الذكرى 26 لرحيل القاضي المرحوم ابراهيم الطراونة
يصادف يوم الخميس 15-12-2011 ذكرى مرور 26 عاما على وفاة القاضي المرحوم ابراهيم الطراونة قاضي محكمة التمييز والعدل العليا وعضو المجلس القضائي الاعلى. وعمل المرحوم ابراهيم الطراونة محامياً وقاضياً في مختلف مدن المملكة الاردنية الهاشمية حيث عمل رئيسا لمحكمة الجمارك ومفتشا عاما للمحاكم الاردنية ورئيسا لعدة هيئات قضائية. كما عمل الفقيد الطراونة قاضيا في محكمة ابو ظبي بدولة الامارات العربية المتحدة لأكثر من سبع سنوات وكان المرحوم القاضي ابراهيم الطراونة مندوبا عن الاردن بجامعة الدول العربية لعدة فترات عن اللجان القانونية.
والمرحوم القاضي ابراهيم الطراونة من مواليد العام 1929 في مدينة الكرك ودرس القانون في جامعة دمشق وعمل في بداية حياته معلماً ومحاميا وسياسياً ومن ثم انتقل للعمل في السلك القضائي الاردني وكان آخر مناصبه عضواً في المجلس القضائي الاعلى وقاضيا لمحكمة التمييز والعدل العليا. وقد منحه جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله بذكرى وفاته وسام الاستقلال من الدرجة الاولى تقديرا لخدماته الجليلة ولسيرته القانونية العطرة. كما تم اطلاق شارع يحمل اسمه في مناطق عمان الغربية تخليدا لذكراه الطيبة. والفقيد الطراونة ساهم في رفعة القضاء الاردني مع زملائه في السلك القضائي بكل نزاهة ورجولة. رحم الله الفقيد الكبير "ابا باسل" واسكنه مع الصالحين في جنان الخلد...
"القاضي الذي ظل عادلا" هو عنوان بورتريه للكاتب هشام عودة وبريشة الرسام الكبير جلال الرفاعي يجسد حياة المرحوم القاضي ابراهيم الطراونة تاليا نصه:
بـورتـريـه: ابراهيم الطراونة.. القاضي الذي ظل عادلا - هشام عودة
من المؤكد ان شخصيتين اثنتين قد تركتا اثرهما الواضح على حياة الكركي ابراهيم الطراونة ، الذي ظل لقب القاضي يسبق اسمه على مدار ثلاثة عقود من مسيرته المهنية ، الشخصية الاولى والده سالم الطراونة الشيخ الذي امتدت حدود سلطته العشائرية خارج مضارب اهله ، بل خارج حدود محافظة الكرك ، ليكون واحدا من وجهاء الاردن ومرجعيات ابنائه ، والشخصية الثانية عمه حسين باشا الطراونة زعيم المعارضة السياسية الاردنية مع بداية الانتداب وتشكيل الامارة ، ورئيس المؤتمر الوطني الاردني ، الذي ظل صوته عاليا في الدفاع عن عروبة الاردن وسيادته واستقلاله .
