الفسادُ لا يُصلحُ فسادًا


ينتظر المواطن الأردني على أحر من الجمر التقاط من ((تثبت)) إدانته وتورطه في خيانة بلده اختلاسا وسمسرة وسلبطة على عباد الله من بني جلدته ،وزجه في سجن أو معتقل يليق به. هذا المواطن الذي تضخم الغلّ والحنق والقهر في قلبه وشرايينه وهو يرى السماسرة يقفزون من منصب عالٍ إلى آخر أكثر علوا ورفعة؛ يبيعون ويكنزون في أرصدتهم أرقاما فلكية سحتا وحراما، هذا المواطن الحريص على استقرار بلده ورفعته، واستقرار نظام الحكم فيه بعد أن أخذت الطحالب والطفيليات والنباتات المتسلقة والغربان المهاجرة بحفر الأسس المتينة تحت أعمدة السقف الهاشمي الذي نصونه بأرواحنا، فجاء هؤلاء من كل فجّ قريب وبعيد، وبيدهم النجسة معاول الهدم والردم، فعاثوا فسادا، وسادوا وتسيدوا، واعتلوا المراتب السّنية، فخانوا بعد أن أقسموا اليمين، ولم يغادروا أبراجهم العاجية إلا بعد أن تأبط كلّ منهم العديد من ملفات الفساد التي يتناقلها المواطنون والإعلام والمواقع الإخبارية بالأسماء مدعمة بالأرقام أحيانا.
الفاسدون في بلدنا قليلٌ عددُهم، كثيرٌ ضررُهم، شديدٌ أذاهُم. هم فريق يتناقلون الوطن بأرجلهم وأياديهم كلّ في موقعه ومرتبته ومنزلته ونفوذه، وينتشرون انتشار الهسهس والناموس في كافة مجالات الحياة؛ سياسة واقتصادا وتجارة ...؛ فلهم في الخصخصة باع، وفي الشركات الوطنية التي باعوها ذراع. ولكنك تجدهم- الآن - كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة؛ يتلمسون بطحات رؤوسهم وقرعاتهم كلما لاح في الأفق تحقيق، أو دعا داعٍ إلى محاسبة وتدقيق. إن رنّ هاتفهم يرتجفون، وإن طنّ تلفونهم يرتجّون فزعا من أن يكونوا على قائمة المدعوين إلى سلحوب أو الجويدة، أو المرميين في الرميمين. بعد أن أُحيطَ بهم هم وأشياعهم وشراشيبهم، فدارت عليهم الدوائر، وأنشبت العدالة في رقابهم الأظافر. وانتقلوا بقدرة قادر، لايغفل ولا ينام، من عِلْيةِ القوم إلى سَفَلَتِهِ، ومن التنزه في أرجاء المعمورة على حساب الشعب إلى التقوقُع بين جُدُرٍ أربعة. وبعد أن كانوا يتصدرون المجالس هيبة ومكانة باتوا على أعتاب السجون يندبون ما آلت إليه أحوالهم، وصروف الدهر التي تذل الذليل بعد عزّ، وتهين المُهانَ تنقله من هوان إلى هوان. هم عار على الوطن الذي استأمنهم فخانوا، عار على الوطن الذي لولا طيب أخلاقه وسجاياه لما ارتضى أن تدنس تربته بسجن هؤلاء في ربوعه.
ولكن، فلنعلم أن مثل هؤلاء لا ينتمون إلى جغرافية ولا إلى قبائل وعشائر؛ إنهم ينتمون إلى منظومة رقمية عددية مالية تتعامل بالشيكات والأرصدة، وليس إلى عشيرة جذورها ضاربة عميقا في أرض الأردن الطاهرة، كما أنهم لا ينتمون إلى سهل أو تل، ولا إلى جبل أو غور في أردن الطُهر والنقاء، وإنما انتماؤهم إلى صفقة هنا أو رشوة هناك؛ دينُهم الدولار وشِرْعتُهم الدينار، وقبلتهم بنوك في شرق الكرة الأرضية وغربها وشمالها وجنوبها.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-( أيها الناس ! إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف ، تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيف ، أقاموا عليه الحد . وأيم الله , لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) . صدق رسول الله
المحاباة فساد، والشفاعة للفاسد فساد، وإفساد مسيرة الإصلاح فساد، وزرع الألغام في درب العدالة فساد. ولكن إن قمنا بذلك فهذا يعني بكل وضوح أننا لا نسعى إلى إصلاح، بل نهرول إلى أحضان الفاسدين نقتات على فتات موائدهم بعد أن منحناهم صكوك الغفران ويسرنا لهم سبل البراءة. في حين نعود نحن بالخذلان وكأنك يا بو زيد ما غزيت!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!