حين يعتصم القطاع العام

أن تصل الاعتصامات والاضرابات إلى القطاع العام، فهذا معناه أننا بصدد مرحلة مختلفة، بدأت فيها البيروقراطية الأردنية بالنظر إلى نفسها بطريقة مختلفة عما كان سابقا.
ولا زلت أقول أنّ القطاع العام في الأردن سيبقى يشكّل دورا أساسيا في فهم علاقة النظام مع المجتمع، وأنّ هذا القطاع سيظل بمثابة «الشاصي» الذي يربط بين الدولة ومواطنيها.
موظفو الضمان يضربون وموظفو الأحوال المدنية من قبلهم فعلوا ذلك، أما موظفو الداخلية فقد كادوا أن يدخلوا عالم الاعتراض، وتخيّل أنّ موظفي الوزارة المعنية بإدارة وضبط الاعتصامات كادت أن تنضم لقافلة المعتصمين.
نعم لقد تخلّت دولتنا عن القطاع العام دون المرور بمرحلة تأسيس، فشهد هذا القطاع تشوهات وحقق في المقابل إنجازات، وفجأة ودون مقدمات تم ركنه على الرف وتقرر تقليصه بصورة تنكّرت لطبيعته ولحقيقة علاقته بالمجتمع.
الاعتراضات التي نسمعها من داخل القطاع العام، والتي يتم التعبير عنها بالإضرابات والاعتصامات، لها أسباب مختلفة ومتنوعة.
يأتي على رأس هذه الأسباب موضوع التشوهات التي أصابت بنية هذا القطاع في سنوات ما بعد الخصخصة، فقد تم تجاهل القطاع العام، ونمت على أثر ذلك، فوارق في الرواتب لا يمكن السكوت عليها طويلا.
الاعتراضات في القطاع ليست حكرا على أولئك الذين تضررت مكتسباتهم نتيجة خطة إعادة الهيكلة التي جاءت بها حكومة البخيت، وأقرتها الحكومة الحالية.
الأمر يتعدّى ذلك عند البعض، فالموظف العام الأردني لم يعد قادرا على القيام بأعباء الحياة على أكمل وجه.
هذا الموظف حين يسمع بمشروع الميزانية عن زيادة مخصصات رئاسة الوزراء ومجلس الأمة، في حين تقرر الحكومة التقشف على حسابه من خلال إلغاء صناديق الإدخار ومكافأة نهاية الخدمة، ستراه أكثر استفزازا ورغبة في الاعتراض.
القطاع العام يحتاج إلى عناية مختلفة من الدولة، تبدأ بإعادة إنتاجه على الشكل الصحيح الذي يخدم المجتمع ويحافظ على صلة المواطن بدولته.
نعم نحتاج إلى إزالة كل التشوهات، وأنا من مؤيدي مشروع إعادة الهيكلة رغم قسوته على البعض، لكني أرى ضرورة أن تكون إعادة الهيكلة طريقا للارتقاء بالقطاع العام ومعيشة أفرادهم، لا أن تكون مجرد خطة تقشف تميل مرة أخرى على الفقراء.