ملاحظات مهمة

أخبار البلد-

 
لا يمكننا الحديث عن العمل الحزبي والأحزاب وتجربة الأردن الطويلة في هذا المجال، من دون أن نتمعن جيدًا في الأفكار والانطباعات والصورة النمطيّة التي ترسخت في الأذهان لدى الأردنيّين، الذين يشعرون بالفراغ الحزبي منذ مدة طويلة، ولا يرون الساحة مهيّأة حتى الآن للقيام بنشاطات حزبية مهما تحدثنا عن «الحزب الذي نريد»؛ لأسباب عديدة ومتنوعة، وربما موضوعية أيضًا.
الشعارات التي نطلقها حول الحزب البرامجي المنظّم، والقادر على استقطاب أعداد كبيرة من الأعضاء، تحتاج إلى عمل جادّ ودؤوب، وصبر على التحديات والمعوّقات، وعزيمة قوية على مواجهتها عن طريق الحوار الإيجابي، والإقناع بأهمية الحزب في الحياة السياسية والبرلمانية، وترسيخ العملية الديمقراطية التي تضمن وصول أعضاء الحزب إلى البرلمان، بناء على قانون انتخاب مناسب، وانتخابات حرة نزيهة، تتبعها مرحلة يمكن فيها للأغلبية النيابيّة، أو لائتلاف نيابيّ أن يشكل الحكومة.
ذلك يعني أن الشعب يستطيع من خلال حيوية حزبية تعبر عن عقل جماعي متفق على برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي إصلاحي؛ أن يوصل ممثليه إلى مجلس النواب، ليصبح متحدثا باسمهم، ومعبّرا عن تطلعاتهم ومطالبهم المشروعة، وفق برنامج الحزب الذي تم وضعه على أسس الحاكمية الرشيدة: « التشاركية، والشفافية، والمساءلة»، وذلك الممثل أو الممثلون سيلتقون حتما مع ممثلين لتيارات اجتماعية أو اقتصادية أو فكرية أخرى، يجمعهم مجلس نيابي واحد، بعد أن يصدر بشكل دستوري قانون الأحزاب، وقانون الانتخاب الجديدان.
لقد توقفت طويلا عند عدد من الملاحظات أو الآراء التي وضعها أصدقائي القراء على مقالي السابق الذي نشرته تحت عنوان « نظرة على الأحزاب»، وبخاصة تلك التي عبرت عن اعتقاد أصحابها بأن معظم الأحزاب القائمة حاليا لها مرجعية واحدة، هي شخص أمينها العام الذي لا يتغير ولا يتبدل، ويستأثر بالسلطة أو القيادة، بما في ذلك الأحزاب القديمة الأخرى، وهناك من يتهم بعضها بأنها تعمل من أجل مصالح شخصية ضيقة، وغير ذلك من انطباعات قد تصح وقد تخطئ، ولكنها ملاحظات مهمة يجب أخذها في الاعتبار عند تشكيل الأحزاب البرامجية الجديدة؛ ذلك أن المسيرة الحزبية الجديدة مطالبة بتغيير النظرة السائدة عن الحياة الحزبية في البلاد، من خلال منظومة من القيم والتقاليد الحزبية الرفيعة، والممارسة الديمقراطية السليمة.
بعض الملاحظات تعبّر كذلك عن الريبة والشك بشأن العلاقة بين الأحزاب والحكومة، بل هناك من يعتقد بأن إمكانية قيام أحزاب بالمستوى الذي يأمله الجميع ليست واردة، وأن الوضع القائم حاليا في طبيعة التمثيل ونوعيته لا يمكن تغييره لأسباب كثيرة، وبالطبع لست أهمل أو أقلل من أهمية الملاحظات التي تعبّر عن قدر معقول من الروح الإيجابية، والتي تنادي بضرورة إحداث حركة جديدة تضع الماضي وراء ظهرها، وتقيم واقعا سياسيا مستحدثا يعزز قوة الدولة، ويدفع بعملية الإصلاح الشامل نحو غاياتها وأهدافها القريبة والبعيدة؛ ولكنّي أعتقد أن الانطباعات السائدة بمجملها عن الأحزاب لا يمكن تغييرها إلا من خلال الممارسة الحزبية الصحيحة على أرض الواقع، وهنا يكمن التحدي الحقيقي!