“لعبة الحبار”: يافعون في مهب العنف ودعوات لمراقبة الأبناء

اخبار البلد - 
 

مع التزايد الكبير لشعبية المسلسل الكوري لعبة الحبار "squid game”، الذي يبث على شبكة "نيتفليكس” بين طلبة المدارس واليافعين، بادرت عدد من المدارس الى ارسال رسائل تنبيه للأهالي من مغبة التبعات السلبية للمسلسل على هذه الفئة، نظرا لمضمونه العنيف، فضلا عن القيم التي يتضمنها، كغياب المساءلة والعقوبة لمرتكبي أعمال التعنيف.

وتقوم الفكرة الرئيسة لمسلسل لعبة الحبار على الاشتراك في سلسلة من الألعاب المميتة للفوز بجائزة مالية بمبلغ يعادل 38.31 مليون دولار، وتتضمن المسابقات الكثير من مشاهد العنف والدماء والقتل التي تحدث أثناء المنافسات الشرسة.

ورغم أن شبكة نيتفليكس صنفت مسلسل لعبة الحبار لفئة عمرية فوق سن الثامنة عشرة، نظرا لاحتوائه على مشاهد عنف وقتل وانتحار وعري، لكنه حظي بشعبية كبيرة من قبل الفئات ما دون هذه السن، وصلت حد تقليد بعض اليافعين عددا من العاب المسلسل في دول كثيرة.

وفي مقابل تخوفات التقليد فإن خبراء يحذرون من أن مشاهدة المسلسلات ذات المحتوى العنيف لها تبعات قصيرة وطويلة المدى على الاطفال واليافعين، كالشعور بالقلق وتبلد المشاعر تجاه العنف، وصولا الى امتهان العنف.

ورغم اقرارهم بأن التعرض للمحتوى العنيف ليس سببا أساسيا للعنف المجتمعي، لكنهم حذروا منه أنه واحد من اهم العوامل التي تؤدي الى زيادته.

وفي السياق تقول خبيرة الطفولة المبكرة الدكتور سهى طبال إن الدراسات حول آثار مشاهد العنف على السلوك نشطت منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، إذ أشارت نتائج بعض الدراسات التراكمية حتى يومنا هذا، إلى أن تعرُّض الأطفال لمشاهد العنف في التلفاز والأفلام وألعاب الفيديو والهواتف المحمولة وعلى الإنترنت، يزيدُ من احتمالية اظهارهم للسلوك العنيف لاحقا، تمامًا مثلما يحدث عند النشأة في بيئة مليئة بالعنف الحقيقي.

وزادت: ” يمكنُ أيضًا، أن تكون لمشاهد العنف آثار أخرى بعيدة المدى، فقد يُصبحُ لدى الطفل متبلّد المشاعر تجاه العنف، ورُبما تُصبحُ لديه قناعات بأن العنف هو الوسيلة الأمثل لحل المُشكلات، وربما يُمارسه حتى مع أقرب الناس إليه، بمان في ذلك الوالدان.

واشارت الى احدى الدراسات التي اجريت على الأطفال في الصفوف من الثالث إلى الثامن، الذين شاهدوا مشاهد عنف باستمرار، حيث بينت أن 12 % منهم أُصيبوا بالقلق إلى درجة تطلّبت العلاج.

كما تشير نتائجُ بعض الدراسات أيضا، وفقا للطبال، إلى أن الآثار الضارة تزداد كلما كان العمر أصغر، إذ يبدأ الأطفال ما بين الثالثة والرابعة من العمر بتطوير تصوراتهم وتوقعاتهم حول العالم من حولهم، وتتأثر هذه الآراء بشدة بتجاربهم اليومية، إذا تعرض الأطفال لمشاهد العُنف، فقد يطورون نظرة للعالم من حولهم على أنه مكانٌ أكثر خطورة مما هو عليه في الواقع، وهو ما يُؤثر على مستوى القلق والشعور بالأمان لديهم.

وحذرت من أن الأطفال دون سن السادسة يواجهون صعوبة في تمييز الواقع عن الخيال، كما يمكن أن يُؤثّر تعرضهم لمشاهد العنف على التطوُّر العاطفي والصحّة العقلية لديهم، فالأطفال في تلك السن يكونون غير قادرين على معالجة ما يرونه أو يسمعونه بفعالية.

ولدى سؤال الطبال عن الاجراء الذي يمكن ان تقوم به الاسرة في حال اكتشفت أن طفلها شاهد مسلسل لعبة الحبار، قالت: "من الصعب مراقبة كل ما يراه طفلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي. ولكن هناك بعض الخطوات التي يمكنك القيام بها للحيلولة دون اتاحة الفرصة لطفلك لمشاهدة الأفلام المصنفة بأنها غير مناسبة لعمره أو تخفيف آثارها السلبية عليه”.

