الروابدة.. إذ يثير الإستغراب بتناقضاته!

أخبار البلد ــ مثيرة للدهشة والاستغراب تلك التصريحات التي خرج بها رئيس الوزراء الاسبق عبد الرؤوف الروابدة صباح امس السبت في ندوته بمؤسسة مسارات، بل إن الوصف الأدق لبعض أحكامه "المعلبة" التي أطلقها امس هو التناقض الصارخ مع تصريحات ومواقف سابقة له شخصيا لم يترك منبرا سابقا إلا وطرحها علنا ودافع عنها.

الإنطباع الأول الذي تخرج به بعد الإنتهاء من قراءة تصريحات الروابدة امس هو ان الرجل غاضب ومحتقن، لكنك لا تعرف لما هو غاضب كل هذا الغضب، ولماذا الآن كل هذا الغضب والإنفعال "المواقفي" خاصة وأننا نعتقد أنه لم يعد يبحث عن منصب او موقع، على الأقل هذا ما قاله الرجل بعظمة لسانه في الندوة المذكورة: "انني الان بعد الثمانين لا أطمع بمنصب أو موقع"!.

لن نتعرض لكل ما أدلى به السياسي العتيق امس، وسنختار أهم ما بدا فيه متناقضا ومثيرا للإستغراب.

لنبدأ من قضية الهوية الوطنية، فللمرة الثانية خلال أقل من شهرين، وفي معرض نقده غير المباشر أو المباشر لتعريف اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية للوحدة الوطنية التي اسمتها بـ"الجامعة"، قال الروابدة امس مستنكرا: "لم أشاهد بحياتي هوية تحمل أوصافا، والعقد الاجتماعي الجديد انتهى بترجمته إلى الدستور". وذهب في سياق قريب الى القول "من الأفضل أن تكون إبن عشيرة صغيرة لا كبيرة حتى تنجح، والعشائرية عندنا أكلت نفسها، وتم إتلاف القيادات".

الروابدة هنا يحمل بقوة على إدخال وصف الجامعة على الهوية الوطنية، وربما كان هو احد الذين أسسوا لحملة الانتقادات والاتهامات للجنة الملكية باستهدافها مفهوم الوحدة الوطنية عندما هاجم استخدام مصطلح الجامعة، فذهبت الحملة لربط ذلك بافتراضات متخيلة عن التمهيد للوطن البديل عبر توسيع مفهوم الوحدة الوطنية واختراع مصطلح فضفاض له! وكأن اللجنة الملكية هي أول من استخدم مثل هذا المصطلح، أو أول من اضاف صفة لمصطلح الوحدة الوطنية.

الغريب أن الروابدة نفسه كان استخدم هذا الوصف ودعا له بلسانه عبر منابر مختلفة، كان اخرها قبل أشهر قليلة، وتحديدا في 22 حزيران يونيو 2021 في ندوة بمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية، حيث نقلت عنه وسائل الاعلام (وهنا اقتبس من موقع هلا أخبار) "أكد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة أن الهوية الوطنية في الأردن جامعة لكل من يتمتع بالجنسية وليس فيها استثناء أو إقصاء".

وفي محاضرة اخرى له بالجامعة الهاشمية بتاريخ 7 حزيران يونيو 2021 قال الروابدة: "يحق لنا جميعًا أن نفخر بالوطن الأردني الأبهى الذي له قلب ينبض بالعروبة والإسلام، وطنٌ ما عرف الإقليميّة ولا تقوقع على قُطريّة، وطن هويته وطنية جامعة موحدة، لا تقبل الإقصاء ولا التهميش، وقيادته هاشمية رضعت المجد كابرا عن كابر، نقول للدنيا لقد وفينا لرسالة الثورة العربية الكُبرى فقد كنا حماتها، وقد فاء إلينا كل حر من الوطن العربي والأمة الإسلامية وصنعنا معه وطنا للأسرة الواحدة”.

