من اسرار الربيع العربي وتشكيل العالم الجديد

من اسرار الربيع العربي وتشكيل العالم الجديد

لقد ذكرت بمقال سابق عنوانه ما هو سر الشرق الاوسط الجديد والربيع العربي عن غاز نابكو... ما وراء الاحداث لهو صراع روسي صيني امام الارادة الامريكية للهيمنة على....
الغاز الطبيعي وترسيم الحدود ومن سيحكم العالم وعزل روسيا والصين عن اهم موارد القوى وحجبهم عن المتوسط.... وكما نعلم مركز الصراع الحالي الشرق الاوسط مركز الطاقة والمياه ...فكان الاستعمار الجديد باسم
القوة الناعمة والربيع العربي .............ولنا بالماضي عبرة لقد كانت حاجة ألمانيا إلى مستعمرات
تُجهزها بالطاقة، أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية... وفي بحث استراتيجي
يظهر قسما من ماهية الصراع على الوطن العربي وما سمي بالربيع العر بي كتب الدكتور عماد شعيبي التالي :

في وقت بدا فيه أن ثمة تداعٍ في دول اليورو وسط أزمة اقتصادية أمريكية بالغة الدقة أوصلت أمريكا إلى حجم دين عام مقداره 14.94 تريليون دولار، أي بنسبة 99.6% من الناتج الإجمالي (GDP) في وقت وصل فيه النفوذ الأمريكي العالمي إلى حد ضعيف جداً في مواجهة قوى صاعدة كالصين والهند والبرازيل بات واضحاً أن البحث عن مكمن القوة لم يعد في الترسانات العسكرية النووية وغير النووية، إنما هناك ... حيث توجد الطاقة. وهنا بدأ الصراع الروسي – الأمريكي يتجلى في أبرز عناصره.
لقد تلمس الروس بعد سقوط الاتحاد السوفييتي أن الصراع على التسلح قد أنهكهم وسط غياب عن عوالم الطاقة الضرورية لأي دولة صناعية، فيما كان الأمريكيون يتحركون في مناطق النفط عبر عدة عقود مكنتهم من النمو ومن السيطرة على القرار السياسي الدولي بلا منازعات كبيرة. ولهذا تحرك الروس باتجاه مكامن الطاقة (النفط والغاز). وعلى اعتبار أن القسمة الدولية لا تحتمل المنافسة في قطاعات النفط كثيراً، عملت موسكو على السعي إلى ما يشبه (احتكار) الغاز في مناطق إنتاجها أو نقلها وتسويقها على نطاق واسع.
كانت البداية عام 1995 حين رسم بوتين إستراتيجية شركة غاز بروم لتتحرك في نطاق وجود الغاز من روسيا فأذربيجان فتركمانستان فإيران (للتسويق) وصولاً إل منطقة الشرق الأوسط (مؤخراً)، وكان من المؤكد أن مشروعي السيل الشمالي والسيل الجنوبي سيكونان وسام الاستحقاق التاريخي على صد فلاديمير بوتين من أجل عودة روسيا إلى المسرح العالمي ومن أجل استعادة دور روسيا كدولة أولى أو ثانية في الترتيب الدولي ومن أجل إحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي سيعتمد لعقود على الغاز بديلاً من النفط أو بالتوازي معه ولكن بأولوية أكبر لصالح الأول. وهنا كان على واشنطن أن تسارع إلى تصميم مشروعها الموازي (نابكو) لينافس المشروع الروسي على قسمة دولية على أساسها سيتعين القرن المقبل سياسياً واستراتيجياً.
يشكل الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية.
واضح أن روسيا قد قرأت الخارطة وتعلمت الدرس جيداً. فسقوط الاتحاد السوفياتي قد كان بسبب غياب موارد الطاقة العالمية عن سيطرته، لتضخ إلى البنى الصناعية المال والطاقة، وبالتالي البقاء، و لذلك تعلمت أن لغة الطاقة القادمة إلى القرن الواحد والعشرين على الأقل هي لغة الغاز.
