أفغانستان تحت حكم طالبان: مُدعيات عامات أفغانيات "يختبئن من رجال شاركن في محاكمتهم"

اخبار البلد - 

 

حتى أغسطس/ آب، كانت فاريشتا مدعية عامة مؤثرة تمارس سلطتها لخدمة قضية. وخلال فترة عملها قاضت العديد من المجرمين ومقاتلي طالبان والبيروقراطيين الفاسدين ورجالا اعتدوا بالضرب على النساء والأطفال.

أما اليوم، فإن فاريشتا، البالغة من العمر 27 عاما، مختبئة مثل مجرم هارب، تُغير مكانها في كثير من الأحيان.

وفريشتا ليس الاسم الحقيقي للقانونية الأفغانية. وحفاظا على سلامتها منحناها هذا الاسم المستعار.

كانت فاريشتا، التي تعود أصولها إلى ولاية باكتيا جنوب شرقي أفغانستان، من بين أولئك النساء الأفغانيات اللاتي حققن نجاحا مهنيا في السنوات التي أعقبت هزيمة طالبان قبل 20 عاما، متحدية بذلك مجتمعها الذي يهيمن عليه الذكور والمحافظون.

قبل خمس سنوات، وفي ظل الحكومة السابقة، أصبحت فاريشتا مدعية في مكتب المدعي العام في أفغانستان. وكان عملها يشمل "مقاضاة أولئك الذين ارتكبوا جرائم الاغتصاب والقتل والعنف المنزلي وإصدار الأحكام عليهم".

قالت فاريشتا، التي تحدثت لبي بي سي من منزل آمن في أفغانستان، إنها كانت "مهمة صعبة ولكنها مرضية".

لكن مع اجتياح طالبان لأفغانستان في الأشهر الأخيرة، وقبل سيطرتها على البلاد، أطلقت الحركة سراح جميع السجناء، بما في ذلك الآلاف من المجرمين والمتشددين.

ومن بين أولئك الذين أطلقتهم الحركة، محمد غول، الذي واجه تهما بالتخطيط لهجمات انتحارية. وكانت فاريشتا قد جمعت، بشق الأنفس، الأدلة ضد غول ونجحت في مقاضاته، ووضعه خلف القضبان لتنفيذ حكم بالسجن لمدة 20 عاما.

تقول فاريشتا إنه بعد أيام من سيطرة طالبان على العاصمة كابل، اتصل بي غول. وقال "إنه سيلاحقني للانتقام، ولا يمكنني الاختباء في أي مكان".

منذ ذلك الحين، بدات فاريشتا بالهرب والاختباء. لكن بدون راتب تجد صعوبة في تغطية نفقاتها. وتقول هي وزملاؤها إن حركة طالبان تعارض عمل النساء كمدعيات عامات وقاضيات، وتريد إبعاد معظم النساء عن أماكن العمل، كما فعلت خلال فترة حكمها في أواخر التسعينيات.

لدى النساء، مثل فاريشتا، سبب وجيه للخوف. ففي يناير/ كانون الثاني، قُتلت قاضيتان في المحكمة العليا الأفغانية بالرصاص في كابل - في إطار موجة من عمليات القتل المستهدف على نطاق واسع نُسبت إلى طالبان. كما قتل مسؤولان قانونيان كانا يعملان في وزارة العدل الأفغانية في كابل في الأسابيع الأخيرة فيما يعتقد أنه هجمات انتقامية.

وأفادت جماعات حقوقية دولية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، عن عمليات قتل واختطاف خارج نطاق القانون، على الرغم من العفو الذي أعلنته حركة طالبان عن موظفي الحكومة السابقة.

ويذكر أن المئات من القاضيات اختبأن عندما سيطرت طالبان على السلطة في أغسطس/ آب. وسارع البعض لمغادرة البلاد خلال عملية الإجلاء التي قادتها الولايات المتحدة حينها، بينما تُركت آخريات يواجهن مصيرهن في أفغانستان.

وقالت قاضية أفغانية من مقاطعة باروان، كانت من اللاتي طلبن المغادرة "لقد تلقيت شخصيا العديد من المكالمات الهاتفية والتهديدات من طالبان والأفراد المرتبطين بهم".

وأضافت القاضية، التي بدات عملها في سلك القضاء الأفغاني 2018، وتمكنت من المغادرة وتعيش حاليا في المملكة المتحدة، إن طالبان استولت على منزلها وممتلكاتها وجميع الأصول الأخرى وأن أقاربها معرضون لخطر الاضطهاد من قبل الحركة.

