قراءة في "ما لا تقوله الصور"… بعد ثنائيات "المعشر ـ الكباريتي" و"الخصاونة ـ الرفاعي"
أخبار البلد ــ التوقعات التي أثارتها مجرد صورة نشرت على منصة شخصية تجمع بين رئيس وزراء سابق ونظيره الحالي، تظهر توق وشغف الأردنيين عموماً لرؤية مشهد نخبوي منسجم بين طبقة رجال الدولة والحكم والإدارة أكثر بكثير من أن تكون صورة على شكل رسالة سياسية.
واحد من تجليات وتداعيات الصورة التي نشرت على أساس الوفاق والوئام بين الرئيسين الدكتور بشر الخصاونة وسمير الرفاعي، هي تلك التي ينتج عنها سؤال وطني بامتياز: لماذا يبالغ الأردنيون في التحدث عن ومع الصور، خصوصاً بعد جملة من الإحباطات توحي أو أوحت بتجاذبات؟
الجدل حول صور السياسيين الثنائية التي تنشر هو الأهم في الإجابة عن هذا السؤال، وليس الصور نفسها؛ لأنها قد تعني ببساطة أنها تعبر عن مناسبات شخصية أو ثنائية أو حتى صدفة بلا "تلغيز سياسي”.
لماذا تنشر الصور؟ هذا سؤال يثبت شغف بعض رموز العمل السياسي عملياً بتوجيه رسائل للمواطنين، وأحياناً لمسؤولين آخرين يحاولون ضرب الثنائيات المنسجمة إلى حد ما، وأحياناً -وإن كان الأهم- هو تعلق الناس بأي فرصة لتأويل وتفسير وقراءة صور قد تكون شخصية أو عادية جداً؛ بسبب غياب التأويلات الوطنية الواضحة، وأزمة الشفافية التي تضرب كل أطراف الطبقة السياسية عملياً.
برزت مفارقة الصور الملتقطة والمنشورة في الواقع مرتين في أسبوع واحد، فتجربة عام 1996 المثيرة والتحولات المهمة في ذلك العام، يمكن لمراقب خبيث استعادتها بعدما نشر وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر صورة جمعته في صالة رياضية بالمخضرم الغائب عن مسار الأحداث والمشهد، لا بل والمتقاعد عملياً عبد الكريم الكباريتي، الذي يفتقده كثيرون بالمناسبة.
تبدو تلك صورة مناسبة للحديث عن معادلة مفقودة في زحمة تشكيل الحكومات، عنوانها كيفية إنتاج أفضل علاقة بين رئيس وزراء ووزير إعلام في حكومته، وهو أمر سمعت "القدس العربي” الكباريتي مرتين على الأقل وشخصياً، يحفر فيه وبعمق، معتبراً أن العلاقة الشخصية دوماً بين رئيس حكومة ووجهها الإعلامي في غاية الأهمية وتعني الكثير.
ليس سراً أن وجهة نظر الكباريتي الفنية هنا تشير إلى أن رئيس الحكومة يحتاج إلى وزير إعلام ناشط وحاضر الذهن والبديهة، ويمكن إيقاظه ولو في الساعة الثالثة فجراً عندما تقتضي الحاجة.
في كل حال، سياسياً.. لا أحد يعرف عن الكباريتي الآن، لكن عدة صور بصالة رياضية ظهرت له مؤخراً أوحت بقدر من الارتياح شعبياً ونخبوياً على الأقل.
وسياسياً، لا يشتبك المعشر منذ سنوات مع أي تفاصيل لها علاقة بالدور أو الوظيفة، لا بل غاب مطولاً عن الحوارات، وإن كانت خبرته خصوصاً في الملف الأمريكي مطلوبة.
وبإلحاح طوال العام الماضي، تشير خريطة نخبة واسعة من كبار المسؤولين الحاليين إلى أن عدداً لا يستهان به منهم خدم تحت إمرته وبمعيته أو تخرج ببعض البصمات في مدرسته، عندما كان وزيراً للخارجية أو نائباً لرئيس الوزراء. لا بل بعض النافذين الآن الذين كانوا نافذين قبل قليل، عملوا في وظائف إدارية معاونة للمعشر عندما كان يتولى زمام الأمور، فيما كانت التجاذبات تقصيه هو وغيره من المخضرمين، مثل الكباريتي، لصالح شريحة جديدة من المسؤولين توزعت ما بين الحضور والمغادرة والعودة، أو بين تسلّم وظائف عند دول أخرى، وأحياناً المغادرة إلى السجن.