بقراءة أولية لخارطة الغاز نراها تتموضع في المناطق التالية من حيث الكم والقدرة على الوصول إلى مناطق الاستهلاك:
1. 1.
:
1. 1. روسيا انطلاقاً من فيبرغ (Vyborg) وبيري غوفيا (Beregovya).
2. 2. الملحق الروسي: تركمانستان.
3. 3. المحيط الروسي القريب والأبعد: أذربيجان وإيران.
4. 4. المقنوص!!! من روسيا: جورجيا.
5. 5. منطقة شرق المتوسط (سورية، لبنان)
6. 6. قطر ومصر ...
على هذا سارعت موسكو للعمل على خطين استراتيجيين الأول التأسيس لقرن روسي-صيني (شنغهاييّ) يقوم على أساس النمو الاقتصادي لكتلة شنغهاي من ناحية، والسيطرة على منابع الغاز من ناحية أخرى.
وبناء عليه، فقد أسست موسكو لمشروعين أولهما هو مشروع السيل الجنوبي وثانيهما هو مشروع السيل الشمالي. وذلك في مواجهة مشروع أمريكي لاقتناص غاز تركمانستان، وهو مشروع نابوكو (Nabucco).
سباق استراتيجي بين مشروعين للسيطرة على أوروبا من ناحية وعلى مصادر الغاز من ناحية أخرى.
 • المشروع الأمريكي نابوكو مركزه آسيا الوسطى والبحر الأسود ومحيطه فيما موقعه المُخزِّن هو (تركيا) ومساره منها إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك وكرواتيا وسلوفانيا فإيطاليا. وكان من المقرر أن يمر باليونان، إلا أن هذا قد تم غض الطرف عنه كُرمى لتركيا.
 • المشروع الروسي في شقيه الشمالي والجنوبي يقطع الطريق عبر التالي:
أ‌. السيل الشمالي (Nord Steam) وينتقل من روسيا إلى ألمانيا مباشرة ومن فاينبرغ إلى ساسنيتز عبر بحر البلطيق دون المرور ببيلاروسيا، وهو ما خفف الضغط الأمريكي عليها.
ب‌. السيل الجنوبي (South Stream): ويمر من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا ويتفرع إلى اليونان فجنوب إيطاليا وإلى هنغاريا فالنمسا.

المفروض أن مشروع (نابوكو) كان من المقرر أن يسابق المشروعين الروسيين إلا أن الأوضاع التقنية قد أخرت المشروع إلى عام 2017 بعد أن كان مقرراً عام 2014، مما جعل السباق محسوماً لصالح روسيا، في هذه المرحلة بالذات، ما يستدعي البحث عن مناطق دعم رديفة لكل من المشروعين وتتمثل في:
الغاز الإيراني الذي تصرّ الولايات المتحدة على أن يكون رديفاً لغاز نابوكو ليمر في خط مواز لغاز تركمانستان إلى نقطة التجمع في (Erzurum) إيرزورام في تركيا.
غاز منطقة شرق المتوسط .....إسرائيل ولبنان وسورية
وبالقرار الذي اتخذته إيران ووقعت اتفاقياته لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في شهر تموز
2011 تصبح سورية هي بؤرة منطقة التجميع والإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني، وهو فضاء جيوستراتيجي – طاقي يُفتح لأول مرة جغرافياً من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان، وهو ما كان من الممنوعات وغير المسموح بها لسنين طويلة خلت؛ الأمر الذي يفسر حجم الصراع على سورية ولبنان في هذه المرحلة وبروز دور لفرنسا التي تعتبر منطقة شرق المتوسط منطقة نفوذ تاريخية ومصالح (لا تموت!!)، وهو دور لا ينسجم مع طبيعة الغياب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية!! ما يعني أن فرنسا تريد أن يكون لها دور في عالم (الغاز) حيث اقتطعت لنفسها بوليصة تأمين صحي بخصوصه في ليبيا، وتريد بوليصة تأمين على الحياة به في كل من سورية ولبنان.
