«صراع الأفيال» في تنظيم {الإخوان}
أخبار البلد-
بين يوم وآخر تثبت الأيام أن مصير تنظيم «الإخوان»، وفروعه في أكثر من بلد عربي، مرهون أساساً بكراهية الناس له بعد اكتشافهم يقيناً عجز التنظيم عن قيادة بلد مهما أتيحت له من فرص، وغفلة قياداته فكرياً وسياسياً، وجمود الآيديولوجية التي تحكم التنظيم، وخضوعه لمنافسات أجهزة استخبارات الدول التي تقدم له الحماية، وزيادة الفجوة بين رموزه العليا وبين العناصر الشابة المُغرر بها بسبب عمليات التنشئة القائمة على تغييب الوعي لدى العناصر الأقل سناً، واعتبارهم مجرد أدوات يتصارع بها قادة الجماعة مع المجتمعات التي ترفضهم، في حين يتمتعون هم بالكثير من الامتيازات.
الأسباب المُشار إليها مجتمعة هي سبيل الفشل المحتوم، والباب الوحيد للخروج المزري من التاريخ إلى أسوأ مكان فيه، حيث يصبح التنظيم وأعضاؤه لدى قطاعات عريضة من المجتمعات الأم رمزاً لتهديد الوطن، ونموذجاً فجاً لتوظيف الشعارات الدينية من أجل السلطة، والاستعداد بالتضحية بالبلد الأم من أجل مكانة زائفة.
تنظيم الإخوان في كلا المستويين المحلي والدولي، يقدمان بين فترة وأخرى حالة فشل قصوى، بدأت بالخروج المخزي على يد المصريين من المشهد السياسي يونيو (حزيران) 2013. وبعد سبع سنوات أخرى خرج الفرعان التونسي والمغربي من المشهد السياسي التونسي بقرارات شعبية وسياسية على النحو الذي شهده العالم في الشهرين الماضيين، مما يثبت يقيناً أن العيب الجوهري هو في بنية التنظيم ذاته وفي قياداته وأفكاره التي عفا عليها الزمن.
آخر تجليات الفرع المصري وامتداده فيما يُعرف بالتنظيم العالمي يظهر في الصراع الضمني والظاهر معاً بين ما يعرف بالفريق التركي ونظيره البريطاني. فمنذ هروب بعض القيادات إلى تركيا قبل ثماني سنوات، تشكل اتجاه قوي للعمل تحت مظلة أنقرة التي كانت ترى في الفرع المصري أحد أدوات التأثير على الداخل، في حين كانت القيادات التي اعتادت العيش في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة تحت مظلة التنظيم الدولي، ترى أن هزيمة الفرع المصري والقبض على قياداته وهروب آخرين لا بد أن يرافقها تغيير جذري في هيكل القيادة، لا سيما أن المرشد العام محمد بديع قابع في السجن، لكن بقاء نائبه محمود عزت خارج السجن قد وفر مظلة لاستمرار الأمور على حالها، إلى أن تم القبض عليه أغسطس (آب) 2020. وحينها تولى إبراهيم منير مهام القائم بمهام المرشد العام. الأمر الذي أثار حفيظة المجموعة النافذة في تركيا والتي كانت تدير ما يعرف بالمكتب المصري، أو الهيئة الإدارية العليا لشؤون الجماعة في الخارج بقيادة محمود حسين، والذي أطُلق عليه عرفاً مدير عام الجماعة، وأتيحت له موارد مالية كبيرة تتجاوز مليوني دولار شهرياً للإنفاق على الحملة الإعلامية التي كان يديرها التنظيم ضد مصر، وتوفير رواتب شهرية لبعض الهاربين المقيمين في تركيا، والتنسيق مع الأجهزة التركية لتجنيد بعض الشباب للذهاب إلى الشمال السوري، وتجنيس البعض منهم وتوفير منح تعليمية لهم.
