مأزق أردني بإمتياز: حراكات عشائرية بالإتجاه المعاكس لإستجوابات الفساد.
بسام بدارين -لا يحتاج الامر لاكثر من مجموعة صغيرة من النشطاء الفعالين واصدار بيان تتلقفه عشرات المواقع الالكترونية حتى تتغير البوصلة بشأن مسار اي قضية في الاردن حتى لو كانت قضية فساد فجميع مؤسسات النظام تخضع لمقاومة معاكسة من الثقل العشائري حتى عندما تحاول التجاوب مع مطالبات العشائر الاصلاحية في مفارقة لا يمكن رصدها الا في المشهد الداخلي الاردني وبامتياز.
لذلك حصريا خاب ظن من قدر في مؤسسات القرار بان انطلاق الحرب الجديدة على الفساد يمكن ان يعبر بسهولة عشائريا ما دام الرأس الاول المستهدف هو شخصية ليبرالية ثرية من ابناء مدينة عمان العاصمة ووجوهها تمكنت يوما من ان تحظى بلقب عمدة عمان في حالة تكرس في الواقع الخطأ الاساسي.
الكلام طبعا عن عمدة عمان السابق المهندس عمر المعاني الذي تثير مسألة توقيفه للتحقيق لنحو اسبوع جدلا لم يسبقه جدل في البلاد.
التفكير انطلق من ان البداية مع المعاني ستخلق الاثارة المطلوبة وتحتوي افاعي حراك الشارع ما دام الامر يتعلق بشخصية في الاصل لا تحظى بأي تعاطف في اوساط النخبة ولا تمثل ثقلا عشائريا لكن الواقع لم يكن كذلك فمن وجه المسألة لم ينتبه كثيرا للاسم الثاني الذي يحمله العمدة السجين.
وهنا حصل المستجد المفاجىء فثمة عشيرة عريضة ينتهي لها المهندس الذي يراد له ان يصبح رمزا للفاسدين وهذه العشيرة تنتمي لمدينة معان جنوبي البلاد وهي مدينة ثائرة بطبيعتها ولديها حزمة من حسابات الاستهداف التي نظر لها سياسيون من العاصمة وتعرضت لضغط شديد.
فوق ذلك لدى معان موقف سلبي من ممثليها التقليديين في العاصمة عمان وابنها عمر ليس منهم وكانت دوما نشطة حراكيا وبعد ساعات فقط من رفض الافراج عن المهندس العمدة للمرة الثالثة نظم ممثلون عن اهل المدينة اجتماعهم الاول واصدروا بيانهم الذي يرفض استهداف المهندس عمر المعاني تحديدا ويتساءل عن مبررات رفض تكفيله.
بسرعة ورغم ان عمدة العاصمة المعاني الاصل ليس طرفا بأي معادلة على ارض مدينته الام تطورت فعاليات التضامن معه ليس لاغراض عشائرية او مناطقية او حتى عاطفية ولكن لان بعض نشطاء المدينة ورجالها يشعرون بأن الهدف من قصة المعاني اصلا هو ارسال رسالة ضمنية تقول بأن الفساد يمارسه ابناؤهم وهي رسالة يرد عليها المتضامنون مع المهندس السجين بالترتيب لاعتصام.
المقصد هنا ان لدى بعض الاهالي شعورا بأن الخطة الرسمية تتضمن احراج الحراك العشائري الذي يطالب بالحرب على الفساد عبر ممارسة عدالة انتقائية مدروسة على الاوزان العشائرية.
لكن حراكات عشائرية برزت خلال اليومين الماضيين وفي مفارقة عجائبية جدا لكي توجه رسائل تحذير للنظام برمته في الوقت الذي تحرك فيه النظام فعلا في سياق التجاوب مع حراكات العشائر نفسها التي طالبت بالتصدي للفساد.
لم يحصل ذلك مع ابن معان وعمدة عمان السابق فقط بل حصل مع اخرين فاقرباء مدير المخابرات الاسبق الجنرال محمد الرقاد تحركوا وسط الاعلام واصدروا بيانات وتوضيحات ردا على محاولات الاساءة لابنهم وكذلك فعلت عوائل اخرى تنتمي لمدينة السلط وجدت ما يناسبها وهي تحذر من محاكمات 'سياسية' لابنائها تسعى لتحويل البعض الى اكباش فداء بدلا من حرب حقيقية على الفساد.
ويبدو في ظل الربيع العربي واجواء الحراك ان اقرباء جميع المسؤولين السابقين المتهمين شعبيا او رسميا بالفساد او الذين يمكن اتهامهم لاحقا قادرون على تحدي النظام وخططه ومشاريعه واحيانا احباطها عبر الورقة العشائرية والمناطقية التي طالبت هي دون غيرها باعلان الحرب على الفساد.
هؤلاء بطبيعة الحال يستفيدون من ثغرات في النظام الاداري والرسمي تسمح بالانقضاض على نظام العدالة من بينها وجود انتقائية واضحة في اختيار ملاحقة بعض المتهمين والرؤوس دون غيرهم اوحالة 'تسييس' يتحدث عنها المراقبون احيانا ومراعاة تمس بمبادىء العدالة للكلف العشائرية التي يمكن ان تنتج عن فتح ملفات بعض المسؤولين خلافا بكل الاحوال لكلف الادانة الادارية والبيروقراطية.
وبصرف النظر عن عدالة قضية المهندس المعاني فالبنية العشائرية التي تتحرك وتعارض النظام وتحتج عليه مطالبة بمحاربة الفساد تريد عمليات تطهير للفساد والفاسدين بشرط واحد مسبق وهو ان لا تطال رموزها وابنائها ومناطقها... رئيس الوزراء عون الخصاونة وفي احد الاجتماعات سأل: كيف يمكن تحقيق ذلك؟.