إنعاش الاقتصاد يحتاج بيئة سياسية صحية

أخبار البلد - بالرغم من الضخ الإعلامي اليومي حول فرص التعافي الاقتصادي التي نتجه نحوها، إلا أنها غير كافية للخروج من مأزق النمو الاقتصادي البطيء ومعدلات البطالة المرتفعة جدا ومستويات الفقر المتنامية.


لا يأخذ غالبية المواطنين والاقتصاديين والمراقبين تصريحات المسؤولين الحكوميين، ذات العلاقة بالمشاريع الاقتصادية المنتظرة وفرص العمل التي ستوفرها وبرامج التشغيل وغيرها، على محمل الجد، لأسباب عديدة.

من هذه الأسباب: حالة عدم الثقة بين غالبية المواطنين من جهة وكبار المسؤولين الحكوميين من جهة أخرى، نتيجة للعديد من الوعود السابقة العديدة بمستقبل أفضل، والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الرسمية المختلفة، التي لم تجد لها مستقرا على أرض الواقع.

درجة ثقة الاقتصاديين والمراقبين بما تعلنه الحكومات المتعاقبة ليست أفضل حالا من ثقة المواطنين؛ لأن واقع الحال من الدوران حول السياسات ذاتها هو سيد الموقف، إلى جانب أن قدرة المؤسسات الرسمية والمسؤولين الحكوميين على تنفيذ وعودهم متواضعة للغاية.

غالبية مدارس التفكير الاقتصادي تُجمع على أن النجاح في الخروج من المآزق الاقتصادية وتجاوز التحديات والعراقيل التي تعوق مسار عجلة الاقتصاد يتطلبان بيئة ومناخات سياسية صحية وملائمة.

أول متطلبات هذه البيئة يتمثل في: مستوى معقول من الحوار والثقة بين الحكومات والمواطنين بمختلف تصنيفاتهم من موظفين حكوميين أو عاملين في القطاع الخاص، إلى جانب القطاع الخاص والمجتمع المدني. ونحن للأسف نفتقر إلى الحد الأدنى من الحوار والثقة بين مختلف هذه الأطراف، ولا يتوافر لدينا أيٌّ من أدوات الحوار البنّاء والممأسس بين أطراف الحوار الاجتماعي.

الحكومة تعمل وحدها، وترى أنها الأكثر دراية بمصالح المجتمع بمختلف مكوناته، والبرلمان لا يتعدى دوره أن يكون صدى لصوت الحكومة، وممثلو العمال غائبون وغارقون في تحقيق مصالحهم الذاتية، إذ ابتعدت مصالح القائمين عليها عن مصالح من يمثلون. والنقابات المهنية تم احتواؤها وتركز همّها على بعض المصالح الفئوية لأعضائها، والعديد منها يمارس أدوارا، لا تختلف عن أدوار الحكومة، في الضغط على المستويات المعيشية لغالبية المواطنين من خلال تحصيلها رسوما منهم تحت مسميات مختلفة لصالح صناديقها التقاعدية، والمنافع التأمينية لأعضائها.

الأجواء السياسية السائدة لا تخلق بيئة تسمح بدفع عجلة الاقتصاد للأمام، ولا إلى تجاوز المعضلات التي تعوق تحقيق نمو حقيقي للاقتصاد يسهم في توليد فرص عمل لائقة، ويقلل من مستويات الفقر، ويعزز منظومة الحماية الاجتماعية.

إذ إن تراجع مستوى الحريات العامة، والنزق الحكومي في التعامل مع منتقدي السياسات الرسمية، ومناكفة المؤسسات الرسمية بعضها بعضا، يدفع باتجاه مزيد من التأزيم ويعيق أي فرص للخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي التي نشهدها.

كيف يمكن لنا تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على توسيع أعمالهم وجذب المزيد من الاستثمارات الى الأردن، والتقارير الدولية تتحدث عن تراجع الممارسات الديمقراطية ووصولها الى مستوى "الدولة السلطوية”، وأن الفضاء العام للحريات العامة والعمل المدني مليء بالقيود وشبه مغلق؟!

ولم تكتف مؤسسات الدولة الرسمية بكل هذا، بل تقوم بالتضييق أكثر فأكثر على أي فرص للحوار، وترى أن مجرد الالتقاء مع القطاع الخاص والمجتمع المدني بأطيافه المختلفة في جلسات نقاشية، كاف للقول إن هنالك حوارا حول السياسات العامة.