كما لعب «المكتب المصري» بقيادة محمود حسين دوراً كبيراً في التوجيه وتمويل العديد من الأعمال الإرهابية في مصر من قبل شباب الجماعة الذين ظلوا في الداخل ولم يتمكنوا من الهرب، وشكلوا ما عرف بحركة «حسم» وغيرها من التسميات الثورية التي تم القضاء عليها تماماً، ولم يَعد لها وجود منذ أكثر من خمسة أعوام. وقد أدى فشل هذه النوعية من الأعمال الإرهابية إلى إثارة خلافات تنظيمية ومالية بين مجموعة أنقرة وقيادة التنظيم الدولي في لندن، ولكنها ظلت حبيسة السرية المشهود بها عن الجماعة.
وباتت الاتهامات المتبادلة بمخالفة لوائح الجماعة بينهما أمراً متكرراً منذ عامين تقريباً، ولكنها ظلت في نطاق ضيق، إلى أن ظهرت إلى العلن في يونيو الماضي، والتي يمكن ربطها بحالة التراجع في قوة مجموعة أنقرة بسبب التحول في السياسة التركية تجاه مصر ورغبتها في التطبيع الكامل مع القاهرة، مما كشف تيقن القيادة التركية أن جماعة الإخوان لم يعد لديها النفوذ المتوهم والقدرة على تغيير مسار السياسة المصرية، وأن التعويل عليها أصبح من الماضي البعيد. ومن ثم بدأ منحنى ترنح الجماعة يرتفع خطوة بعد أخرى. حيث تم تقييد عمل منصات إعلامية إخوانية، ورفض منح الجنسية للمقيمين في تركيا، وتقييد الأموال المقدمة للقيادات الهاربة، والتوقف عن تقديم المنح التعليمية لأبناء القيادات، والتي فضل البعض منهم الخروج إلى بلاد أخرى، كماليزيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
مع التيقن بأن الوضع التركي لم يعد آمناً، تم حل مكتب الإخوان في أنقرة بقرار من إبراهيم منير المحسوب على لندن، الذي يشغل منصب القائم بأعمال المرشد العام، كما تجرأ منير أيضاً على إلغاء ما كان يعرف بمنصب الأمين العام للجماعة، الذي شغله محمود حسين وإلغاء اللجنة الإدارية العليا.
هذه التطورات كشفت مدى عمق الانقسام الداخلي وعورات الاحتماء بالخارج في مواجهة الوطن. الأكثر من ذلك أصدر منير قراره بوقف ستة من أعضاء ما يعرف بمجلس شورى الجماعة، وإحالتهم للتحقيق لاقترافهم مخالفات إدارية وتنظيمية لم يحددها القرار، وهم محمود حسين وهمام يوسف، ورجب البنا، وممدوح مبروك، ومحمد عبد الوهاب. وهي قيادات أثير حولها الكثير منذ عامين من قبيل الاستعلاء على الكثير من الأعضاء القياديين والمواقف المتسلطة والإقصائية للمخالفين، واستيلائهم على الأموال المقدمة للجماعة، وشرائهم عقارات فاخرة في تركيا وفي بلدان أوروبية بأسماء أبنائهم، وتمويل وإرسال الكثير من الشباب المُغرر به للقتال في شمال سوريا إلى جانب الجماعات الموالية لتركيا. ويتردد أن كل هذه التصرفات تمت من دون العودة إلى قيادة التنظيم الدولي الممثلة في إبراهيم منير الطامح لشغل منصب المرشد العام رسمياً، وليس مجرد القيام بأعماله مؤقتاً.
لم تتوقف التطورات عند هذا الحد، فمجموعة أنقرة لم تصمت، وبدأت هجمة مضادة تمثلت في رفض قرارات منير باعتبارها غير شرعية ولا توافق لوائح الجماعة، وتم إصدار بيان باسم مجلس شورى الجماعة، غير القائم عملياً، يقيل إبراهيم منير. وفي المقابل بدأت حملة من رموز إخوانية في تركيا وأنقرة تؤيد منير وإجراءاته التي يصفونها بالإصلاحية في مواجهة مجموعة حسين التي ينعتونها بالانقلابية. في حين يبحث مؤيدو حسين عن سبيل لإعادة تكوين جسم إخواني جديد يرونه امتداداً لشرعية الجماعة من وجهة نظرهم، يطالب مؤيدو منير بطرد هؤلاء من الجماعة وتخليصها من شرورهم.
