سقوط الخصخصة ... نهاية النيوليبرالية

في التسعينات كنّا ثلة معدودة, في صحيفة "الميثاق" وحولها, نناضل ضد رياح الخصخصة; كنّا خشبة طافية من السفينة المحطّمة للحركة الوطنية واليسار, ولكن يملأ الإصرار أرواحنا, نجابه التحدي ونمسك بالجمرة, ولا عزاء سوى كلمات مظفر النواب: 

" خذني يا بحرْ خَشبَهْ

اتفرسختْ بالموجْ من ذيج السّفينه 

خذني خشبهْ.. لكنْ حيلْ 

حيلْ واهيبْ من سفينه!"

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, اشتدت رياح النيوليبرالية وحطّمت سنديانات البلد, وفُرضت جريمة الخصخصة, بملفاتها المشبوهة, ثم .. حال انهزمنا في العراق, حلّت الهزيمة في عمان واستولت العصابة النيوليبرالية, عصابة الخصخصة والهدر والفساد, كليا, على مفاصل القرار.

كان عقد نهب الأردن ..

لكننا لم ننكسر, واصلنا الصراخ في بريّة الصمت..

وفي الصمت .. بيعتْ موجودات القطاع العام, بلا مقابل تقريبا, في عقود مشوبة بالفساد, عقود إذعان نقلت مؤسسات الدولة وامتيازاتها الاقتصادية في القطاعات الاستراتيجية, الإتصالات والنقل والتعدين والطاقة والمياه والعقارات والمال, إلى النهابين الأجانب ووكلائهم المحليين, طبقة الكمبرادور, التي تزاوجت مع النخبة السياسية, في شبكة فساد كبرى لم تلمس شيئا إلا سرقته, ولم تقترح مشروعا ولا برنامجا إلا لكي تسرقه, ولم تجد شجرة إلا سعت إلى قطعها لتبيع التراب..

بل بلغت الخصخصة رقبة الدولة في خصخصة التجنيس وخصخصة السياسة الخارجية والتعاون الأمني والتدريب, واستُخدمَت السيادة للاتجار بالنفط ....

وكان هنالك صمت لم تخرقه سوى أصوات متفرقة من الحركة الوطنية واليسار.

لن أكرّر اليوم ما قاله شباب الحراك الشعبي خارج البرلمان أمس في الربط بين الخصخصة والفساد وتفكيك الدولة, أو أرفع و أكرر معهم شعار التأميم, واكتفي بمطالعات النواب في عدم دستورية اتفاقيات الخصخصة وتجيير امتيازات التعدين, وفي العلاقة السببية بين النهج النيوليبرالي والفقر والبطالة ... اكتفي اليوم بموجة التحقيقات القضائية, القائمة والمنتظرة, بحق عناصر شبكة الفساد .... وأعرف أن شعبنا لن يترك منهم أحدا. 

حتى الآن أطاح الشعب الأردني بالنيوليبرالية والكمبرادورية, فكريا ومعنويا, وهو يقترب من إطاحتها سياسيا ¯ طالما أن 90 بالمئة من أعضائها مطلوبون أو سوف يطلَبون بقضايا الفساد والإفساد ¯ وسيأتي قريبا زمن إطاحة الطبقة الجديدة واستئصال وجودها السرطاني من جسد الاقتصاد الوطني. 

نحن لم ننتصر بعد, لكن الفكرة انتصرت.. وسقطت الأيديولوجية النيوليبرالية وتهشمت وغدا سيرفع الحراك الأردني, في كل محافظات الوطن, راية التأميم .. راية ستنتصر .. ولن يبقى من عباقرة النيوليبرالية سوى نزيل في سجن أو طريد هارب من البلاد! 

المعركة طويلة وشاقة, وما زلنا في البداية, لكن الإدانة الأخلاقية للكمبرادور تحققت, وهي الخطوة الأولى في الطريق..

أخجل من القول ..لكنني أشعر بشيء كالفخر, حين أردد مع أمل دنقل: 

"فاشهدْ يا قلمْ

أننا لم ننمْ

أننا لم نضعْ بين لا ونعمْ".