الفاسدون طبقة
لا يجوز لنا أن نصدر حكما بإدانة جرمية لأمين عمان سابق, عمر المعاني, كما لا يجوز له الاحتماء بعشيرته وبعشائر معان التي يُسجّل لها أنها أول من ثارت على النيوليبرالية والفساد. ولا أظن أن شباب العشائر المعانية سيقبلون بالانزلاق إلى التدخل في عمل القضاء بشأن ملفات الفساد في أمانة عمان الكبرى.
العشيرة حصن. ولكن لأبنائها المناضلين المرتبطين بحياتها ومصالحها المشروعة وهمومها والطامحين إلى التغيير الديموقراطي والعدالة الاجتماعية, أما الأسماء التي تدور حولها شبهات الفساد المالي أو الإداري أو إساءة استخدام السلطة أو الإخلال بالواجبات الوظيفية, فهي, جميعها, لا تنتمي إلى العشائر الأردنية ولا إلى العائلات الفلسطينية الأصل, بل إلى الطبقة الحاكمة من رجال ونساء النهج النيوليبرالي والخصخصة والبزنس. ويريد الحراك الشعبي الإطاحة بهذه الطبقة كليا, وبكل عناصرها بغض النظر عن الانتماءات الجهوية والعشائرية وبغض النظر عن الأصول.
يعرف الجميع كيف هيّج رئيس الديوان الملكي السابق, باسم عوض الله البهلوان, عصبية الأصل للاحتماء بها من الهجمات التي تناولت دوره الغامض في مجمل الملفات المشتبه بها كملفات فساد. ومثلما أدنّا وندين ذلك الاحتماء بعصبية الأصل, ندين محاولة الاحتماء بعصبية العشيرة.
البهلوان اليوم هو المطلوب رقم واحد من قبل الحراك الشعبي, وليس أصله هو السبب, بل نهجه وسلوكه وثراؤه المفاجئ الفاحش وتردد اسمه في جميع الملفات المتداولة وهدره لأموال برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي. وحين يؤتى, قريبا, بالبهلوان إلى ملاقاة مصيره أمام القضاء, لن يتوانى , بالطبع ,عن استنفار عصبية الأصل لإنقاذه, وسيفشل. فالوعي الوطني الاجتماعي يتغلغل اليوم في صفوف الأغلبية الكادحة من فلسطينيي الأصل.
أكرم أبو حمدان, بالمقابل, ليس له سند من عصبية محلية, لكنه يتمتع بحماية غامضة جعلته يغادر سجن الجويدة إلى جهة مجهولة. أبو حمدان المتهم في واحد من أكبر ملفات الفساد, ملف شركة موارد, يعرض تسوية بثمانية ملايين دينار من أصل مئات الملايين الضائعة والمسروقة والمهدورة. ولا يوجد يقين حول قدرة الدولة على استرجاع تلك الأموال منه أو حتى سجنه. هذا بينما ما يزال ملف شركة أمنية وبعيدا عن الأضواء.
هذه مجرد نماذج على أن تكوين طبقة الفساد متعدد الانتماءات المحلية وغير المحلية, مما يجعلنا نرفض بشدة كل المحاولات لعرقلة تصفية هذه الطبقة التي دمرت الاقتصاد الوطني عن طريق الاحتماء بالعصبيات. إلا أن تجاوز تلك المحاولات ليس ممكنا من دون توجيه ضربة شاملة ومتزامنة, بدلا من الأسلوب البطيء والتعامل مع الملفات بالقطعة.
من الناحية السياسية, فإن إحالة جميع ملفات الفساد والخصخصة والهدر, وجميع المشتبه بهم إلى التحقيق دفعة واحدة, هو وحده الذي يحقق الصدمة الإيجابية لاستعادة الثقة وإطلاق الحوار الوطني البنّاء.
لكن, من الواضح أن حجم الملفات المعنية وتشابكها لا تستوعبه الآليات النيابية والقضائية التقليدية, وهو ما يجعلنا نقترح توافقا وطنيا على إحالة المهمة إلى دائرة المخابرات العامة التي تختزن خبرة معروفة في مجال تفكيك التنظيمات. هذه المرة, فلتقم الدائرة بتفكيك تنظيم الفساد باعتقال جميع المشتبه بهم حتى الدرجة الخامسة, دفعة واحدة, وإجراء تحقيقات جدية وشاملة ومتزامنة, والتوصّل إلى (1) رواية كاملة معلنة عن نشوء وتكوّن ونشاط وملفات وأعضاء طبقة الفساد, ووضع تلك الرواية بين أيدي الرأي العام والنواب والقضاء, (2) انتزاع أموال البلد من الفاسدين, وتوظيفها في صندوق تنمية المحافظات.
أعرف أن هذا الاقتراح لن يحوز رضى الليبراليين والسفارات, لكنني أكيد من أن تنفيذه سيلقى دعم الأغلبية الشعبية التي لم يعد لديها الصبر وتريد اجتثاث الفساد بلا مماطلة, واستعادة الاموال المنهوبة