الأداء المخيب للإدارة العامة

 

أخبار البلد-
يقارن البعض أوضاع الأردن بما يحدث في بلدان مثل الصومال أو اليمن، فيجدونها ممتازة، الأمر الذي يجب أن يدفع المواطن الأردني لأن يشعر بكامل الرضا عن أحواله وظروفه، ويذهب آخرون لمقارنة الأردن بما يرونه في بلدان مثل السويد والنرويج، فيشعر المواطن أنه يعيش في كرب وشظف يطبقان على حياته، ومع أن المقارنة مع الأوضاع في الدول العربية تبدو وجيهةً وتقوم على مقدمات منطقية، إلا أن ظروف الدول العربية تتباين بصورة تجعل المقارنة أصلاً متعذرة.
فكيف يمكن أن نعرف أين تقع الأردن، بمعنى كيف يمكن أن نحكم على أدائه، ولماذا علينا أن نفعل ذلك من الأساس؟ أليس المنطق أن نقارن بما نشعر به الآن ونعايشه يومياً مع الأحوال قبل عشرين أو ثلاثين عاماً؟
لنتفق أننا نعايش حالة من الضبابية في كل شيء، فلا توجهات استراتيجية واضحة، وحتى عندما أعلن الأردن نيته في توجهات معينة، مثل التكنولوجيا والمعرفة، أخذت مؤشراته تتراجع بصورة مقلقة وخلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، كما وأخذ المختصون من المؤسسات الحكومية يزيدون الطين بلةً، وأصبحوا مثل المواطن العادي يخمنون ويتوقعون ويطلقون التصريحات المرسلة، وكأنهم لم يكونوا يوماً في موقع يتيح لهم الوصول إلى المعلومة، وإلى اليوم، نحن لا نعرف على وجه اليقين، هل يقف الأردن على مصادر هائلة للطاقة؟ ما هي ثرواته المعدنية؟ وأخيراً وبعد تصريحات لوزير مياه سابق، لم نعد متأكدين هل نحن بلد فقير مائياً أم أننا نقف على ثروة مائية هائلة تكفينا لمئات السنين القادمة؟
نفتقد لأرضية لمقارنة الأوضاع في ظل عالم تسوده المنافسة، وتعوزنا المعلومات اللازمة لنحدد موقعنا فيه، وأمامنا مشاكل بعيدة وقصيرة المدى نتعامل معها بالقطعة، وإذا تقدمنا في مجال أخفقنا في آخر، فكانت المحصلة سلبية، فلدينا مطار يعمل بمستوى جيد ويمكنه أن يضعنا على خارطة الترانزيت في العالم، وشركة طيران مفلسة تشكل عبئاً على الحكومة والمواطن، فلا شيء يعمل ضمن منظومة شمولية، ولم تعد وزارة التخطيط سوى مؤسسة لتنسيق الجهود مع الدول المانحة، أما أن تقدم رؤية من أجل الأردن فالأمر متعذر، وحتى لو قدمت الرؤية، فالجميع يعرف أنها ستحمل تفاؤلاً مفرطاً لأنه ستنطلق من مقدمات غير واقعية لتتبنى نتائج غير ممكنة، فهذه طبيعة الرؤى التي تخرج في المنطقة العربية، وفي الأردن تجارب كثيرة حول بناء تصورات مستقبلية لم تصل إلى شيء من نتائجها.
نحن بحاجة للمقارنة لنحدد موقعنا التنافسي على مستوى القطاعات المتوجب دعمها، وطبيعة تنمية الموارد البشرية، ولكن يبدو أن الحكومة غير قادرة أصلاً على تحديد المعطيات الأساسية لموقعنا، وكل وزارة وبمحاذاتها الهيئة الموازية الخاصة إن وجدت، والمؤسسات التابعة، لا تستطيع أن تقدم كشفاً حقيقياً بظروف القطاع الذي تخدمه، وهو ما يمكن أن يجعلنا نصدق عبارة دولة الرئيس الكباريتي بأننا وطن هائم على وجهه.
ما الذي أوصلنا إلى هذه الحال؟ أين مؤسسة رئاسة الوزراء التي يفترض أن تكون أمينة على التزويد المعلوماتي الضروري للحكومة التي تتسلم مهامها؟ أين العمق الإداري في الأمناء العامين ومدراء العموم، أين الوزراء القادمون من قطاعاتهم وبخبرات تجعلهم يستطيعون التعامل مع المشكلات والأزمات؟
ربما لن يحدث تقدم في تحديد موقعنا، وبالتالي تحديد خياراتنا ومسارنا من غير أن نحصل على العمق المؤسسي المطلوب والذي تحجج بعض الوزراء بوجوده من أجل تبرير فشلهم واخفاقهم، ونحتاج إلى حكومات تهتم بالعمل بعيداً عن الأضواء، ووزراء غير منشغلين بالتسابق على الحصول على مساحة من التواجد في وسائل الإعلام، وكأنهم يعتبرون التوزير فرصة للظهور والذيوع.