فما الذي شيطن مفهوم الهوية الوطنية الجامعة عند الروابدة عندما استعارت اللجنة الملكية توصيفه وتوصيف مئات السياسيين الأردنيين على مدى عقود؟!

ثم؛ ألم يجد الروابدة في توصيات اللجنة الملكية غير مصطلح "الوحدة الوطنية الجامعة" مثلبة بل و"كارثة" كما يشير سياق حديثه؟ أينه، وهو السياسي الحريص والمحروق قلبه على الوطن، من "كارثة" التعديل الاخطر الذي ادخلته الحكومة على توصيات اللجنة والخاص بالتعديل الدستوري الذي ينص على تأسيس "مجلس الأمن الوطني"، الذي يكاد يجمع الأردنيون على أنه يصادر الولاية العامة من الحكومة، ويفرغ دستور 1952 من جوهره. ألا تستحق هذه الكارثة الدستورية والوطنية وقفة نقد وكلمة حق من الروابدة وهو الذي يبكي على حال الوطن وينظر لأزماته العميقة والمركبة؟!

التناقض الثاني الذي يمكن استنتاجه من تصريحات الروابدة اليوم، هو في حديثه عن الوحدة بين الضفتين الشرقية والغربية في المملكة الاردنية الهاشمية عام 1950 وقبلها منح الجنسية الاردنية لفلسطينيي الضفة الغربية عام 1949.

الروابدة امس، بحسب التصريح الذي نشر موحدا عن ندوة مسارات، شدد على أن حل القضية الفلسطينية "سيكون على حساب الأردن، فالوطن البديل تم ذلك عام 1949 من خلال منح الجنسية ووحدة الضفتين عام 1950".

هذا الموقف للروابدة جديد، فهو لم يمل أو يكل يوما في الدفاع عن وحدة الضفتين ووصفها بأعظم الأوصاف الوطنية والقومية، فما الذي تغير اليوم لينقلب الرجل على نفسه؟!

لن نطيل في الاقتباسات السابقة الكثيرة من فم الروابدة لوحدة الضفتين، ونكتفي باقتباسين، الأول قاله في محاضرة بمعهد الاعلام الاردني في 21 تموز يوليو 2020: "وحول العلاقة الأردنية الفلسطينية، أوضح الروابدة أن العلاقة المشتركة بين الشعبين في الوطن والمصير لا تشبهها أي علاقة بين أي دولة مع القضية الفلسطينية، مشدداً على أن الوحدة العربية بين الضفتين كانت وحدة ديمقراطية شعبية، وأن القضية الفلسطينية كانت وما زالت القضية الأولى لدى الأردن قيادة وشعباً".

والثاني جاء في محاضرة للروابدة في جمعية الشؤون الدولية بتاريخ 27 تشرين ثاني 2018 قال فيها "وتقوم بين ضفتي النهر الخالد الوحدة الأنقى في القرن العشرين. وحدة أخوة وأهل. يقرها برلمان منتخب بالمناصفة. وحدة عضوية اندماجية فاعلة تميزت فيها المواطنة بأجلى معانيها. وحدة عارضها البعض ولم تعترف بها الدول العربية. وحدة شوهها الديموقراطيون فوصوفوها بأنها "ضم" وعيّرها الوحدويون بأنها "هيمنة". تآمرت عليها دول وتنظيمات عربية وحدوية. هنا وجد الأردن نفسه يقف على الحافة الخامسة يتلقى فوق الغمز واللمز والتشويه والاتهام مؤمرات وتآمرات تبدأ ولا تنتهي" .

لن نسهب اكثر في استعراض تناقضات الرجل في محاضرته امس، ولا في تحميله الشعب الأردني مسؤولية تغييب السياسيين ولا في غيرها من مواقف.. لكن السؤال يبقى مطروحا: ما الذي يريده الروابدة بهذه التصريحات والتناقضات؟!