في هذا الوقت تشعر تركيا أنها ستضيع في بحر صراع الغاز طالما أن مشروع نابوكو متأخر ومشروعا السيل الشمالي والجنوبي يستبعدانها وفيما غاز شرق المتوسط قد بات بعيداً من نفوذ نابوكو وبالتالي تركيا .
 • تاريخ اللعبة:
من أجل مشروع السيل الشمالي والسيل الجنوبي أسست موسكو شركة غاز بروم في أوائل النصف الأول من تسعينيات من القرن العشرين. واللافت أن ألمانيا التي تريد أن تخلع عنها أسوار ما بعد الحرب العالمية الثانية قد هيأت نفسها لتكون طرفاً وشريكاً لهذا المشروع؛ إن من حيث التأسيس أو من حيث مآل الأنبوب الشمالي أو من حيث مخازن السيل الجنوبي التي تقع في المحيط الجرماني وتحديداً النمسا.

غازبروم:
تأسست شركة غازبروم بالتعاون مع صديق ألماني لموسكو يدعى (هانز جوشيم غوينغ) الذي شغل منصب نائب رئيس سابق لشركة صناعة الغاز والنفط الألماني وهو الذي أشرف على بناء شبكة خطوط الأنابيب التابعة لشركة (GDR). وقد ترأس غاز بروم (حتى شهر تشرين الأول/أوكتوبر عام 2011) فلاديمير كوتينيف (وهو سفير روسي سابق في ألمانيا).
وقد وقعت الشركة صفقات نوعية ومريحة جداً مع شركات ألمانية وعلى رأسها الشركات المتعاونة مع السيل الشمالي كشركة (E.ON) العملاقة للطاقة وشركة (BASF) العملاقة للكيميائيات، حيث تأخذ شركة (E.ON) تفضيلات لشراء كمية من الغاز على حساب شركة غازبروم، عندما ترتفع أسعار الغاز مما يعتبر بمثابة دعم (سياسي) لشركات الطاقة الألمانية.
وقد استفادت موسكو من تحرر أسواق الغاز الأوروبية من الاحتكار لإرغام تلك الأسواق على فك الارتباط بين شبكات التوزيع ومنشآت الإنتاج.
هذا الاشتباك بين روسيا وبرلين يطوي صفحة من العداء التاريخي ليرسم صفحة أخرى من التعاون على أساس الاقتصاد والتنصّل من ثقل تنوء به ألمانيا وهو ثقل أوروبة المتخمة بالديون والتابعة للولايات المتحدة، فيما ترى ألمانيا أن المجموعة الجرمانية (ألمانيا والنمسا والتشيك وسويسرا) هي الأولى بأن تشكل نواة أوروبة، لا أن تتحمل النتائج المترتبة على قارة عجوز وعملاق آخر يتهاوي.
وتشمل مشاريع غازبروم المشتركة مع ألمانيا مشروع وينغاز المشترك مع وينترشال أحد فروع (BASF)، وهي أكبر منتج للنفط والغاز في ألمانيا وتسيطر على 18% من سوق الغاز، حيث نالت ألمانيا حصصاً غير مسبوقة في الأصول الروسية؛ إذ تسيطر شركتا (BASF) و(E.ON) على ربع حقول غاز يوزنو – روسكويا التي ستقدم معظم الإمدادات لمشروع السيل الشمالي في وقت ليس من قبيل الصدفة أو مجرد المحاكاة أن تكون نظيرة غازبروم الروسية في ألمانيا تدعى غازبروم الجيرمانية والتي توسع مجالها لتمتلك 40% من شركة (Centrics) النمساوية المخصصة لخزن الغاز والتي لها في قبرص امتداد نوعي، حيث لا يبدو أن تركيا ستكون راضية عنه. وهي تفتقد متحرقةً لدور متأخر في شركة غاز نابوكو حيث يفترض أن تبدأ بتخزين وتسويق وتمرير (31) مليار متر مكعب من الغاز وصولاً إلى (40) مليار متر مكعب – لاحقاً – في مشروع يرهن أنقرة أكثر فأكثر لقرارات واشنطن والناتو دون أن يكون لها الحق في أن تصر على الدخول إلى الاتحاد الأوروبي الذي لفظها مرات عدة!.