وتشير الرواية الشفوية ان الفتى ابراهيم المولود في قرية الخالدية على خاصرة الكرك عام 1929 ، كان معجبا بشخصية عمه الباشا ومواقفه السياسية ، وقد قرأ بتمعن قرارات المؤتمرات الوطنية التي كان للباشا دور بارز في صياغتها ، لذلك كان طبيعيا ان ينحاز الفتى ابراهيم منذ سنوات شبابه المبكر الى خندق عمه وأقاربه ، ويكون عضوا في اولى خلايا حزب البعث العربي الاشتراكي التي وجدت لها بيئة صالحة في مدينة الكرك والمدن الاردنية الاخرى ، نهاية الاربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي ، في فترة تزامنت مع نكبة فلسطين التي ألهبت مشاعر العرب والاردنيين. كان يمكن لشاب اسمه ابراهيم الطراونة ان يكتفي بوظيفة معلم التي حصل عليها عام 1950 ، بعد انهاء دراسته في ثانوية الكرك عام 1949 ، ورغم ممارسته لهذه المهنة لمدة عام ، الا انه رأى مستقبله المهني والسياسي مختلفا تماماً ، وهو يستند الى تراث سياسي وعشائري عريق ، ففك ارتباطه مع الوظيفة ويمم وجهه شطر دمشق عام 1951 ليدرس الحقوق في جامعتها ، مثل عدد كبير من ابناء جيله في تلك المرحلة ، ويتخرج محاميا عام 1955 ، في فترة كانت فيها دمشق والمنطقة تشهد حراكا سياسيا مختلفاً ، وفي العاصمة السورية تعرف طالب الحقوق القادم من مدينة الكرك على قادة البعث ، وكان ناشطا في اوساط الجامعة .
رغم ان ابا باسل انهى تدريبه كمحام عام 1958 ، مع بداية فرض الاحكام العرفية في الاردن ، الا انه تخلى طوعا عن لقبه ومهنته كمحام ، والتحق مباشرة بسلك القضاء ، ليسهم في إحقاق الحق وإشاعة العدل بين الناس ، رئيسا لكتاب محكمة اربد قبل ان يعمل قاضيا للصلح في محاكم الكورة وعجلون والطفيلة والسلط واربد وغيرها من المدن الاردنية ، حيث تعرف الى هموم الناس ومشاكلهم ، كما تعرف الى جغرافيا الوطن الذي انتمى اليه بكل جوارحه . القاضي الذي ترك بصمات واضحة في مسيرته المهنية ، تدرج في مواقعه ليصبح عضوا في محكمة بداية السلط واربد ، قبل ان يتم اختياره عام 1970 رئيسا لمحكمة بداية الجمارك ، ليصبح بعدها عضوا في محكمة استئناف عمان . وتشير الاوراق الشخصية للقاضي الكركي الذي ظل متمسكا بمبادئه ، ان دولة الامارات العربية المتحدة عندما ارادت بناء جهازها القضائي بعد استقلالها عام 1973 ، لم تجد افضل من القاضي ابراهيم الطراونة الذي رشحته الحكومة الاردنية للقيام بذلك ، ليسهم بوعيه وخبرته وحنكته في إنجاز تلك المهمة التي استمر فيها حتى عام 1978 ، ولم يعد الى عمان ، الا بعد ان اطمـأن الى ان الشجرة التي زرعها على شاطىء الخليج العربي قد اثمرت . في عام 1979 اصبح القاضي ابراهيم الطراونة مفتشا عاما لوزارة العدل قبل ان يصبح وكيلا لها ، ليتم اختياره عضوا في المجلس القضائي الاعلى وهي السلطة القضائية التي ظلت منحازة لتكريس مبادئ العدل والنزاهة ، بعد ان شغل ابو باسل عام 1985 مقعده في عضوية محكمة التمييز ، ليتوفاه الله في الخامس عشر من كانون الاول 1985 وهو على رأس عمله في محكمة التمييز ، المحكمة التي ينظر اليها المواطنون بثقة واطمئنان ، وهو في السادسة والخمسين من عمره . عند الحديث عن القضاء الاردني ونزاهته ، يقفز الى الواجهة اسم ابراهيم الطراونة وسيرته ، وهو القاضي الذي ظل منحازا لمبادئه وعدالة القضية التي انتمى اليها ، لذلك كان طبيعيا ان تكون جيوبه فارغة من أي ثروة وهو يلاقي وجه ربه ، مخلفا لاسرته سيرة ناصعة واسما يحظى باحترام الجميع . اقترن القاضي الطراونة بالناشطة البعثية المعروفة هدى خريس ، وأنجبا ولدين وخمس بنات ، في حين انجب والده سالم الطراونة خمسة وعشرين ابنا ، وما تزال ام باسل تتحدث بارتياح عن علاقتها بالقاضي الذي ظل نزيهاً ، وبالكركي الذي ظل منتميا لأوجاع امته ... ابراهيم الطراونة ، الذي امتدت خطوط علاقاته خارج دائرة المهنة ، وخارج حدود الوطن ايضاً ، وارتبط بأواصر طيبة مع سياسيين ومثقفين من مختلف الشرائح والاتجاهات لعل ابرزهم الرئيس الراحل وصفي التل
