ليس بالحرق فقط يموت الفقراء!
حريق العائلة الباكستانية قبل يومين، سبقه حريقان آخران؛ أدى الأول لوفاة 13 باكستانياً بحريق خيمة في منطقة الكرامة عام 2019، ووفاة طفلين باكستانيين في حريق خيمة بمنطقة القسطل في شهر تشرين الثاني من هذا العام، والآن مقتل العائلة الجديدة المكونة من 4 أشخاص.
مصائب ومآسي الباكستانيين في المملكة، والتي تقدر أعدادهم أكثر من 20 ألفاً، ويمتهنون الزراعة منذ عشرات السنين، لم تتوقف عند الموت فقط، فهم يعيشون بلاء الفقر المدقع، ودون مأوى وخدمات ورعاية صحية وتعليمية منذ عقود.
المستغرَب أن الباكستانيين والذين قدموا إلى الأردن في مطلع الستينيات كعمالة مهاجرة، ويتوزعون في مناطق دير علا والكرامة والشونة الجنوبية وغور الصافي، لا يزالون حتى اليوم يعيشون في عرائش لا تقوى على الصمود بوجه الأمطار والرياح، فكيف تقوى حكوماتنا على ترك الباكستانيين دون بيوت صالحة للسكن؟
والمؤسف حقاً، أن هناك مشكلة كبيرة لدى الباكستانيين فيما يتعلق بتجديد أذون الإقامة كل سنة، واستصدار تصاريح عمل لكل من تعدى الثامنة عشر من العمر، فـ"إقامتهم" الطويلة والممتدة منذ عقود في الأردن لم تشفع لهم للتخلص من هذه القيود الخانقة.
مشكلة أخرى تواجه العمالة الباكستانية، والتي تقدر بنحو 32 ألفاً، مشكلين ما نسبته 2% من مجمل عمال الزراعة في الأردن، حسب أرقام وزارة العمل، هو ما يتعلق بغرامات الإقامات التي غالباً ما تكون أكبر هموم مجتمع الباكستانيين بسبب اشتراط وجود كفيل أردني لتجديد تصريح العمل، والتي تُمنح الإقامة بناءً عليه.
الظروف العمالية والمعيشية والمادية القاسية التي يعيشها الباكستانيون، يضاف إليها إشكالية القدرة على استكمال تعليمهم المدرسي أو الجامعي في المملكة. فأسس وزارة التربية والتعليم "تمنع التحاق أبناء الجاليات الأجنبية (غير العربية)، بالمدارس الحكومية، وتسمح لهم بالتسجيل فقط في المدارس الخاصة".
إلا أن بعض مدراء المدراس الحكومية، وتحديداً في المناطق التي تتواجد فيها العمالة الباكستانية يتغاضون عن تطبيق هذا البند "مراعاة للحالة الإنسانية"، لكن ذلك لا يمنع أن الغالبية العظمى منهم غير متعلمين، إذ لا يبقى الأطفال في المدرسة في العادة أكثر من أربع أو خمس سنوات، يخرجون بعدها للعمل في المزارع مع ذويهم.
دع عنك أيضاً عدم توفير تأمين صحي لهم، وارتفاع فواتير علاجهم داخل المستشفيات الحكومية، هذا إن كانوا قادرين أصلاً على تلقي العلاج، فضلاً عن منعهم العمل في قطاعات أخرى غير القطاع الزراعي مثل البناء أو المطاعم أو الخدمات.
يثبت اليوم أن الخاسر الوحيد في هذه الحياة هم الفقراء. فالموت بات متعدد المواهب، ومبدعاً في اختيار نوعية الضحايا، بعد أن تخلى عن أساليبه القديمة من سكتة قلبية وغيرها، وبات يقتل الفقراء حرقاً وقهراً!
نعم؛ ليس بالحرق فقط يموت الفقراء، فثمة أساليب أخرى يموتون من خلالها، فنقص الخدمات والرعاية الصحية والتعليمية وغياب بيئة العمل اللائقة كلها أشكال تميت الفقراء وهم أحياء في هذه الدنيا الموحشة والرجراجة!