حين يُفلت قتلة الصحفيين من العقاب
أخبار البلد - في الثاني من (نوفمبر) من كل عام يستذكر العالم اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المُرتكبة ضد الصحفيين، هذه المناسبة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 للتحذير من مخاطر الجرائم التي تقع على الصحفيين والصحفيات.
في إحصائيات دولية لمنظمة اليونسكو، فإن1200 صحفي وصحفية قتلوا بين الأعوام 2006 وحتى 2020، وبمعدل صحفي يقتل كل خمسة أيام على أيدي عصابات الجريمة، الإرهابيين، وحتى السلطات الحاكمة وأجهزتها الأمنية في بلدان العالم.
الأخطر من ذلك أن تسعة من كل عشرة من قتلة الصحفيين يفلتون من العقاب، ولا يلاحقون على جرائمهم، ويطوي النسيان سيرة إعلاميين وإعلاميات قدموا حياتهم دفاعا عن الحقيقة للمجتمع.
الجهود التي تبذلها مؤسسات الأمم المتحدة وفي مقدمتها اليونسكو، وكل المؤسسات الدولية والوطنية في الدفاع عن الصحفيين ووسائل الإعلام مُقدرة، ولكن المشكلة أن الأثر المتحقق قليل، وكل يوم يسجن الصحفيون والصحفيات ويتعرضون للاعتداءات والتهديد، وبعضهم يُقتل، ولا نرى سوى مناسبات قليلة تستذكر معاناتهم ونضالاتهم.
شاركت في الندوة التي ينظمها مركز شبكة الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بالتعاون مع قناة الجزيرة مباشر تحت عنوان "تحديات حرية الصحافة وسلامة الصحفيين”، وقلت إن مبعث القلق الحقيقي أن السلطات الحاكمة عبر العالم لم يعد يهمها كثيرا بيانات التنديد، فكل المنظومة السياسية والقانونية غير داعمة لحرية الإعلام.
الندوة التي يعقدها كل عام مركز الحريات وحقوق الإنسان في شبكة الجزيرة بحثت في الواجبات القانونية والأخلاقية للمؤسسات الإعلامية، والمؤسسات الدولية المدافعة عن الصحافة في ظل تصاعد ظاهرة العنف ضد الصحفيين، وتحديات غياب تحقق العدالة ومكافحة إفلات قتلة الصحفيين من العقاب، وخاصة في مناطق النزاعات المسلحة، أو خلال محاربة الفساد، ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان.
لا نُذيع سرا حين نقول إن العالم العربي يعد البيئة الأكثر خطرا لعمل الصحفيين والصحفيات، وأن سورية والعراق أكثر الدول التي شهدت قتلا للإعلاميين والإعلاميات في العقدين الماضيين، وجل الجرائم قُيدت ضد مجهول، وحتى لو عُرف مرتكبوها فلقد أفلتوا من العقاب.
جرائم قتل الصحفيين في العالم العربي ليست طارئة، وإذا عدنا للتاريخ قليلا نتذكر الإعلامي اللبناني سليم اللوزي الذي قطعت أصابعه، ثم قُتل، ولا ننسى رسام الكاركتير الخالد ناجي العلي الذي اغتيل في شوارع لندن، وملخص القول أن شهداء الصحافة العربية تتوزع دماؤهم على امتداد خريطة هذا الوطن، وقتلتهم ما زالوا طلقاء لم يحاسبوا على جرائمهم.
تغير الإعلام الذي عرفناه سابقا، وتغيرت أدوات الصحفيين في ممارستهم لعملهم، كانت الصحافة الورقية والإذاعة والتلفزيون تسيطر على المشهد، واليوم لا منافس لمنصات التواصل الاجتماعي التي مكنت كل الناس ليمارسوا دور الإعلام، ويقدموا المعلومات للجمهور.
وبالتوازي فإن السلطات الحاكمة وأجهزتها الأمنية بدلت سياساتها واستراتيجيتها لتبقى قادرة على التحكم بقنوات المعلومات، وقادرة على تكميم الأفواه ولو تطلب ذلك إغلاق فضاء الإنترنت، وفي كل الأحوال تغيرت وسائل الإعلام، ونهج الاستبداد بقي معاديا وخصما لحرية التعبير والإعلام.
قتل الصحفيين أخطر مظاهر الانتهاكات ضد الإعلام، وربما ليست هي النهج السائد في معظم بلدان العالم العربي، وهي تقع غالبا حين تعم الفوضى، وتندلع الحروب، وتفشل الدول، وهذا لا يعني أن الانتهاكات الأخرى مثل الاعتداءات، والسجن، وحجب المعلومات لا تصبح حاضرة في كل حين.
مشكلتنا في العالم العربي أن البيئة مقيدة، فالتشريعات تحولت لحقول ألغام، وتتعارض مع المعايير الدولية، والسياسات تغيب عنها الاستراتيجبات الداعمة لحرية الإعلام، أما الممارسات فالانتهاكات تطغى على ما عداها، وأصبح نموذجا لافتا شيطنة النشطاء والناشطات والتشهير بهم وبهن على فضاء الإنترنت لإجهاض ومحاصرة حرية التعبير.
باختصار ما تقوم به الأمم المتحدة يبقى مهما، ورغم ذلك نطالب بمراجعة الضمانات لحماية الصحفيين لأنها تقادمت، والتاريخ أثبت أن المخاطر بحقهم لم تتراجع.