واقع المرأة بين المساواة والمواساة
أخبار البلد - أثار تكليف الرئيس التونسي قيس سعيد، المهندسة نجلاء بودن رمضان، رئيسة لوزراء تونس ردود فعل متباينة سلبية وإيجابية على مستوى تونس وخارجها، بين من اعتبره انتصارا لكفاح المرأة التونسية والعربية لنيل حقوقها بالمساواة، وبين من اعتبره خارجا عن الشرعية الدستورية. فالقرار يعيد تسليط الضوء على واقع المرأة العربية، ويبشر بأن هناك أملا بتحقيق المساواة والعدالة للنساء، كما يثير التساؤلات حول مدى التزام الحكومات العربية، بتطبيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة (المساواة بين الجنسين)، خصوصا في المناطق التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي.
وبما أن هذا المقال هو المقال الخامس من سلسلة مقالات أهداف التنمية المستدامة ال 17، ومدى واقعية تحقيقها في فلسطين كدولة تحت الاحتلال، لا بد من الإشارة إلى أنه عند مراجعة غايات ومقاصد الهدف الخامس، تبين أن الأمم المتحدة قد غفلت عن تضمين مقاصد الهدف، الدول التي تعاني فيها النساء من النزاعات المسلحة، والاحتلال، ويتعرضن لأبشع أنواع الانتهاكات المنافية للقانون الدولي وحقوق الانسان، ويعشن واقعا مأساويا جراء تداعيات الاحتلال السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويعانين من آثاره النفسية.
حسب مركز المعلومات الفلسطينيني التابع لوكالة ” وفا "، فقد دخلت السجون الإسرائيلية على مدار سنوات الصراع الطويلة مع الاحتلال، أكثر من 15.000 امرأة وشابة وطفلة فلسطينية، ولم تميّز إسرائيل بين امرأة كبيرة في السن أو قاصرا، ثماني أسيرات فلسطينيات حوامل وضعن حملهن أثناء وجودهن بالسجن، وأن هناك 131 امرأة لم يسمح لهن برعاية أطفالهن” ، وما زالت 40 سيدة وفتاة يقبعن في سجون الاحتلال الاسرائيلي حتى الآن.
بالإضافة إلى معاناة لم الشمل للنساء المقدسيات أو المتزوجات من مقدسيين، اللواتي يتعرضن للقوانين الاسرائيلية العنصرية وتحرم العائلة من لم شملها، في حال اختلاف هوية الزوجين، أو من يتزوجن أشخاصا يقيمون خارج الوطن أو العكس، وغير ذلك من ارتفاع عدد الشهيدات، والجريحات، وارتفاع حصيلة النساء والفتيات اللواتي دفعن ثمن التهجير القسري. ويتعذبن كل يوم على الحواجز العسكرية.
وقد يخدع البعض ببعض المؤشرات الإيجابية، التي تعطي انطباعات مغايرة للحقيقة، وبالكاد تشكل التحسينات أثرا أيجابيا ملموسا، في ظل الممارسات اليومية التي تتصف بالتمييز وتتعرض لها المرأة في أغلبية المجالات.
الاعتقاد أن حال المرأة العربية على ما يرام، كمؤشرات انخفاض نسبة الزواج المبكر، والتحسن بتقديم الرعاية الصحية لها عند الولادة، وخلال فترة الحمل، وارتفاع معدلات التحاق الإناث بالتعليم، وإشراك بضع نساء في مواقع صنع القرار، الذي يبدو بمثابة جائزة ترضية، هو اعتقاد مضلل، فعند تقريب الصورة يبدو المشهد مختلفا، ويبدو واقع المرأة أشبه بفن الخداع البصري، الذي يعتمد على فكرة رؤية خادعة، تُعطي الناظر انطباعات مغايرة للحقيقة، وهذا هو حال المرأة في مجتمعاتنا.
حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ارتفع معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 40%، مقابل 23% بين الرجال للعام 2020، وربع المستخدمات بأجر في القطاع الخاص يتقاضين أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجور (1,450 شيقل شهريا). وربع المستخدمات بأجر يعملن دون عقد عمل، وتتسع فجوة المشاركة في القوى العاملة بين النساء والرجال من ذوي الإعاقة”. وغير ذلك من أن غياب الثقة بالمرأة الفسلطينية وقدراتها يبدو واضحا، خصوصا عند الحديث عن مواقع صنع القرار.
وعلى الرغم من ميثاق الشرف الذي وقعته جميع الفصائل بتمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 30 في المائة في المواقع كافة، فإن 5% فقط من أعضاء المجلس المركزي نساء، و11% من أعضاء المجلس الوطني، و13% من أعضاء مجلس الوزراء، و11% نسبة السفيرات في السلك الدبلوماسي، وحاليا صفر في المائة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بعد أن كان 6%، كما أن هناك إمراة واحدة تشغل منصب محافظ من أصل 16 محافظا، ولا توجد حاليا أية رئيسة بلدية في البلديات المصنفة أ، ب، وهناك ثلاث رئيسات بلدية في المجالس الصغيرة المصنفة ج، وحوالي 91% من رؤساء النقابات الفلسطينية رجال، أما عن أعضاء الغرف التجارية والصناعية والزراعية فقد بلغت النسبة 96% من الرجال، مقابل 4% فقط من النساء للعام 2019، و13% للنساء مقابل 86% للرجال الحاصلين على درجة مدير عام فأعلى، وغير ذلك من الممارسات الاجتماعية كحرمان الأنثى من الميراث والتعليم ما زالت قائمة في بعض الأوساط، ومشاكل حضانة الأطفال عند الطلاق، وقضايا التملك والسفر، ونظرة المجتمع لهن عند الطلاق، وتعرضهن للعنف المنزلي بكافة أشكاله، وفقدانهن للحماية الاجتماعية والقانونية.
سيبقى تحقيق الهدف الخامس متعثرا، على الرغم من توقيع فلسطين على الاتفاقيات الدولية، التي تعزز مبدأ المساواة بين الجنسين، والعمل على دمج النوع الاجتماعي في الاستراتيجيات القطاعية للتعليم والقطاعات الأخرى، لكن طالما أنه مازالت هناك منظومة من القوانين والأنظمة، التي تخدم الهيمنة الذكورية والأبوية الموروثة من أيام الجاهلية، والتي يتم فيها استغلال اسم الدين، ومعظم تلك القوانين قائمة من العهد العثماني والانتداب البريطاني، وبعضها أردنية ومصرية، وغير موحدة حتى بين الضفة الغربية و قطاع غزة، مثل قانون الأسرة، وقانون الأحوال الشحصية وقانون العقوبات، وهي قائمة على التمييز بين الرجل والمرأة. وتحول دون حماية المرأة وإعطائها حقوقها.
المطلوب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وضع حد لانتهاكات إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة، ولحقوق الانسان بما فيها حقوق المرأة، وتوفير الحماية للمدنيين.
أما وطنيا فلا بد من العمل وبشراكة حقيقية مع كافة القطاعات، بما يضمن تعديل القوانين وتحديثها، ويعزز مبدأ المساواة بين الجنسين، والقضاء على التمييز، وإعادة برمجة العقل المجتمعي ونسف الافكار التي تمس مكانة المرأة وتحطّ من شأنها ودورها داخل الأسرة والمجتمع، وتربية الإنسان الفلسطيني على مبادئ المساواة، والعدل من خلال المناهج والمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية.
تحقيق الهدف الخامس ليس فقط مطلبا دوليا، أو نسويا، وانما هو مطلب مجتمعي، ومطلب كل الذين دعموا المرأة من آباء ورجال وأزواج وإخوة، ورفقاء النضال والحركات النسوية والنقابية الذين آمنوا بالمرأة وقدراتها، فالمرأة ليست كائنا ناقصا، والمجتمعات التي مازالت تنتقص فيها حقوق المراة، لن يكتمل تحررها الا بتحرر المرأة من كل أشكال الاضطهاد والتمييز على كافة المستويات.