تعويض هزيل للاردن والمغرب
لم يتضمن البيان الختامي، ولا المؤتمر الصحافي الذي عقده الامير سعود الفيصل، في اعقاب انتهاء القمة الخليجية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في اليومين الماضيين، اي اشارة الى مسألة انضمام كل من الاردن والمغرب الى عضوية مجلس التعاون الخليجي، فقد تم تجاوز الامر كليا، في تجاهل كامل ومقصود، وهذه صفة خليجية، بل بالاحرى سعودية، على وجه الخصوص.
صحيح ان المجلس الخليجي خصص ما قيمته خمسة مليارات دولار مناصفة بين البلدين، توضع في صندوق لدعم مشاريع التنمية فيهما، ولكن هذا المبلغ يعتبر زهيدا مقارنة بالمشاكل الاقتصادية في البلدين، ومعدلات البطالة الضخمة فيهما، والديون الخارجية المتراكمة، ومقارنة ايضا مع الناتج القومي السنوي لدول الخليج، الذي يصل الى الف مليار دولار، يأتي معظمه عوائد من صادرات نفطية في حدود 15 مليون برميل يوميا.
هذا المبلغ بمثابة 'تعويض'، للبلدين، ولتطييب خاطر شعبيهما بعد رفض انضمامهما الى نادي الاغنياء العرب، وهو الرفض الذي جاء على لسان الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وبرره بان دول المجلس لا تريد تكرار تجربة 'اليونان' واعبائها المالية الضخمة التي شكلت صداعا مزمنا للاتحاد الاوروبي.
فندنا في مقال سابق خطأ هذه المقارنة، ولكن ما لم نقله ان الاتحاد الاوروبي قدم حوالي 200 مليار دولار لانقاذ اقتصاد اليونان، وبدرجة اقل ايرلندا، من الانهيار، وخصص صندوق انقاذ اوروبي لهذه الدول وغيرها التي تواجه مصاعب اقتصادية برأسمال قدره 400 مليار دولار.
الاردن والمغرب لم يتقدما رسميا بطلب العضوية الى مجلس التعاون الخليجي، لا على مستوى الحكومات، ولا على مستوى الشعوب، العرض بالانضمام جاء من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفي ذروة الانتفاضات الشعبية المطالبة بالكرامة والتغيير الديمقراطي، وفي اطار حرصه على تكوين ناد خاص بالممالك العربية وتحصينها من اسباب الانهيار، امام طرقات الشعوب القوية المطالبة بالحريات والمساواة والشفافية والمحاسبة.
الآن، وبعد ان خفت الطرقات، وقدم النظامان، والمغربي منه خاصة، بعض التنازلات للشعب وان لم تكن كافية، مثل تعديل الدستور وتقليص بعض صلاحيات الملك، واجراء انتخابات حرة نزيهة اسفرت عن نجاح حزب العدالة والتنمية الاسلامي بنسبة كبيرة من اصوات الناخبين، خف القلق، وتصاعد في المقابل عدم رغبة دول خليجية اخرى بانضمام شعوب اخرى يشكل الفقر هويتها الاساسية.
***
ولا نعرف كيف يمكن ان يشكل انضمام دولتين عربيتين مشاكل لمجلس التعاون الخليجي، والتناعم الديموغرافي فيه واكثر من ستين في المئة من سكانه هم من جنسيات غير عربية بل وغير اسلامية، حيث يصل تعداد الاجانب في دولة مثل دولة الامارات العربية المتحدة، التي قيل انها من بين الدول المعارضة، حوالي تسعين في المئة ان لم يكن اكثر.
فاذا كان البيان الختامي الصادر عن القمة تحدث عن 'توحيد الصفوف في كيان واحد، وتجاوز مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد' تثبيتا لدعوة العاهل السعودي التي وردت في كلمته الافتتــــاحية، لمواجهــــة التهـــديدات الايرانية، فان اللجوء الى الجوار العربي، وتوطيد العلاقات مع شعوبه، ودعم اقتصادياته للخروج من ازماته الطاحنة، مسألة ضرورية بل حتمية.
