هياكل عظميّة متحرّكة


هذا البلد ( الصّومال ) مبتلى منذ فترة طويلة . ظنّ ( وبعض الظّنّ إثم ) أنّ انضمامه لجامعة الدّول العربيّة يُدخله نادي الأثرياء فيغرق بالسّمن والعسل . كان تحت حاكمٍ مستبد يسمى ( محمد سياد برّي ) ذاق الصّوماليون في عهده ( المرّ ) .
غادر الرّئيس ( بانقلاب ) وترك البلد بلا ( سيادة ) وبرّه وسواحله ومياهه يتحكّم فيها ميليشيات وقراصنة . تّدّخّلت فيه قوّات أجنبيّة لنشر الأمن فزادته اضطرابا وفوضى ، فانسحبت على عجلٍ ( في ليلة ليس فيها ضوء قمر ) مكتفية من الغنيمة بالإياب .
بذهاب الطّاغية اقتسم البلد أمراء حربٍ عاثوا فيه تقتيلاً وفسادا وفوضى . فكلّ قرية يحكمها أحدهم ، أما مدن ( الأشباح ) فقُسّمت إلى حارات وشوارع تتحكّم فيها مجموعات مسلّحة متنازعة . كلّ هذا والنّاس بين الموت والموت يفرون منه إليه . فذاق الصّوماليّون ( الأمرّيْن ) .
ويبدو أنّ المصائب أبت إلا أن تجتمع على هذا الشعب الصّابر المظلوم ، فمع التّشرّد والخوف والقتل والمرض أمسكت السّماء وأجدبت الأرض , فعطشوا وجاعوا إلى درجة الموت . فمن لم يمت بالرصاص مات جوعا وعطشا .
هذا الشعب أصبح على موعد مع الآخرة يحفر الواحد قبره ليُدفن فيه . فذاق الصّوماليّون ( ا لعلقم ) .
لله درّ هذه الهياكل العظميّة تتحرك متحدّيةً الموت بحثا عن أمان أو لقمة أو شَربة . تقول الأمّ بأنّها دفنت ثلاثا من أبناءها ورابعهم ينتظر .
لا أفهم لماذا لم ينتبه العرب والمسلمون والعالم ( للصّومال ) إلا بعد أن بلغت القلوب الحناجر فذهب الّلحم ووهن العظم . على أيّة حال أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً.
أليس لليل هذا البلد الممزّق وشعبه العربيّ الّذي يموت في اليوم ألف مرّة من آخر ، فيحيا كبقيّة خلق الله بهدوء وأمان واستقرار .
حفظ الله الصّومال وشعبه الذي لولاه ما عرفنا الموز الصّوماليّ .