من العمالة الوافدة.
إزاء هذا وغيره, إذا أردنا أن نصحح المسيرة, فإن الواجب, أولا يتطلب, منا وقبل الحديث عن الكفاءة, هو أن يعرف المسؤول تاريخ الأردن جيدا بكل مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ورموزه وثوراته, ونعترف بإنجازاتهم وفضلهم علينا, بل وعلى المسؤول أن يعرف العادات والتقاليد, والأفراح والأتراح والأكلات الأردنية, وأن يعرف قرى الوطن ومدنه وبواديه عن ظهر قلب, وبغير ذلك فهو غير قادر على أن يكون في موقع متقدم, لأن الخصوصية الأردنية تتطلب ذلك, ثم بعد ذلك نأتي الى موضوع الكفاءة, وبغير ذلك فإننا نسير في ظل (أزلام المرحلة) إلى ما لا تحمد عقباه, في ظل تفكك الدولة والمؤسسات على مبدأ (طعه وقايمه) من مخالفتهم للقوانين والانظمة على أسس تخدم أجنداتهم الخاصة مستهترة بالوطن والمواطن.