لكن،في المقابل، الحرص على إعادة نشر صورة الخصاونة والرفاعي تظهر شغف الأردنيين أيضاً بما كان يريده القصر الملكي علناً ودوماً بعنوان الانسجام. وفي نقاش تفصيلي مع "القدس العربي”، يعتبر مخضرم من وزن طاهر المصري بأن الانسجام والعمل بروح الفريق ووحدة الأداء الهرموني بين المؤسسات، متطلبات ملحة وعلى أساس الإيقاع المتسارع في العالم وفي الإقليم، وبشكل لا بد من الالتحاق به تجنباً للهاث سياسياً وراءه.
ثنائية الرفاعي ــــ الخصاونة
هنا قد لا تعني الصور شيئاً محدداً. في المقابل، وقد تعني ثنائية الرفاعي والخصاونة محاولة فيها قدر من التسييس لإبعاد شبهة الخلاف والتجاذب بعد تصريحات نقدية وعلنية بتوقيع الرفاعي، حاول خلالها إظهار التباين مع الخط السياسي والإجرائي للحكومة في مسائل محددة، من بينها اعتقالات الشباب والطلاب وتعديلات الدستور الأخيرة. وحزمة التجاذبات المرتبطة بالزاوية الحرجة جداً تحت عنوان التشبيك المفترض بأمر مرجعي بين تحديثات المنظومة السياسية ولجنة الرفاعي وواجب حكومة الخصاونة الإجرائي المعلن بخطاب ملكي.
عملياً، كان الرفاعي الوحيد الذي شرح وفسر علناً ضرورات ومقتضيات وحدود التعديل الدستوري، الذي أثار عاصفة من الجدل بعنوان تأسيس مجلس الأمن الوطني الجديد.
وفي تفسيره، تبنى الرفاعي صيغة "هذا ما قالته الحكومة لي”. في المقابل، كان الخصاونة وفي التعليق اشتباكاً مع السؤال، يوضح الملابسات بصيغة "هذا ما قررت الحكومة أن تقترحه وتتحمل مسؤوليته”.
صيغتان
كلتاهما صيغتان تشيران إلى التعايش الودي بين قطبين يتوليان المسؤولية الآن، لكنهما صيغتان وبحكم الجدل وتأخر الشروحات والتجاذب وعاصفة النقاش، خرجتا عن السكة لصالح صيغة ثالثة يقترحها رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب عبد المنعم العودات، بعنوان يقول "المقترح الدستوري بين يدي مجلس النواب وسنعمل على صيغة تحسينية وواضحة”.
قد يحتاج المحامي العودات، الذي أقصته أصلاً احتياجات وثيقة تحديث المنظومة عن موقعه القديم كرئيس لمجلس النواب لصالح زميله الخبير عبد الكريم الدغمي، إلى صورة شخصية أيضاً يتحدث عنها الناس في منصاتهم، تجمعه بالدغمي والرفاعي أو غيرهما، مادام علية القوم في الطبقة اليوم بدأوا يميلون إلى "التقاط الصور”.
بالعودة إلى شغف الناس في قراءة الصور الشخصية حتى ولو خارج نطاقها الضمني الحقيقي، يمكن القول بأن نشر صورة الرفاعي والخصاونة قد لا يكون رسالة سياسية بقدر ما هو محاولة للقول بأن "المنظومة والحكومة” تعملان كفريق واحد مرحلياً، حتى وإن كانت حصة من نفوذ الحكومة قد يبتلعها أو ابتلعها أصلاً لاعب بمواصفات نافذة وخبيرة مثل رئيس مجلس النواب الدغمي، حالياً.
لا قرائن
لا توجد أدلة وقرائن على أن الخصاونة-الرفاعي، ثنائية تشكل قوة ضاربة الآن بصورة قد تؤدي لاحقاً إلى ميكانيزم "الاستلام والتسليم” وتنسيق الأدوار.
القصة في بعض تداعياتها أعمق قليلاً، والمشروع الوطني الأهم وراء الكواليس قد يحتاج إلى بعض الصور أحياناً، خصوصاً في الجزء المتعلق منه بتمهيد الأرض لمشروع سياسي انتقالي مثير للغاية، فرعه في ملف المنظومة وجذره في ملف الإقليم والتمهيد للمستقبل.
لا يهتم الرفاعي بالعودة حصراً إلى موقع رئاسة الوزراء، لكن في "الهمسة” السياسية التي تشكل مجرد قرينة، يمكن رصد علاقة عمل على برنامج محدد توافق عليه الرجلان، ويمكن لمس رغبة شخصية أحياناً عند الرئيس الخصاونة، تظهر الاستعداد بروح الجندية للمغادرة برفقة تقديرات ومشاعر بأن يتولى وراثة الكرسي صديق موثوق مثل الرفاعي.