والمرحوم القاضي ابراهيم الطراونة من مواليد العام 1929 في مدينة الكرك ودرس القانون في جامعة دمشق وعمل في بداية حياته معلماً ومحاميا وسياسياً ومن ثم انتقل للعمل في السلك القضائي الاردني وكان آخر مناصبه عضواً في المجلس القضائي الاعلى وقاضيا لمحكمة التمييز والعدل العليا. وقد منحه جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله بذكرى وفاته وسام الاستقلال من الدرجة الاولى تقديرا لخدماته الجليلة ولسيرته القانونية العطرة. كما تم اطلاق شارع يحمل اسمه في مناطق عمان الغربية تخليدا لذكراه الطيبة. والفقيد الطراونة ساهم في رفعة القضاء الاردني مع زملائه في السلك القضائي بكل نزاهة ورجولة. رحم الله الفقيد الكبير "ابا باسل" واسكنه مع الصالحين في جنان الخلد...
"القاضي الذي ظل عادلا" هو عنوان بورتريه للكاتب هشام عودة وبريشة الرسام الكبير جلال الرفاعي يجسد حياة المرحوم القاضي ابراهيم الطراونة تاليا نصه:
بـورتـريـه: ابراهيم الطراونة.. القاضي الذي ظل عادلا - هشام عودة
من المؤكد ان شخصيتين اثنتين قد تركتا اثرهما الواضح على حياة الكركي ابراهيم الطراونة ، الذي ظل لقب القاضي يسبق اسمه على مدار ثلاثة عقود من مسيرته المهنية ، الشخصية الاولى والده سالم الطراونة الشيخ الذي امتدت حدود سلطته العشائرية خارج مضارب اهله ، بل خارج حدود محافظة الكرك ، ليكون واحدا من وجهاء الاردن ومرجعيات ابنائه ، والشخصية الثانية عمه حسين باشا الطراونة زعيم المعارضة السياسية الاردنية مع بداية الانتداب وتشكيل الامارة ، ورئيس المؤتمر الوطني الاردني ، الذي ظل صوته عاليا في الدفاع عن عروبة الاردن وسيادته واستقلاله .
وتشير الرواية الشفوية ان الفتى ابراهيم المولود في قرية الخالدية على خاصرة الكرك عام 1929 ، كان معجبا بشخصية عمه الباشا ومواقفه السياسية ، وقد قرأ بتمعن قرارات المؤتمرات الوطنية التي كان للباشا دور بارز في صياغتها ، لذلك كان طبيعيا ان ينحاز الفتى ابراهيم منذ سنوات شبابه المبكر الى خندق عمه وأقاربه ، ويكون عضوا في اولى خلايا حزب البعث العربي الاشتراكي التي وجدت لها بيئة صالحة في مدينة الكرك والمدن الاردنية الاخرى ، نهاية الاربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي ، في فترة تزامنت مع نكبة فلسطين التي ألهبت مشاعر العرب والاردنيين. كان يمكن لشاب اسمه ابراهيم الطراونة ان يكتفي بوظيفة معلم التي حصل عليها عام 1950 ، بعد انهاء دراسته في ثانوية الكرك عام 1949 ، ورغم ممارسته لهذه المهنة لمدة عام ، الا انه رأى مستقبله المهني والسياسي مختلفا تماماً ، وهو يستند الى تراث سياسي وعشائري عريق ، ففك ارتباطه مع الوظيفة ويمم وجهه شطر دمشق عام 1951 ليدرس الحقوق في جامعتها ، مثل عدد كبير من ابناء جيله في تلك المرحلة ، ويتخرج محاميا عام 1955 ، في فترة كانت فيها دمشق والمنطقة تشهد حراكا سياسيا مختلفاً ، وفي العاصمة السورية تعرف طالب الحقوق القادم من مدينة الكرك على قادة البعث ، وكان ناشطا في اوساط الجامعة .
