الذكرى ١٠٤ لوعد بلفور المشئوم: بريطانيا مطالبة بالاعتذار والاعتراف
أخبار البلد - الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917 مثل ولا زال يوماً مؤلما حمل في ثناياه مأساة اشد ايلاماً أسست لنكبة كبرى حلت بشعبنا الفلسطيني عام 1948، وما زال شعبنا الفلسطيني ينزف جراءها دما ودموعا ومعاناة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
في ذلك اليوم المشئوم قدم اللورد بلفور وزير الخارجية البريطانية وعده اللعين لزعيم عائلة روتشليد اليهودية الذي كان موفداً في حينه من الحركة الصهيونية كحركة ايديولوجية عنصرية تمثل رأس المال اليهودي الذي يبحث عن مكاناً يستقر فيه ويوسع من استثماراته ويزيد ثروته، في ذلك الحين تلاقت مرامي الحركة الصهيونية كممثلة للبرجوازية اليهودية الطامحة لإقامة نقطة ارتكاز تمكنها من جلب الرأسمال اليهودي وتجعله فاعلاً ومؤثرا في العالم، وقد تقاطع هذا مع اهداف الامبريالية البريطانية الساعية للحفاظ على نفوذها وتكريس سيطرتها وبسط نفوذها في منطقة الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الاولى وظهور ملامح لنشوء الصراع بين الدول الاستعمارية على مناطق النفوذ في منطقة تتسم بمخزون وافر من الثروات، فكان أن قدم بلفور وعده المشؤوم ذاك بإقامة دولة لليهود في فلسطين سعياً من بريطانيا لتحقيق غرضها بتعزيز سيطرتها وتمكينها من الانتشار شرقاً وغرباً في منافسة مع الدول الاستعمارية الاخرى التي كان لديها نفس الطموح في قارة اسيا وافريقيا ايضاً، وما أن حصلت الحركة الصهيونية على هذا الوعد "المصيبة” في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 الذي مثل بالنسبة لها قفزة عملية لتنفيذ ما جاء في مؤتمر بازل في سويسرا عام ١٨٩٧، حتى كثفت عملها بشتى السبل والوسائل لتحقيقه على ارض الواقع مستندة للتواطؤ اللامحدود الذي قدمته بريطانيا الدولة التي كانت منتدبة على فلسطين آنذاك، حيث بدأت قوافل اليهود بالتوافد الى فلسطين من كل أصقاع الدنيا تنفيذا لنظرية الحركة الصهيونية المسماة "الاحلال والطرد” وعملاً بالمقولة البائسة "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض” فاستقدمت اكبر عدد من المهاجرين اليهود لإحلالهم مكان اصحاب البلاد الاصليين، وهكذا خلال بضع سنوات ارتفع عدد السكان اليهود من قرابة بضعة آلاف في فلسطين التاريخية قبل ذلك التاريخ الى مئات من الالوف الذين استوطنوا الأرض وعملوا على طرد اصحابها بعد سنوات .
الشعب الفلسطيني الذي صدم من ناحيته بهذا الوعد منذ اللحظة الاولى لم يستسلم فاتجه بكل عزيمة وإصرار لاستنهاض هممه وتعبئة طاقاته وتنظيم صفوفه في سبيل مواجهة وحش الهجرة اليهودية القادم عبر البحار وايقافه، فنظم الاعتصامات والإضرابات العارمة في كل ربوع فلسطين واستخدم كل أشكال ووسائل المقاومة التي كان أوسعها عام 1925 خلال زيارة اللورد بلفور للقدس لوضع حجر الأساس للجامعة العبرية،
