فرص استثمارية عالقة أمام حائط بيروقراطي
اخبار البلد -
حملت مجلة الإيكونمست في عدد الأسبوع الماضي مانشيت "اقتصاد النقص” لتتابع تفاعلات عملية مشكلة التوريد والإمداد القائمة في العالم والتي يبدو أنها ستطول أكثر مما كان متوقعاً وستنعكس بآثار سلبية في اقتصادات العالم وأهمها بالطبع زيادة سعر السلع في عديد من البلدان، مع ذلك، فإن الأردن يمكنه أن يستحوذ على فرصة تاريخية تتعلق بموقعه كوجهة استثمارية جديدة، بجانب دول أخرى بالطبع مثل مصر وسورية وتركيا، ويكتسب مشروع الشام الجديد أهميته في هذه المعادلة التي تقوم على انتقال حركة التصنيع إلى مناطق أقرب إلى وسط العالم، وإلى القارة الأوروبية النهمة في الاستهلاك، والإفريقية التي تشهد نمواً مطرداً.
هل نحن جاهزون؟ وهل نستطيع أن نتفهم عقلية المستثمر وأولوياته، وهل نحن مستعدون للتضحية بالمكاسب القريبة للحصول على مكاسب أخرى بعيدة تتأتى ثمارها بعد سنوات؟
لم يكن المسؤولون يكذبون وهم يخرجون بتصريحات بعد منتديات دافوس تتحدث عن استثمارات مقبلة بمليارات الدولارات، فالأردن بلد مثير للاهتمام بما يمتلكه من مزايا تجذب المستثمرين، ولكن ما يحدث بعد ذلك هو الذي يجهض النوايا والوعود التي يقطعها المستثمرون الذين يضطرون للدخول في التفاوض حول شروط الاستثمار ويجدون حائطاً بيروقراطياً عالياً ومكلفاً مقارنة بخياراتهم الأخرى على غير مبعدة من الأردن.
المنظومة السياسية في الأردن عطلت إحداث اختراق كبير في تجهيز بيئة استثمارية جاذبة، ومقارنة بقدرة دول الخليج على ترجمة الرؤى الاقتصادية لقادة بلدانها فإن الأردن وقف طويلاً أمام استحداث قانون استثمار عصري تبدأ منه عملية مراجعة وتعديل الأنظمة والتعليمات السارية، وكان السعي للجني المبكر للثمار عائقاً آخر، فالمستثمر لا يجد تسهيلات مماثلة لما يمكن أن يحصل عليه في مصر وهي التي تقدم سوقاً محلياً كبيراً للمستثمرين في خانة المزايا، والأمر كذلك بالنسبة لتركيا، وهي دول لا يمكن أن نتجاهل ما تمثله من منافسة على حصة المنطقة ككل من الاستثمارات الأجنبية.
يصعد المستثمرون في علاقتهم مع الدول من الجهاز الحكومي إلى إدارة الدولة ويتدخل رأس الدولة أحياناً للعمل على تذليل العقبات أمامهم، يحدث ذلك في فرنسا، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدي مرونة كبيرة في هذه الأمور طالما أن الأمر ينعكس في صورة وظائف إضافية للأمريكيين، في الأردن، تأتي الصورة معكوسة، فالمستثمر الذي يستقطبه رأس الدولة ويحدثه عن المزايا الموجودة في الأردن سيجد لاحقاً تفاصيل كثيرة أمامه تجعله يفكر من جديد في خياراته، فكيف يمكن الحصول على بيئة استثمارية مناسبة وجاذبة؟
التكاليف المرتفعة للإنتاج في الأردن تتطلب تعويضاً للمستثمرين، والتعويض يجب أن يترافق بتسويق السوقين العراقي والسوري وقدرتنا على إدارة العلاقة معهما بفعالية، لأنهما يضيفان زخماً لأي مستثمر، ومعهما أيضاً الاتفاقيات مع الدول العربية والصديقة الأخرى، ومع قضايا الاجراءات والتعليمات فإن كل هذه الأمور ترتبط بالأداء السياسي الذي يمكن ترجمته لمكاسب اقتصادية، ومن غير أن يكون ثمة وعي بأولوية مناقشة الاستثمار وتمكينه وتوظيفه لمواجهة مشكلة البطالة سيكون الحديث عن أي منتجات أخرى للإصلاح السياسي بمثابة تأسيس لمشكلات جديدة لحين استقرار ونضج الفاعل السياسي، حزباً أو نائباً، وخروجه من البرج العاجي للأسئلة الوجودية مثل الهوية الجامعة إلى التالعامل مع الجزئيات التي تحتاج إلى استقرار عميق وإسناد واسع ورغبة في الاشتباك مع سنوات من الجمود تركت آثارها في البيئة الاستثمارية.