وواقع الحال أن الصلات الاستراتيجية عبر الغاز تجعل الصلات أكثر إستراتيجية في قطاعات السياسة حيث يمتد تأثير موسكو على الحزب الاجتماعي الديموقراطي الألماني في ويستفاليا شمالي نهر الراين حيث توجد القاعدة الصناعية الرئيسة لفرعي شركتي (RWE) للكهرباء المرتبطة مع روسيا بوثاقة (E.ON).
وهذا التأثير يعترف به الجميع في ألمانيا؛ إذ أن رئيس قسم سياسات الطاقة في حزب الخضر هانس جوزيف قد أكد أن أربعة شركات ألمانية على صلة بروسيا تلعب دوراً في صياغة سياسة الطاقة ألألمانية عبر شبكة معقدة جداً تقوم بالضغط على الوزراء وتحتكر الرأي العام وذلك عبر هيئة العلاقات الاقتصادية الشرق أوروبية التي تمثل الشركات الألمانية والتي على اتصال وثيق بأعمال تجارية في روسيا ودول كتلة الاتحاد السوفياتي السابق.
هنا، فإن ما يجعل ثمة صمت (لا بد منه) تتبعه ألمانيا إزاء ما يجري من نفوذ روسي متسارع، أساس هذا الصمت الاعتراف بأن ثمة ضرورةً لتحسين ما يسمى (أمن الطاقة) في أوروبة.
اللافت أن ألمانيا باتت تعتبر أن سياسة (التمرير) المُقترحة من الاتحاد الأوروبي لتغطية أزمة اليورو ستعيق الاستثمارات (الألمانية-الروسية) بشكل طويل الأمد، وهذا السبب ما يقف -مع غيره من الذرائع- وراء التمهل الألماني في إنقاذ اليورو المثقل بديون الأوروبيين ... بخلاف ألمانيا وكتلتها الجرمانية التي تستطيع تحملها وحدها دون غيرها.
وفي كل مرة يعاند فيها الأوروبيون ألمانيا وسياستها مع روسيا (الطاقية) تؤكد برلين على أن خطط أوروبة (يوتوبية) غير قابلة للتنفيذ وقد تدفع روسيا لبيع غازها في آسيا وهذا سيطيح بالأمن الطاقي في أوروبة.
وواقع الحال أن هذا الاشتباك الروسي – الألماني لم يكن من النوع الساذج عندما استثمر (بوتين) تراث الحرب الباردة من وجود روسي للناطقين بالروسية في ألمانيا والبالغ عددهم ثلاثة ملايين، وهم يشكلون ثاني أكبر جماعة بعد الأتراك، إضافة إلى شبكة من المسؤولين الألمان الشرقيين الذين تم توظيفهم لرعاية الشركات الروسية في ألمانيا ومصالحها، فضلاً عن عدد من عملاء جهاز أمن الدولة الألماني الشرقي السابق ومنهم على سبيل المثال مدير جرمانيا غازبروم لشؤون الموظفين وشؤون التمويل، ومدير اتحاد (السيل) المالي هاينس وورينغ، وهو ضابط سابق في جهاز أمن الدولة الألماني الشرقي والذي نقلت صحيفة وول ستريت جورنال أنه قدم لبوتين حين كان في جهاز أمن الروسي (KGB) المساعدة لتوظيف جواسيس في مدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية.
ولكن وللإنصاف، فإن واقع الحال يقول: إن استثمار روسيا (للعلاقات) السابقة لم يكن فجاً بل كان
مصلحة ألمانيا ككل، الأمر الذي لم يجعل الصدام ممكناً باعتبار أن المصلحة بين الطرفين متحققة، دون هيمنة.