وقالت "القاضيات لعبن دورا حيويا في ترسيخ حكم القانون ومحاربة الفساد داخل المنظومة القضائية"، مضيفة أن " مغادرة القضاة للبلاد، سيترك فراغا وفجوة هائلة في السلطة القضائية".

ولا يزال هناك حوالي 230 قاضية أفغانية عالقة في أفغانستان، وجميعهن الآن مختبئات. وبحسب مقابلات مع قضاة ونشطاء يدافعون عنهم، فقد تعرضت مساكن سابقة لهم للتفتيش والنهب كما تعرض أقاربهم للتهديد.

وقالت القاضية أنيسة دانجي، إحدى ممثلات المملكة المتحدة في الرابطة الدولية للقضاة النساء آي أي دبليو جاي IAWJ "لقد انتهت حياتهن المهنية، وجمدت حساباتهن المصرفية، ومستقبلهن كنساء في أفغانستان قاتم".

وتدخلت الرابطة، وهي منظمة غير ربحية دربت العديد من القاضيات الأفغانيات في الماضي، لتنسيق إجلاء عشرات القضاة وسط الفوضى والعنف في مطار كابل بعد سيطرة طالبان.

لقد كانت عملية الإجلاء معقدة شاركت فيها عدة فرق تعمل طوال الليل مستعينة بالخرائط والمترجمين، وتنسيق التقارير الاستخباراتية حول ما يحدث في بوابات مطار كابل.

وعلى الرغم من كل تلك الصعاب، تم إجلاء حوالي 40 قاضية أفغانية وعائلاتهن. ومعظمهم الآن في الولايات المتحدة وأوروبا، وبعضهن في تركيا وطاجيكستان وإيران ودولي خليجيةالخليج. لكن كثيرات تركن في أفغانستان.

وقالت قاضية أفغانية مختبئة في كابول للرابطة إن أحد الرجال الذين حكمت عليه بتهم تتعلق بالإرهاب لم يهددها فحسب بعد أن أُطلق سراحه، بل تم تعيينه الآن قاضيا تحت حكم طالبان.

وقالت قاضية أخرى إنها كانت ستلد قريباً بعملية قيصرية رُتب لها، لكنها كانت تخشى الذهاب إلى المستشفى والتعريف بنفسها هناك.

وإلى جانب هذه الحالات المروعة، وجّه الاختفاء المفاجئ للنظام القضائي في البلاد ضربة شاملة للنساء الساعيات إلى تحقيق العدالة في أفغانستان.

وقالت زينب، وهي محامية مستقلة تدير مكتبا قانونيا في عدة مدن أفغانية، غُير اسمها أيضا حفاظا على سلامتها، "مع إغلاق المحاكم، ليس لدى النساء سبيل للشكوى من تعرضهن للاغتصاب أو الإساءة من قبل أزواجهن أو غيرهم من الرجال".

وأضافت "لا أحد يلجأ للقضاء لمناقشة الأمر، لأنه لم يعد هناك محاميات".

أُغلقت جميع مكاتب زينب وفقد موظفوها الـ 15 وظائفهم. وقالت إنها تلقت تهديدا من رجل من هرات حاكمته بتهمة الاعتداء الجنسي لكن حركة طالبان أطلقت سراحه.

قال لها: "سأجدكِ، حتى لو كنتِ مختبئة في هرات، وبعد ذلك سأسلمك إلى طالبان".

ونفى المتحدث باسم طالبان والوزير البارز، ذبيح الله مجاهد، مسؤولية الحركة عن التهديدات ونهب ممتلكات القاضيات والمسؤولين القانونيين الآخرين.

وقال مجاهد لبي بي سي "نحن نرفض هذه المزاعم، مقاتلونا لم ولن يفعلوا مثل هذا الشيء أبدا".

وردا على سؤال عما إذا كان سيتم السماح للقاضيات والمدعيات العامات بالعودة إلى العمل، قال مجاهد "سيتخذ قرار بشأن ذلك، ونعمل حاليا على إطار عمل مناسب. وسيتضح كل شيء قريبا".

ويخشى نشطاء من أن الوقت ينفد بالنسبة للمحاميات والقاضيات الأفغانيات المختبئات.

تقول القاضية دانجي "الحاجة الملحة في الوقت الحالي هي مساعدة أولئك الذين يرغبون في المغادرة".

وتضيف "حياتهن وحياة عائلاتهن في خطر. يتم مطاردتهن لمجرد أنهن شاركن في محاكمة بعض الرجال".