هذه الحالة السجالية الممزوجة بفساد مالي وطموحات لرئاسة التنظيم وتناقضات بشأن أسلوب العمل في المرحلة المقبلة، وخيبات سياسية كبرى، وتحولات مهمة لدى بعض قوى الدعم الدولي، لا بد لها أن تفرز الانقسام في الصفوف العليا للتنظيم، وترنح البنية الكلية، والذي امتدت آثاره لمجموعات الأعضاء من الشباب الغالب عليهم الندم والخيبة، سواء في مصر أو خارجها. ولذلك مجال آخر.
الأسباب المُشار إليها مجتمعة هي سبيل الفشل المحتوم، والباب الوحيد للخروج المزري من التاريخ إلى أسوأ مكان فيه، حيث يصبح التنظيم وأعضاؤه لدى قطاعات عريضة من المجتمعات الأم رمزاً لتهديد الوطن، ونموذجاً فجاً لتوظيف الشعارات الدينية من أجل السلطة، والاستعداد بالتضحية بالبلد الأم من أجل مكانة زائفة.
تنظيم الإخوان في كلا المستويين المحلي والدولي، يقدمان بين فترة وأخرى حالة فشل قصوى، بدأت بالخروج المخزي على يد المصريين من المشهد السياسي يونيو (حزيران) 2013. وبعد سبع سنوات أخرى خرج الفرعان التونسي والمغربي من المشهد السياسي التونسي بقرارات شعبية وسياسية على النحو الذي شهده العالم في الشهرين الماضيين، مما يثبت يقيناً أن العيب الجوهري هو في بنية التنظيم ذاته وفي قياداته وأفكاره التي عفا عليها الزمن.
آخر تجليات الفرع المصري وامتداده فيما يُعرف بالتنظيم العالمي يظهر في الصراع الضمني والظاهر معاً بين ما يعرف بالفريق التركي ونظيره البريطاني. فمنذ هروب بعض القيادات إلى تركيا قبل ثماني سنوات، تشكل اتجاه قوي للعمل تحت مظلة أنقرة التي كانت ترى في الفرع المصري أحد أدوات التأثير على الداخل، في حين كانت القيادات التي اعتادت العيش في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة تحت مظلة التنظيم الدولي، ترى أن هزيمة الفرع المصري والقبض على قياداته وهروب آخرين لا بد أن يرافقها تغيير جذري في هيكل القيادة، لا سيما أن المرشد العام محمد بديع قابع في السجن، لكن بقاء نائبه محمود عزت خارج السجن قد وفر مظلة لاستمرار الأمور على حالها، إلى أن تم القبض عليه أغسطس (آب) 2020. وحينها تولى إبراهيم منير مهام القائم بمهام المرشد العام. الأمر الذي أثار حفيظة المجموعة النافذة في تركيا والتي كانت تدير ما يعرف بالمكتب المصري، أو الهيئة الإدارية العليا لشؤون الجماعة في الخارج بقيادة محمود حسين، والذي أطُلق عليه عرفاً مدير عام الجماعة، وأتيحت له موارد مالية كبيرة تتجاوز مليوني دولار شهرياً للإنفاق على الحملة الإعلامية التي كان يديرها التنظيم ضد مصر، وتوفير رواتب شهرية لبعض الهاربين المقيمين في تركيا، والتنسيق مع الأجهزة التركية لتجنيد بعض الشباب للذهاب إلى الشمال السوري، وتجنيس البعض منهم وتوفير منح تعليمية لهم.