* السيل الشمالي: يشكل مشروع السيل الشمالي عنصر الربط الرئيس بين روسيا وألمانيا. وتبلغ تكلفة خط الأنابيب 4.7 مليار يورو وقد تم تدشينه مؤخراً. وعلى الرغم من أنه يصل روسيا بألمانيا إلا أن إدراك الأوروبيين أن هذا المشروع سيكون جزءاً من الأمن الطاقي، قد جعل هولندا وفرنسا تسارعان لإعلانه مشروعاً أوروبياً، حتى أن (ليندر) في لجنة العلاقات الاقتصادية لأوروبة الشرقية سرعان ما أعلن دون أي خجل أو تردد: "إن هذا مشروع أوروبي وليس ألمانياً، ولن نسمح لألمانيا أن تعتمد اعتماداً كبيراً على أوروبة". وهو تصريح يدلل على الخشية من النفوذ الروسي المتناهي في ألمانيا، إلا أنه ليس أكثر من هذا؛ إذ أن مشروع السيل الشمالي يعكس هيكلياً خطة موسكو وليس خطة الاتحاد الأوروبي.
سيتمكن الروس من إيقاف إيصال الطاقة إلى بولندة ودول أخرى حسبما يشاؤون وسيتمكنون من بيع الغاز لمن يدفع أكثر. لكن أهمية ألمانيا بالنسبة لروسيا تكمن عملياً في أنها تشكل نقطة لانطلاق إستراتيجيتها عبر القارة حيث تمتلك جرمانيا غازبروم أسهماً في ما لا يقل عن خمسة وعشرين مشروعاً مشتركاً في بريطانيا وإيطاليا وتركيا وهنغاريا وغيرها. وهو ما يهيئ فعلياً للقول إن غازبروم ستصبح (بعد قليل) من أكبر شركات العالم إن لم تصبح أكبرها إطلاقاً.
لم يكتفِ قادة غازبروم ببناء مشروعهم هذا، إلا أنهم تداخلوا مع مشروع غاز نابوكو الذي سيتأخر – كما قلنا – حتى عام 2017 معتبرين أنه مشروع يشكل تحدياً كبيراً إذ قامت الشركة غازبروم التي تمتلك 30% من منشآت (باومغارتين) بشراء نسبة 20% من مشروع لبناء خط أنابيب رئيس ثانٍ يصل إلى أوروبة على خط نابوكو (نفسه). وهو مشروع تعلن فيه غازبروم عن تشابك سياسي، أو لنقل بصراحة مزاودة سياسية بهدف إظهار عضلاتها من خلال إيقاف العمل بخط نابوكو أو تعطيله.
والحقيقة ان موسكو لم تكتف بذلك، فقد سارعت لشراء غاز آسيا الوسطى وبحر قزوين عبر مناقصة لإبعاده عن العمل بخط أنابيب نابوكو مستخدمة كل أنواع السخرية السياسية – الاقتصادية

.
* رسم خارطة أوروبة ... ومن ثم العالم:
في سياق كل ما سبق، تشغّل غازبروم منشآت للغاز في النمسا وذلك في المحيط الاستراتيجي الجيرماني، كما أنها تؤجر منشآت في بريطانيا وفرنسا. إلا أن منشآت التخزين المتزايدة في النمسا ستكون محوراً لرسم الخارطة الطاقية لأوروبة في جزء هام إذا أنها ستزود الأسواق السلوفانية والسلوفاكية والكرواتية والهنغارية والإيطالية وبعضاً من الألمانية بالتضافر مع مخزن أُعِدَّ حديثاً يدعى (كاترينا) تقوم شركة غازبروم ببنائه بالشراكة مع ألمانيا لتوريد الغاز إلى مراكز أوروبة الغربية. .