رغم ان ابا باسل انهى تدريبه كمحام عام 1958 ، مع بداية فرض الاحكام العرفية في الاردن ، الا انه تخلى طوعا عن لقبه ومهنته كمحام ، والتحق مباشرة بسلك القضاء ، ليسهم في إحقاق الحق وإشاعة العدل بين الناس ، رئيسا لكتاب محكمة اربد قبل ان يعمل قاضيا للصلح في محاكم الكورة وعجلون والطفيلة والسلط واربد وغيرها من المدن الاردنية ، حيث تعرف الى هموم الناس ومشاكلهم ، كما تعرف الى جغرافيا الوطن الذي انتمى اليه بكل جوارحه . القاضي الذي ترك بصمات واضحة في مسيرته المهنية ، تدرج في مواقعه ليصبح عضوا في محكمة بداية السلط واربد ، قبل ان يتم اختياره عام 1970 رئيسا لمحكمة بداية الجمارك ، ليصبح بعدها عضوا في محكمة استئناف عمان . وتشير الاوراق الشخصية للقاضي الكركي الذي ظل متمسكا بمبادئه ، ان دولة الامارات العربية المتحدة عندما ارادت بناء جهازها القضائي بعد استقلالها عام 1973 ، لم تجد افضل من القاضي ابراهيم الطراونة الذي رشحته الحكومة الاردنية للقيام بذلك ، ليسهم بوعيه وخبرته وحنكته في إنجاز تلك المهمة التي استمر فيها حتى عام 1978 ، ولم يعد الى عمان ، الا بعد ان اطمـأن الى ان الشجرة التي زرعها على شاطىء الخليج العربي قد اثمرت . في عام 1979 اصبح القاضي ابراهيم الطراونة مفتشا عاما لوزارة العدل قبل ان يصبح وكيلا لها ، ليتم اختياره عضوا في المجلس القضائي الاعلى وهي السلطة القضائية التي ظلت منحازة لتكريس مبادئ العدل والنزاهة ، بعد ان شغل ابو باسل عام 1985 مقعده في عضوية محكمة التمييز ، ليتوفاه الله في الخامس عشر من كانون الاول 1985 وهو على رأس عمله في محكمة التمييز ، المحكمة التي ينظر اليها المواطنون بثقة واطمئنان ، وهو في السادسة والخمسين من عمره . عند الحديث عن القضاء الاردني ونزاهته ، يقفز الى الواجهة اسم ابراهيم الطراونة وسيرته ، وهو القاضي الذي ظل منحازا لمبادئه وعدالة القضية التي انتمى اليها ، لذلك كان طبيعيا ان تكون جيوبه فارغة من أي ثروة وهو يلاقي وجه ربه ، مخلفا لاسرته سيرة ناصعة واسما يحظى باحترام الجميع . اقترن القاضي الطراونة بالناشطة البعثية المعروفة هدى خريس ، وأنجبا ولدين وخمس بنات ، في حين انجب والده سالم الطراونة خمسة وعشرين ابنا ، وما تزال ام باسل تتحدث بارتياح عن علاقتها بالقاضي الذي ظل نزيهاً ، وبالكركي الذي ظل منتميا لأوجاع امته ... ابراهيم الطراونة ، الذي امتدت خطوط علاقاته خارج دائرة المهنة ، وخارج حدود الوطن ايضاً ، وارتبط بأواصر طيبة مع سياسيين ومثقفين من مختلف الشرائح والاتجاهات لعل ابرزهم الرئيس الراحل وصفي التل