قراءة أولية لموازنة الدولة لعام 2022

اخبار البلد -

 

خطاب مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2022 الذي عرضه وزير المالية أول من أمس أمام مجلس النواب لا يختلف كثيرا، من حيث المحتوى، عن الخطابات التي تم تقديمها خلال السنوات الماضية.
لا خلاف كبيرا في الأردن بين الخطاب الرسمي وغير الرسمي الذي يشخص المشكلات والتحديات التي واجهها وما يزال يواجهها الاقتصاد الوطني.
غالبية الرسميين، وغير الرسميين، يقرون أن العجوزات المتتالية في الموازنة العامة -التي صارت متلازمة سنوية- وما يترتب عليها من تداعيات على مستويات الدين العام وأعبائه المتنوعة، هي عنوان المشكلات التي تضغط على حياة المواطنين والمقيمين.
والجميع يقر أن عدم القدرة على تحقيق اختراقات ملموسة في معدلات النمو الاقتصادي الشمولي تسببت، وما تزال تتسبب، في ارتفاع مؤشرات الفقر المعترف بها وتلك غير المعترف بها، إلى جانب الارتفاعات غير المسبوقة في معدلات البطالة، وبخاصة بين الشباب.
يسجل لوزير المالية تضمينه خطاب الموازنة تشخيصا دقيقا وموضوعيا لأوضاع الاقتصاد الأردني والصعوبات والتحديات التي يواجهها، وهي التي لا يختلف عليها الكثيرون.
غير أن الخلاف ينشأ عندما نقف أمام الأسباب التي أدت الى ذلك، وبمعنى آخر: السياسات الاقتصادية التي خلقت هذه الصعوبات والتحديات وما تزال تغذي استمرارها وتفاقمها.
وفي الوقت الذي نشيد فيه بجهود الحكومتين الحالية والسابقة في التصدي لظاهرة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي والحد منه، من خلال أتمتة الإجراءات الضريبية وتبسيطها إلى جانب تعزيز إنفاذ القانون، ما أدى الى زيادات ملموسة في الإيرادات الضريبية.. إلا أننا ما زلنا ننتظر حلولا لما نعلنه جميعا (حكومة ومراقبين) لمشكلة وتحدي غياب العدالة عن النظام الضريبي في الأردن.. إذ ما تزال إيرادات الضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والمقطوعة والرسوم الجمركية) تشكل ثلثي الإيرادات الضريبية.
غياب العدالة عن النظام الضريبي أدى، ويؤدي -باعتراف الحكومة نفسها- إلى تحميل الطبقات الفقيرة والمتوسطة أعباء حياتية تصعّب عليها حياتها، وتحول دون عيشهم بكرامة، وتعمق التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية، التي تشكل أخطر مخرجات هذا النوع من السياسات المالية غير العادلة.
ولا تقصُر تأثيرات غياب العدالة عن السياسات الضريبية على زيادة معدلات الفقر، إذ إن الأعباء الضريبية الناجمة عن هذه السياسات تزيد الضغوطات على مجمل الاقتصاد، وهي من أهم أسباب تباطؤ نمو الاقتصاد الوطني خلال السنوات الماضية..
فقد أسهمت النسب العالية للضرائب غير المباشرة في إضعاف تنافسية العديد من القطاعات الاقتصادية، وأضعفت القدرات الشرائية للغالبية الكبيرة من المواطنين والمقيمين، ما أضعف الطلب المحلي الذي هو أحد أهم محركات النمو الاقتصادي.
ورغم اعتراف الحكومة وفي أكثر من مناسبة بعدم عدالة النظام الضريبي، إلا أن خطة الحكومة الاقتصادية المعلنة في موازنتها للعام المقبل لم تتضمن أي إشارات إلى أنها ستجري إصلاحات على هذه السياسات بما يجعلها أكثر عدالة.
بقي أن نقول، في هذه المطالعة السريعة لخطاب الموازنة العامة ومؤشراتها الكمية، إن عجز الموازنة ما يزال يحلّق عند مستويات مرتفعة جدا، إذ يبلغ 7.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي تشكل ما نسبته 32 بالمائة من مجمل الموازنة، ما سينشأ عنه المزيد من الديون الصعبة وأعبائها.
والأخطر من ذلك، أننا لم نصل بعد الى القدرة على تغطية نفقاتنا الجارية من إيراداتنا المحلية، إذ تبلغ نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية 88.4 بالمائة، وهذا يضرب بعرض الحائط شعار الاعتماد على الذات الذي يعد الهدف الأسمى للجميع بمن فيهم الحكومة.