فالدور الذي لعبته كل من سورية ومصر في مساندة دول الخليج في مساعيها لاخراج القوات العراقية من الكويت عام 1990 كان حاسما في هذا الصدد، وكان الرئيس السوري حافظ الاسد محقا عندما قال لوفد كويتي زاره بعد 'انتصار' عاصفة الصحراء بقيادة الجنرال شوارزكوف 'نحن الذين حررنا الكويت وليس الامريكان' وهو دور ربما يندم عليه ابنه بشار في الوقت الراهن.
لو كنت شخصيا مكان الحاكمين في كل من المغرب والاردن، وهذا افتراض لا يمكن ان يتحقق ولله الحمد، لاعتذرت بكل انواع الادب عن قبول هذا العرض المالي الخليجي المتواضع جدا، والذي لا يليق بالبلدين، ومخزون العزة والكرامة لدى شعبيهما. فمثل هذا المبلغ تخسره الصناديق السيادية لدول الخليج التي يبلغ حجمها اكثر من ثلاثة آلاف مليار دولار في ثوان معدودة اثر تقلبات البورصات العالمية المستثمرة فيها.
لا يعيب الشعبين الاردني والمغربي فقرهما، مثلما ان الفقر لم يعب الاشقاء الخليجيين في مرحلة معاناتهم شظف العيش قبل ان يكرمهم الخالق بنعمة النفط، فدول اوروبية متقدمة مثل ايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان تواجه ازمات اقتصادية خانقة، ولكن الفارق يكمن في ان اشقاءهم الاوروبيين الذين كانوا من ألد اعدائهم قبل سبعين عاما، هبوا لمساعدتهم وانقاذهم من ازماتهم، وهذا لم يحدث، ونقولها بمرارة، من العرب الاغنياء تجاه اشقائهم الفقراء، وان حدث فوعود بمبالغ هزيلة، لم ينفذ الا القليل منها.
***
نحن على ثقة بان الشعوب الخليجية الشقيقة، التي لا نشك مطلقا، في انتمائها العربي الاسلامي، وحرصها الاكيد على التضامن مع اشقائها الفقراء، ستعارض انضمام الاردن والمغرب او اليمن الى مجلس التعاون الخليجي، وان كان من حقها ذلك، فلهذه الشعوب تحفظات على المجلس وانجازاته المتواضعة يعبرون عنها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بل والصحف شبه الحكومية احيانا، مضافا الى ذلك ان من طرح فكرة انضمام المغرب والاردن الى مجلس التعاون لم يستفت هذه الشعوب عندما طرحها، ولم يأخذ رأيها عندما سحبها، فلا توجد برلمانات منتخبة في معظم الدول الخليجية من خلال انتخابات حرة نزيهة.
الرد الاردني ـ المغربي على هذه 'الاهانة' يجب ان يتمثل في المزيد من الاصلاحات الديمقراطية والحكم الرشيد القائم على العدالة والمساواة والقضاء العادل المستقل، والتمسك بقضايا الامة المصيرية، وانهاء كل اشكال التبعية للاجنبي، فهذا هو الطريق الاصوب لتقديم النموذج المشرف الذي سيجعل الشعوب الخليجية تسعى لمحاكاة هذه الدول، بل وتتمنى عليها في مرحلة لاحقة الانضمام الى مجلسها، تماما مثلما تحاكي الثورات العربية الحالية النموذج التركي، او النماذج الاسلامية الآسيوية الاخرى مثل النموذجين الماليزي والاندونيسي.
