المهمة الآن .. حكومة الإنقاذ الوطني

هنالك ما يشبه الإجماع في الأوساط الشعبية والسياسية ودوائر القرار بأن حكومة عون الخصاونة قد ماتت سياسيا. وما يُبقي عليها هو الحرج من تبديل حكومة رابعة في غضون سنة واحدة. 

الحرج مردود. فالبلاد تمر في أزمة وطنية شاملة من تهاوي الثقة بالدولة وتراجع الاقتصاد وانخفاض مستوى المعيشة والفقر والبطالة والانشقاقات العميقة في الرؤية و المواقف.

كل ذلك, وسط اضطراب الإقليم وما يحمله من مخاطر استراتيجية. وأهمها الانكشاف السياسي أمام تعاظم التحدي العدواني الإسرائيلي على الكيانين الفلسطيني والأردني , والانكشاف الأمني أمام التحدي الإرهابي. وهو تحد يقترب من الحدود الأردنية جراء التفاعلات في بلدين جارين, العراق وسورية. فنهاية الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين تؤذن بنزوح عدد متزايد من مقاتلي القاعدة إلى الجوار. قسم منهم نزح بالفعل إلى الأراضي اللبنانية و التركية مرورا إلى الأراضي السورية, وينخرط في المجموعات المسلحة التي تقاتل هناك الآن وتحظى بدعم أمريكي فرنسي خليجي. وفي الحالتين, أي عند انتصار الجيش السوري على تلك المجموعات أو هزيمته وانتشار الفوضى في سورية, فإن الأردن سيكون بلد النزوح التالي لمقاتلي القاعدة بكل فروعها بما في ذلك " جند الشام" و" فتح الإسلام". والخطر الرئيسي يتمثل في تشكّل حاضنة اجتماعية وسياسية وفكرية للمجموعات السلفية التكفيرية في عدة تجمعات سكانية في بلدنا. 

لا يمكن الركون إلى المعالجات الأمنية لهذا الخطر في ظل تنامي المعارضة الشعبية في قلب المحافظات, وإذا ما حدث وترافقت الاحتجاجات الشعبية مع النشاط الإرهابي, فسنصل عندها إلى وضع يشبه المأساة السورية.

لدينا الآن مهمتان عاجلتان تتمثلان في (1) الاستجابة السريعة والدينامية والجدية والمخلصة للمطالبات الشعبية بتصفية الفساد وتشغيل قطار التنمية في المحافظات وحسم مسألة الهوية الوطنية (2) توحيد القوى الاجتماعية الوطنية في جبهة قادرة على التصدي للتحديين الإسرائيلي والإرهابي. 

وتنفيذ هاتين المهمتين لا يرتبط, كما يتوهم البعض, بالتحضيرات المختلفة لانتخابات مبكرة ستكون جزءا من دينامية تفكيكية مشحونة بالمخاطر المحلية والإقليمية والدولية, وإنما بالتخلي عن الحرج والتحفظات وإقالة الحكومة القائمة ومعها القسم الرئيسي من النخبة السياسية المستهلكة, والمسارعة الى تشكيل حكومة انقاذ وطني تضم جميع ممثلي قوى وتجمعات وتيارات الحراك الأردني والأحزاب الوسطية والمعارضة - القومية واليسارية - والإسلامية. وحين تشكيل مثل هذه الحكومة (على أساس برنامج النقاط الثلاث, تصفية الفساد والنيوليبرالية والكمبرادور, وقوننة فك الارتباط, وتنمية المحافظات) سوف يكون أمام الإخوان المسلمين خيار المشاركة أو خيار العزلة. 

حكومة إنقاذ الوطني هي المؤهلة للولاية العامة, ونقل الحوار من الشارع إلى مجلس الوزراء, وتحمّل المسؤولية إزاء القرارات الكبيرة والصعبة الضرورية لإنقاذ البلد, ومن ثم التحضير لإجراء انتخابات في ظروف وطنية تنافسية وآمنة.