وباتت الاتهامات المتبادلة بمخالفة لوائح الجماعة بينهما أمراً متكرراً منذ عامين تقريباً، ولكنها ظلت في نطاق ضيق، إلى أن ظهرت إلى العلن في يونيو الماضي، والتي يمكن ربطها بحالة التراجع في قوة مجموعة أنقرة بسبب التحول في السياسة التركية تجاه مصر ورغبتها في التطبيع الكامل مع القاهرة، مما كشف تيقن القيادة التركية أن جماعة الإخوان لم يعد لديها النفوذ المتوهم والقدرة على تغيير مسار السياسة المصرية، وأن التعويل عليها أصبح من الماضي البعيد. ومن ثم بدأ منحنى ترنح الجماعة يرتفع خطوة بعد أخرى. حيث تم تقييد عمل منصات إعلامية إخوانية، ورفض منح الجنسية للمقيمين في تركيا، وتقييد الأموال المقدمة للقيادات الهاربة، والتوقف عن تقديم المنح التعليمية لأبناء القيادات، والتي فضل البعض منهم الخروج إلى بلاد أخرى، كماليزيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
مع التيقن بأن الوضع التركي لم يعد آمناً، تم حل مكتب الإخوان في أنقرة بقرار من إبراهيم منير المحسوب على لندن، الذي يشغل منصب القائم بأعمال المرشد العام، كما تجرأ منير أيضاً على إلغاء ما كان يعرف بمنصب الأمين العام للجماعة، الذي شغله محمود حسين وإلغاء اللجنة الإدارية العليا.
هذه التطورات كشفت مدى عمق الانقسام الداخلي وعورات الاحتماء بالخارج في مواجهة الوطن. الأكثر من ذلك أصدر منير قراره بوقف ستة من أعضاء ما يعرف بمجلس شورى الجماعة، وإحالتهم للتحقيق لاقترافهم مخالفات إدارية وتنظيمية لم يحددها القرار، وهم محمود حسين وهمام يوسف، ورجب البنا، وممدوح مبروك، ومحمد عبد الوهاب. وهي قيادات أثير حولها الكثير منذ عامين من قبيل الاستعلاء على الكثير من الأعضاء القياديين والمواقف المتسلطة والإقصائية للمخالفين، واستيلائهم على الأموال المقدمة للجماعة، وشرائهم عقارات فاخرة في تركيا وفي بلدان أوروبية بأسماء أبنائهم، وتمويل وإرسال الكثير من الشباب المُغرر به للقتال في شمال سوريا إلى جانب الجماعات الموالية لتركيا. ويتردد أن كل هذه التصرفات تمت من دون العودة إلى قيادة التنظيم الدولي الممثلة في إبراهيم منير الطامح لشغل منصب المرشد العام رسمياً، وليس مجرد القيام بأعماله مؤقتاً.
لم تتوقف التطورات عند هذا الحد، فمجموعة أنقرة لم تصمت، وبدأت هجمة مضادة تمثلت في رفض قرارات منير باعتبارها غير شرعية ولا توافق لوائح الجماعة، وتم إصدار بيان باسم مجلس شورى الجماعة، غير القائم عملياً، يقيل إبراهيم منير. وفي المقابل بدأت حملة من رموز إخوانية في تركيا وأنقرة تؤيد منير وإجراءاته التي يصفونها بالإصلاحية في مواجهة مجموعة حسين التي ينعتونها بالانقلابية. في حين يبحث مؤيدو حسين عن سبيل لإعادة تكوين جسم إخواني جديد يرونه امتداداً لشرعية الجماعة من وجهة نظرهم، يطالب مؤيدو منير بطرد هؤلاء من الجماعة وتخليصها من شرورهم.
هذه الحالة السجالية الممزوجة بفساد مالي وطموحات لرئاسة التنظيم وتناقضات بشأن أسلوب العمل في المرحلة المقبلة، وخيبات سياسية كبرى، وتحولات مهمة لدى بعض قوى الدعم الدولي، لا بد لها أن تفرز الانقسام في الصفوف العليا للتنظيم، وترنح البنية الكلية، والذي امتدت آثاره لمجموعات الأعضاء من الشباب الغالب عليهم الندم والخيبة، سواء في مصر أو خارجها. ولذلك مجال آخر.