الهوية الوطنية الجامعة.. لزوم ما لا يلزم
اخبار البلد -
لم يكن ثمة ما هو جديد في استخدام اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لعبارات بليغة تعوزها الفائدة، فمشكلة الدولة الأردنية شأن غيرها من الدول العربية، تتعلق بالتركيز على الجانب الجمالي ونبرة الشعارات، مع زهد يصل إلى حالة العوز في التفاصيل، فمثلاً، يتحدث المسؤول العربي، في الحكم أو المعارضة، عن خطة نهضة شاملة لتطوير التعليم، ولكنه لا يتحدث عن أعداد المدارس ولا أعداد الطلبة في الصف الدراسي ولا عن تأهيل المعلمين وفق برنامج معين وفي إطار زمني محدد، هو فقط يريد استجلاب كائن النهضة الخرافي الذي مللنا من الإشارة له تصريحاً تارةً وتورية تارةً أخرى، ووسط هذه الحالة من التراكم الكلامي واللفظي، فالنهضة وجدت مكانها بجوار الغول والعنقاء والخل الوفي.
ما الذي تعنيه الهوية الوطنية الجامعة؟ مصطلح مهيب ومترامية أطرافه، ولكنه لا يعني شيئاً محدداً، وينفتح على كافة التأويلات، ولدرجة اتساعه استحضر البعض قصة الوطن البديل من جديد، وارتأى آخرون امتداداً لاستهداف العشيرة، وعلى ذلك انطلقت مجموعة من الحسابات على تويتر لتصنع ترينداً زائفاً من خلال تكرارها لرفض المصطلح والتشكيك فيه، وبعد أن قدمت حسابات أقل من أصابع اليد الواحدة هاشتاج # الهوية_ الجامعة _ مرفوضة جعلته يتصدر الاهتمامات محلياً على موقع تويتر، تلقفت البي بي سي كرة الإثارة وصنعت تقريراً يتحدث عن انقسام الأردنيين حول فكرة الوطن البديل للفلسطينيين.
بغض النظر عن اعتماد التقرير على التغريدات التي حملت الوسم وظهرت بصورة فيروسية، وتجاهل القناة البريطانية لحقيقة محدودية تأثير موقع تويتر في الأردن خلافاً للواقع السائد في بلدان مثل السعودية والإمارات، فإن هذه الحالة من التشكيك في الهوية الأردنية ما زالت تلقى سوقاً رائجاً، وتتجاهل حقيقة أن الدولة الأردنية تدخل مئويتها الثانية، وبذلك تعد من أقدم الدول العربية في التواجد والتشكل السياسي، والمشكلة الأكبر أن الحكومة وكثير من المؤسسات ما زالت تكرر استخدام هذه النوعية من العبارات التي لا يفترض أن يكون لها مكان في الخطاب الرسمي.
يخرج الوزير العابر للحكومات وصاحب ملف التنمية السياسية موسى المعايطة ليوضح معنى الهوية الوطنية الجامعة عن سيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه، ويطرح السؤال نفسه حول تجنب التركيز عن قيم المواطنة والتعبيرات القانونية عن واجبات المواطن وحقوقه والاستناد إلى تعبير واسع مثل الهوية الوطنية.
أما آن وقت التعامل مع المواطن بوصفه الطرف الثاني في العلاقة التعاقدية مع الدولة من خلال ما يدفعه من ضرائب واستعداده المبدئي للدفاع عن السيادة الوطنية، وأما آن للدولة أن تعرف أن أذرعتها كافة مطالبة بإتمام دورها التعاقدي من خلال توفير بيئة تقوم على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص من أجل تعميق مبدأ التنافس القائم على الروح الإيجابية وتفكيك جذور الإحباط المتعمق في المجتمع الأردني.
المتاعب الاقتصادية وعدم القدرة على تحريك عجلة التشغيل من شأنها أن تستفز الهويات الفرعية، وجوهر المشكلة الهوياتية والسياسية هو اقتصادي في الأساس، فالأردن لا يمتلك جامعاً اقتصادياً يجعله متميزاً، صناعة وطنية تطلق سمعته، زخم سياحي يضعه على الخريطة، وإذا كان المواطن في الهوية الفرعية التي تربطه مع نائب أو مسؤول فرصة عمل، فما الذي يمكن أن يجعله يتمسك بالهوية الجامعة؟ أما إذا كان الحديث عن سيادة القانون وعن أدوات المحاسبة التي ستواجه عدم الكفاءة وتثري الحلول الوطنية في مواجهة المأزق الاقتصادي، وستضع المواطنين جميعاً أمام حصصهم من عوائد التنمية ومعاناة التقشف بصورة تقوم على الشفافية، فوقتها لن يظهر الانقسام ولن يتهدد أحد.
لنسمي الأشياء بأسمائها، في الممارسة السياسية البسيطة التي قطعناها في حياتنا، كانت تهبط هذه العبارة التي يطلقها أحدهم بعد تشابك الحوار ونزوعه إلى العبثية لتشكل منعطفاً في الحوار وبداية لتفاهم جديد، والحكومة والمؤسسات يجب أن تتذكر جيداً أنه من الضروري تسمية الأشياء بأسمائها، أما الشعارات فلدينا ما يكفي منها، وما يمكننا تصديره.