أن يكون الجيش «وصيّاً» على «الشعب والثورة».. في السودان

أخبار البلد -ما تزال تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أُعلن عنها فجر الثلاثاء21/9، مدار استقطاب حادّ بين القوى السياسية والعسكرية، أو ما يُوصَف مجلس السيادة الذي تمّ «تقاسمه» بين قوى التغيير والحريّة والمجلس العسكري الذي يقوده الجنرالان البرهان، وحميدتي على نحو يصعب الفصل بين قوة ونفوذ كلّ منهما، خاصّة أنّ الأخير رفضَ وما يزال يرفض «دمج» قوّاته المعروفة قوات التدخّل السريع (الجنجويد سابقاً) في قوام الجيش السوداني، على نحو كادت الأمور تصل إلى مواجهة عسكرية ومباشرة بينهما, وسط دعوات إلى وضع حدّ لـ"الاستقلالية» التي يتمسك بها الجنرال محمد حمدان دقلو/حميدتي, الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس السيادة.

 
وإذا كان هناك من وصفَ تلك المحاولة بأنّها «مسرحية» وليست مؤامرة ضدّ الثورة، على ما ذهبَ إليه جنرالات المجلس العسكري ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك، فإنّ ما قاله الجنرال البرهان، وكرَّره حتّى يوم أمس نائبه الجنرال حميدتي: بأنّ الجيش «قام بالثورة» وهو بالتالي الوصيّ عليها وعلى الشعب، ما أثار ردود فعل غاضبة/شاجبة، خاصة لدى أطراف قوى الحرية والتغيير المُشارِكة في المجلس السيادي, والتي اقترب موعد تسلّمها رئاسته بعد نهاية فترة العسكر فيها شهر تشرين الثاني القريب، يدعو للتساؤل حقاً عمّا إذا كان الجنرال البرهان يعني ?ا يقول، وهل تمتلك المؤسسة العسكرية الحقّ والشرعية في أن تكون وصيّة على الشعب ثمّ على الثورة، ليس فقط في زعم ان الجيش هو الذي قاد ثورة/ديسمبر 2019 على حكم الديكتاتور المخلوع، بل الشعب السوداني الذي خرجَ إلى الشوارع وسقط منه عشرات الشهداء والجرحى، إلى أن استقرت المؤسسة العسكرية على «رأي» بأنّ نظام البشير استنفد دوره وحان وقت إطاحته. حتّى لا يذهب السودان إلى «الصوملة» بعدما أوصلها البشير إلى مصافّ الدول الفاشلة.
 
ما قاله الجنرال البرهان في شأن «الوصاية", يعيد إلى الأذهان السؤال الجدليّ حول دور المؤسسة العسكرية في الدول النامية، أو قل الدول التي لا أهمية أو قيمة لدساتيرها في نظر الجنرالات خاصة في القارة الأفريقية, التي ما يزال بمقدور أي ضابط حتّى برتبة «رائد» القفز على السلطة وإعلان الأحكام العرفية واعتقال الرئيس المنتخَب ثمّ إعلان نفسه حاكماً، واعداً بانتخابات حرّة/ونزيهة, يعود الجيش بعدها إلى ثكناته، لكنّها مجرد وعود لا يلبث مطلقوها التنكر بها، ما بالك إذا سارعت دولة غربية/خصوصاً فرنسا إلى «تبنّيه» وعقد صفقات معه ?هذا إذا لم يكن الجيش الفرنسي واستخباراته شاركت أو خططت وأعطت الضوء الأخضر).
 
صحيح أنّ الاتّحاد الافريقي اتّخذَ قراراً مهماً منذ سنوات يقضي عدم الاعتراف بشرعية أيّ انقلاب عسكري وصولاً إلى تعليق عضويّته في الاتحاد ومنظماته الإقليمية الأخرى، ما لم يعد العسكريون إلى ثكناتهم، أو التزام موعد محدد/وقريب لإجراء انتخابات تحت مراقبة الاتّحاد والمنظمات الدولية الأخرى، إلا أنّه غالباً لم/لا ينجح في ثني الانقلابيين عمّا قارفوه، والنماذج الأخيرة في دول غرب افريقيا حيث الوجود العسكري الفرنسي طاغٍ ومتواصل دليل على ذلك.
 
التراشق الإعلامي ما يزال محتدماً بين طرفيّ مجلس السيادة، خاصّة بعدما صعدت قوى الحريّة والتغيير انتقاداتها اللاذعة لدور العسكر الأخير، في ظلّ عدم الكشف عن ملابسات الانقلاب، وعدم إعلان محاكمتهم بافتراض أنّها محاولة انقلابية، وليس قطعاً للطريق أو التنصّل من الاتفاق الذي يمنح الشريك المدني قيادةَ المرحلة الثانية في تشرين الثاني المقبل، والتي تنتهي في تشرين الثاني 2023 موعداً للانتخابات البرلمانية/الانتقال الديموقراطي، هذا حال تواصَلَ «التوافق» بين شريكيَ السلطة: قوى التغيير والحرية/المجلس العسكري، والذي يبدو أ?ّه مهدّد وهشّ خاصّة بعد التطورات الأخيرة.

 والتصريحات اللافتة التي أطلقها الجنرال «حميدتي» عندما حمّل السياسيين مسؤولية الانقلابات، الذين–كما قال- أهملوا خدمات المواطن وانشغلوا بالكراسي وتقسيم السلطة، بعد أن كان الجنرال البرهان اتّهمهم (السياسيين) بعدم الاهتمام بمشكلات المواطنين, ثمّ دعوة حميدتي أمس إلى «توسيع المشاركة (السياسية) في الحكومة، عدا المؤتمر الوطني/الحاكم السابق.
 
في السطر الأخير.. لا تبدو الأمور سائرة إلى توافق أقلّه في المدى المنظور القريب، إذا ما استمرّ الاستقطاب وحملات التراشق والاتّهامات, التي تبدو قوى عديدة داخل المجلس العسكري خصوصاً كما بعض القوى السياسية تريد إيصالها إلى نقطة اللاعودة أو ما يسمّى كسر العظم. وهي حال إذا ما تواصلت فإنّها تمنح قوى داخل الجيش الفرصة لإطاحة «توافق» المرحلة الانتقالية, وإدخال السودان دائرة الفوضى وربما التدحرّج إلى حرب أهلية.