نتفهم الردود الغاضبة التي تطالب بالذهاب الى ايران او غيرها، والتحالف معها، وهي ردود 'عاطفية' في اغلبها، ولكن ما لا نتفهمه ان تستعدي حكومات الخليج شعوبا عربية هي في حاجة الى دعمها، ولو معنويا، وهي تقف على ابواب اكبر الحروب واخطرها في تاريخها على الاطلاق، لانها تهدد وجودها واستمراريتها.
صحيح ان المجلس الخليجي خصص ما قيمته خمسة مليارات دولار مناصفة بين البلدين، توضع في صندوق لدعم مشاريع التنمية فيهما، ولكن هذا المبلغ يعتبر زهيدا مقارنة بالمشاكل الاقتصادية في البلدين، ومعدلات البطالة الضخمة فيهما، والديون الخارجية المتراكمة، ومقارنة ايضا مع الناتج القومي السنوي لدول الخليج، الذي يصل الى الف مليار دولار، يأتي معظمه عوائد من صادرات نفطية في حدود 15 مليون برميل يوميا.
هذا المبلغ بمثابة 'تعويض'، للبلدين، ولتطييب خاطر شعبيهما بعد رفض انضمامهما الى نادي الاغنياء العرب، وهو الرفض الذي جاء على لسان الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وبرره بان دول المجلس لا تريد تكرار تجربة 'اليونان' واعبائها المالية الضخمة التي شكلت صداعا مزمنا للاتحاد الاوروبي.
فندنا في مقال سابق خطأ هذه المقارنة، ولكن ما لم نقله ان الاتحاد الاوروبي قدم حوالي 200 مليار دولار لانقاذ اقتصاد اليونان، وبدرجة اقل ايرلندا، من الانهيار، وخصص صندوق انقاذ اوروبي لهذه الدول وغيرها التي تواجه مصاعب اقتصادية برأسمال قدره 400 مليار دولار.
الاردن والمغرب لم يتقدما رسميا بطلب العضوية الى مجلس التعاون الخليجي، لا على مستوى الحكومات، ولا على مستوى الشعوب، العرض بالانضمام جاء من العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفي ذروة الانتفاضات الشعبية المطالبة بالكرامة والتغيير الديمقراطي، وفي اطار حرصه على تكوين ناد خاص بالممالك العربية وتحصينها من اسباب الانهيار، امام طرقات الشعوب القوية المطالبة بالحريات والمساواة والشفافية والمحاسبة.
الآن، وبعد ان خفت الطرقات، وقدم النظامان، والمغربي منه خاصة، بعض التنازلات للشعب وان لم تكن كافية، مثل تعديل الدستور وتقليص بعض صلاحيات الملك، واجراء انتخابات حرة نزيهة اسفرت عن نجاح حزب العدالة والتنمية الاسلامي بنسبة كبيرة من اصوات الناخبين، خف القلق، وتصاعد في المقابل عدم رغبة دول خليجية اخرى بانضمام شعوب اخرى يشكل الفقر هويتها الاساسية.
***
ولا نعرف كيف يمكن ان يشكل انضمام دولتين عربيتين مشاكل لمجلس التعاون الخليجي، والتناعم الديموغرافي فيه واكثر من ستين في المئة من سكانه هم من جنسيات غير عربية بل وغير اسلامية، حيث يصل تعداد الاجانب في دولة مثل دولة الامارات العربية المتحدة، التي قيل انها من بين الدول المعارضة، حوالي تسعين في المئة ان لم يكن اكثر.
فاذا كان البيان الختامي الصادر عن القمة تحدث عن 'توحيد الصفوف في كيان واحد، وتجاوز مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد' تثبيتا لدعوة العاهل السعودي التي وردت في كلمته الافتتــــاحية، لمواجهــــة التهـــديدات الايرانية، فان اللجوء الى الجوار العربي، وتوطيد العلاقات مع شعوبه، ودعم اقتصادياته للخروج من ازماته الطاحنة، مسألة ضرورية بل حتمية.