وأوضحت: "الأطفال الذين يُوجّه أولياء أمورهم الوسائط الخاصة بهم باستمرار، غالبا ما يُحقّقون مُستوى أفضل لاحقا في اختيار المحتوى ذي الجودة العالية، وعليه يُمكنُ توجيه مجموعة من النصائح للأسر، وتشمل الحديث إلى الطفل بصراحة حول الآثار السلبية لتلك الأفلام، وعرض البدائل المناسبة لعمره”.

واضافت: ” يمكن ايضا لفت انتباه الطفل للعمر المسموح به عالميا لمشاهدة تلك الأفلام، ومن ثم ترك الحكم له فيما إذا كان الفيلم الذي ينوي مشاهدته مُناسبا لعمره أم لا، فمثلا (سكواد جيم) مُصنف بأنه غير مناسب للأطفال أقل من 18 عاما لما يحتويه من مشاهد عنيفة ودموية وجنسية، وعلى الوالدين الحرص على الجلوس مع الأطفال أثناء وقت مشاهدة الشاشات، وذلك لتوجيههم الى المناسب وغير المناسب لأعمارهم.

واشارت الى ان معظم خدمات البث تحتوي على رقابة أبوية تعتمد على رمز PIN وكلمة مرور، وعليه يمكن اللجوء الى ذلك إذا كان لدى الأسرة أبناء تقل أعمارهم عن 18 عاما.

وزادت: "مع أننا لا ننصح بالسماح للأبناء دون سن 18 عام بمُشاهدة مثل هذه الأفلام، لكن إن علم الوالدان بمُشاهدة أبنائهم دون هذا العمر لمثل هذه الأفلام، فعليهم إدارة نقاش بشأن ما شاهدوه، وبأنها مجرد أفلام، وليس من المقبول الانخراط في سلوكيات معينة شاهدوها فيها.

وتتفق استاذة علم النفس الدكتورة فداء ابو الخير في الرأي مع الطبال، لافتة إلى وجود عدة إشكاليات تتعلق بالرسائل التي قد تصل للأطفال واليافعين من مسلسل لعبة الحبار، وهي رسائل خاطئة ومضمونها خطير اخلاقيا، ومن تلك الرسائل والقيم أن الشخص غير القادر على المواجهة يكون العنف والقتل هما الحل له، كما يبث المسلسل حالة من عدم القدرة على التعاطف مع الضحايا، واعتياد مشاهد القتل والعنف باعتبارها أمرا طبيعيا.

وتقول أبو الخير: "لعل أخطر الرسائل هي عدم وجود ملاحقة أو معاقبة أو محاكمة للقاتل والقائم على تلك اللعبة، ما يجعل هناك شعورا بامكانية الافلات من العقوبة، كما يشتت مفاهيم الحكم الأخلاقي لدى الأطفال واليافعين”.

وتطرقت ابو الخير الى تبعات متعلقة بمشاهدة العنف، فهي تؤدي إلى حالة من التدفق وزيادة افراز بعض الهرمونات، وبالتالي تعزيز بعض الأعراض النفسية ذات العلاقة بالتوتر والقلق، وعدم القدرة على النوم والأرق وحالة التململ والتشتت، فضلا عن عدم التركيز، والخلط بين مشاعر الراحة والطمائنية والخوف.

واشارت الى ان المشاهدات المتكررة تسبب حالة من العداونية، كنتيجة للنمذجة او التقليد، فتكرار المشاهدات في سياق لا يحوي محددات أو تحذيرات، يدفع للاعتبار ان هذا هو السلوك الصحيح وما عداه سلوك خاطئ، بالتالي يكون تطبيق السلوك في كل سياق بلا وعي بأن هذا السلوك جرم والمفروض أن القانون يعاقب عليه، كما يسبب تأصيلا لتوجهات وبنى معرفية تدفع المراهقين الى اتباع هذا السلوك وكأنه صائب ومرجعي، رغم أنه سلوك خاطئ غير اخلاقي وتترتب عليه ملاحقة قانونية.

وكانت خبيرة التربية الاعلامية والمعلوماتية عنود الزعبي قدمت ورقة عمل حول "الجرائم الأسرية والانترنت” لفتت فيها الى انه رغم ان الجمعية الدولية لبحوث العنف والعدوانية اعتبرت ان التعرض للمحتوى العنيف ليس سببا اساسيا للعنف المجتمعي، لكنه واحد من اهم العوامل التي تؤدي الى زيادته.

ولفتت الزعبي الى ان متابعة مشاهد العنف تؤدي الى عدم الإحساس بخطورة العنف وعدم التدخل لايقافه عند مشاهدة من يتعرض له، واعتباره مألوفا، وعدم معاقبة من قام به، بل أحيانا يتم تمجيده.