وفي مواجهة هذا الوعد البغيض قاوم الشعب الفلسطيني ببسالة نادرة وبكل الوسائل الممكنة في محاولة لمنع تطبيقه وإحباط تداعياته الخطيرة التي استشعرها بشكل مبكر، فكانت هبة البراق عام ١٩٢٩ والثورة الكبرى عام 1936 وما بينهما من كفاح عنيد عم كل قرية ومدينة ووادٍ وجبل من جبال فلسطين وسهولها، لكن العصابات الصهيونية المجرمة المدعومة في ذات الوقت من دولة الانتداب بريطانيا وبتواطؤ من الرجعية العربية الباحثة عن توطيد مكانتها، نجحت في تنظيم صفوفها وواصلت استقدام عشرات الالاف من اليهود المسلحين الذين كانوا قد تدربوا في معسكرات جيش بريطانيا وباتت العصابات الصهيونية هذه تمثل جيشا فاق عدده 60 ألفاً مزوداً بكل صنوف الاسلحة ومدعوماً من بريطانيا التي خالفت بشكل صريح نصوص صك الانتداب التي تفرض عليها مساعدة أهل البلاد الأصليين على نيل استقلالهم والتزمت بما نص عليه بلفور في وعده، وفي امعانها بمخالفة صك الانتداب قامت بريطانيا بالتواطؤ المكشوف مع العصابات الصهيونية وحرمت اصحاب البلاد الاصليين من اي مساعدة ومنحت أرضهم ومؤسساتهم القائمة للوافدين الجدد لتمكينهم من تحقيق وعد بلفور، وهكذا فقد كان ذلك الوعد كما قيل وما زال يقال عنه بحقد إنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق” فقد شكل بكل تفاصيله المدخل الاساس لارتكاب المجازر بحق اصحاب الارض الاصليين والركيزة الاساسية لقيام إسرائيل على أنقاض شعبنا الفلسطيني الذي تم تشريده عام 1948وتحويل معظمه إلى لاجئين، وفتح الطريق لإشعال الازمات والحروب الدموية التي عصفت في المنطقة وامتدت آثارها لتصل لأنحاء مختلفة من العالم هذه النار التي ما زالت أوارها مشتعلة تخبو حيناً وترتفع وتيرتها احيانا ستبقى كذلك الى أن يعود الحق لأصحابه وينال شعبنا حقه في تقرير المصير الذي حرم منه ولا يزال .
اليوم ونحن نعيش الذكرى الرابعة بعد المئة لهذا الوعد اللعين ما زال العدوان على شعبنا مستمراً، يأخذ منحاً جديدا لتطبيق ما ورد في نص وعد بلفور من مسعى لإقامة دولة يهودية عنصريةً تجسد الصهيونية على حقيقتها كحركة عنصرية تمارس كافة اشكال الارهاب والعدوان والاستيطان بحق شعبنا الفلسطيني، وتزداد هذه العنصرية تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني الصامدون فوق ارضهم منذ العام 1948 وفق قانون القومية الذي اقرته الحكومة السابقة وما زالت حكومة بينيت لبيد تعمل بموجبه في كافة مفاعيل السياسية الداخلية الاسرائيلية، كما أنه يتضح ايضاً في المسعى المحموم الذي لم يتوقف بالاستهداف المتلاحق لقضية اللاجئين الفلسطينيين ومحاولة تصفيتها وحرمان اصحابها من حق العودة ليس فقط باعتبارهم شاهداً على النكبة بل ايضاً باعتبارهم ضحايا وعد بلفور المشئوم .
هذه الايام ونحن نحيي بألم وأسى ذكرى وعد بلفور المشئوم لا يسعنا نحن أبناء الشعب الفلسطيني الذين عانينا وما زلنا من ويلات وتبعات هذا الوعد البائس، إلا ان نصدح بمليء حناجرنا بأن هذا الوعد مثل جريمة سياسية وأخلاقية ما زالت ترصع جبين بريطانيا، وهي مسؤولية عن كل تداعيات ذلك باعتبارها الدولة المنتدبة على فلسطين آنذاك ووزير خارجيتها هو من قدم هذا الوعد اللعين، إننا وفي والوقت الذي نحيي فيه الاصوات التي ترتفع في بريطانيا للاعتراف بهذا الخطأ وتدعو لتصحيحه فانه لا بد من تحيه قرار مؤتمر حزب العمل البريطاني اواخر ايلول الماضي الذي يصف اسرائيل بالعنصرية ويدعو للتعامل معها على هذا الاساس، فإننا نقول أن المملكة المتحدة ” بريطانيا ” مطالبة بكل وضوح وصراحة بالاعتذار لشعبنا الفلسطيني والتكفير عن جريمتها تلك، بأن تقف إلى جانب شعبنا من اجل نيل حقوقه وان تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، انه حق هدره وعد بلفور وتتحمل حكومة بريطانيا مسئولية الايفاء به وإعادته لأصحابه.