فالدور الذي لعبته كل من سورية ومصر في مساندة دول الخليج في مساعيها لاخراج القوات العراقية من الكويت عام 1990 كان حاسما في هذا الصدد، وكان الرئيس السوري حافظ الاسد محقا عندما قال لوفد كويتي زاره بعد 'انتصار' عاصفة الصحراء بقيادة الجنرال شوارزكوف 'نحن الذين حررنا الكويت وليس الامريكان' وهو دور ربما يندم عليه ابنه بشار في الوقت الراهن.
لو كنت شخصيا مكان الحاكمين في كل من المغرب والاردن، وهذا افتراض لا يمكن ان يتحقق ولله الحمد، لاعتذرت بكل انواع الادب عن قبول هذا العرض المالي الخليجي المتواضع جدا، والذي لا يليق بالبلدين، ومخزون العزة والكرامة لدى شعبيهما. فمثل هذا المبلغ تخسره الصناديق السيادية لدول الخليج التي يبلغ حجمها اكثر من ثلاثة آلاف مليار دولار في ثوان معدودة اثر تقلبات البورصات العالمية المستثمرة فيها.
لا يعيب الشعبين الاردني والمغربي فقرهما، مثلما ان الفقر لم يعب الاشقاء الخليجيين في مرحلة معاناتهم شظف العيش قبل ان يكرمهم الخالق بنعمة النفط، فدول اوروبية متقدمة مثل ايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان تواجه ازمات اقتصادية خانقة، ولكن الفارق يكمن في ان اشقاءهم الاوروبيين الذين كانوا من ألد اعدائهم قبل سبعين عاما، هبوا لمساعدتهم وانقاذهم من ازماتهم، وهذا لم يحدث، ونقولها بمرارة، من العرب الاغنياء تجاه اشقائهم الفقراء، وان حدث فوعود بمبالغ هزيلة، لم ينفذ الا القليل منها.
***
نحن على ثقة بان الشعوب الخليجية الشقيقة، التي لا نشك مطلقا، في انتمائها العربي الاسلامي، وحرصها الاكيد على التضامن مع اشقائها الفقراء، ستعارض انضمام الاردن والمغرب او اليمن الى مجلس التعاون الخليجي، وان كان من حقها ذلك، فلهذه الشعوب تحفظات على المجلس وانجازاته المتواضعة يعبرون عنها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بل والصحف شبه الحكومية احيانا، مضافا الى ذلك ان من طرح فكرة انضمام المغرب والاردن الى مجلس التعاون لم يستفت هذه الشعوب عندما طرحها، ولم يأخذ رأيها عندما سحبها، فلا توجد برلمانات منتخبة في معظم الدول الخليجية من خلال انتخابات حرة نزيهة.
الرد الاردني ـ المغربي على هذه 'الاهانة' يجب ان يتمثل في المزيد من الاصلاحات الديمقراطية والحكم الرشيد القائم على العدالة والمساواة والقضاء العادل المستقل، والتمسك بقضايا الامة المصيرية، وانهاء كل اشكال التبعية للاجنبي، فهذا هو الطريق الاصوب لتقديم النموذج المشرف الذي سيجعل الشعوب الخليجية تسعى لمحاكاة هذه الدول، بل وتتمنى عليها في مرحلة لاحقة الانضمام الى مجلسها، تماما مثلما تحاكي الثورات العربية الحالية النموذج التركي، او النماذج الاسلامية الآسيوية الاخرى مثل النموذجين الماليزي والاندونيسي.
نتفهم الردود الغاضبة التي تطالب بالذهاب الى ايران او غيرها، والتحالف معها، وهي ردود 'عاطفية' في اغلبها، ولكن ما لا نتفهمه ان تستعدي حكومات الخليج شعوبا عربية هي في حاجة الى دعمها، ولو معنويا، وهي تقف على ابواب اكبر الحروب واخطرها في تاريخها على الاطلاق، لانها تهدد وجودها واستمراريتها.