وقد أقامت شركة غازبروم مشروع منشأة تخزين مشترك مع صربيا لتصدير الغاز إلى البوسنة والهرسك وجزءٍ من النمسا فضلاً عن صربيا نفسها، وقد أجريت دراسات لجدوى اقتصادية لعدد من مشاريع التخزين المماثلة في جمهورية التشيك ورومانيا وبلجيكا وبريطانيا وسلوفاكيا وتركيا واليونان وحتى فرنسا. وبهذا ستحصن موسكو موقعها كمزود لـ 41% من احتياجات أوروبة للغاز، ما يعني تغييراً جوهرانياً في علاقات الشرق بالغرب على المديين القريب والمتوسط أولاً ثم البعيد ثانياً، وهو ما يعني تراجعاً للنفوذ الأمريكي أو صداماً يُهيَّئ له في أحد جوانبه بالتضافر مع اعتبارات الدرع الصاروخي لتأسيس نظام عالمي جديد سيكون (الغاز) في صلب عوامل تشكيله. وهذا ما يفسر حجم الصراع في منطقة شرق المتوسط على الغاز الجديد في شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط.
* نابوكو في مأزق:
في دراسة قيمة لراشد أبانمي أكتشف بالعمق أن ماحدث في منتصف الشهر السابع من عام 2009، حيث أُبرمت اتفاقية في العاصمة التركية أنقرة تمهد الطريق أمام إقامة مشروع خط أنابيب غاز ضخم لنقل الغاز من آسيا عبر الأراضي التركية في اتجاه دول الاتحاد الأوروبي ويصب في مستودعات كبيرة للتخزين تقع في بلدة حدودية داخل النمسا تسمى Baumgarten an der March، ولوحظ أن المشاركين في التوقيع على هذه الاتفاقية إضافة إلى تركيا وأذربيجان،كان ثمة أربع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي: بلغاريا، رومانيا، المجر، النمسا، التي من المنتظر أن يمر بها الأنبوب، بحضور ألمانيا التي تشارك في تنفيذ المشروع، إلا أنها لم توقع على اتفاقية العبور كونها ليست بلد العبور،ولكن حضور المبعوث الخاص من قبل رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما لشؤون الطاقة في أوراسيا ريتشارد مورنينجستار،عكس فعلياً أن هنالك رغبة بإنشاء خط له دلالة إستراتيجية أكثر منه عملاً اقتصادياً طاقياً. فقد كان هنالك تبن واضحاً لحلف الأطلسي لهذا المشروع الذي دُعي«نابوكو» ما عكس انه مشروع أقرب إلى أن يكون عسكريا منه للطاقة فقط!. ولعل في اختيار مفردة نابوكو الدلالة الأثر خطورة في استدعائه صورتين رمزيتين الأولى انه انجلوساكسوني فالتسمية «نابوكو»، شكلت تيمناً بمقطوعة أوبرا للموسيقا الكلاسيكية وتدور حول التحرر من العبودية في كناية عن التحرر من عبودية أوروبا لروسيا؛ وهي من تأليف المؤلف الرومانسي الإيطالي جيوسيبي فيردي في القرن التاسع عشر، والثانية أن الأوبرا «نابوكو» ترمز إلى قصة وردت في التوراة وتناولت المآسي التي مر بها اليهود عبر التاريخ, خصوصاً ما مر به اليهود من اضطهاد ونفي على يد الملك نبوخذ نصر. وكان في هذا إشارة ما إلى ضرورة أن يتحرر الغرب من أسر الشرق، فضلاً عن القول أن الخلاص لأوروبا يهودي الترميز!.
إنه محاولة للاستيلاء على الطاقة ممثلة بالغاز لكل من القوقاز ووسط آسيا ودفعها غرباً دون أن يكون لروسيا أي دور فيها، على خلفية الخوف الشديد من أن ترتهن أوروبا إلى روسيا. من خلال خط أنابيب يعبر بحر قزوين إلى أذربيجان ثم إلى النمسا، دون المرور بروسيا، وعلى إستراتيجية حلف الناتو للاستمرار في تحرير جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة من الهيمنة الروسية.
جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتسارع الخطى نحو مشروع نابوكو وبملاحظة أبانمي فقد اتخذت أول خطوة عملية في بداية عام 2002 حينما وقع بروتوكول للاشتراك في المشروع بين تجمع قوة اقتصادية (كونسورتيوم) من شركة OMV Gas النمساوية و(MOL) المجرية و(ترانس غاز)الرومانية

لألمانية وشركة بوتكس التركية وشركة بلغاريا القابضة للطاقة البلغارية وشركة ترانزغاز الرومانية.
ويعتمد المشروع على تصدير الغاز الطبيعي من المزود تركمانستان، التي تملك رابع أكبر احتياطي غاز في العالم من خلال تمرير خط أنابيب عبر حوض قزوين يحمل غاز تركمانستان إلى أذربيجان دون المرور على الأراضي الروسية، ومنها إلى أرضروم في تركيا ثم سيمر ثلثا خط الأنابيب عبر أراضي تركيا ومن ثم يعبر بلغاريا ورومانيا ثم المجر إلى منتهاه في محطة تجميع ضخمة في مدينة Baumgarten an der March، في النمسا.
صُممت نابوكو لنقل الغاز من تركيا إلى النمسا عبر 3900 كم ولتمرير 31 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من منطقة (الشرق الأوسط) و قزوين إلى الأسواق في أوروبة. وهو ما يعادل 5 إلى 10 في المائة من استهلاك الغاز الإجمالي في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020، كون الاتحاد الأوروبي إحدى أكبر الأسواق استهلاكاً للغاز في العالم، ويبلغ استهلاك الاتحاد الأوروبي السنوي الحالي 600 مليار متر مكعب، ومتوقع أن يرتفع استهلاكه بنحو 200 مليار متر مكعب إضافي بحلول عام2030.
ويرى ابانمي أنه لمجابهة مشروع نابوكو اتبعت موسكو عدداً من الوسائل لمواجهته منها ما هو قانوني واقتصادي وسياسي
أولا إثارة قضية نزاع الملكية القانونية حول بحر قزوين وخاصة بخصوص حول مسار الأنبوب، وإمداداته وركّز على موقع تركمانستان الجغرافي المُغلق إلا من خلال المنفذ الوحيد روسيا وإطلالتها على بحر قزوين المغلق ووجود أكبر حقول الغاز التركمانستاني بالقرب من ساحل بحر قزوين،وقامت باللجوء إلى القانون الدولي وأثارت خلافا قانونيا حقيقيا يستعصي على الحل بين الدول المطلة على بحر قزوين.ويتلخص هذا الخلاف من منظور روسي بالسؤال عما هي ماهية الصفة القانونية للمسطح المائي لبحر قزوين في ظل القانون الدولي.
ولإيضاح ذلك المبدأ، يفيد أبانمي أن القانون الدولي بشكل عام يفرق بين الصفة القانونية للمسطح المائي فيما لو كان بحرا فإن القانون الدولي يحدد حقوق معينه للدول المطلة عليه، وتختلف هذه الحقوق إذا كانت صفة المسطح المائي حوضا أي «بحيرة»، فإنه يترتب عليه حقوق تختلف للدول المطلة عليه: فالبحر تحت القانون الدولي يتم تقاسم مياهه وثرواته حسب طول شواطئ الدول المحيطة به، وجرفها القاري... إلخ، فيما إذا كان المسطح المائي حوضا أو بحيرة فإن الوضع القانوني للملكية يختلف حيث يتم تقاسم مياهه وثرواته بالتساوي بين الدول المحيطة به.
وتأسيساً على ذلك المبدأ، أثارت روسيا موضوع الصفة القانونية لبحر قزوين وتبنت تعريف حوض قزوين على أنه بحيرة متجددة بمياه أنهار الفولجا وبناء على ذلك فالقانون الدولي يعطيها الحق بتقاسم مياهه وثرواته بالتساوي بين الدول المحيطة به كما ينص القانون الدولي على ذلك، هذا المحور من الإستراتيجية الروسية جعل من المستحيل، ليس فقط إنشاء خط أنابيب الغاز عبر حوض قزوين، بل حتى تطوير تركمانستان أو أذربيجان لأية حقول غاز على سواحل حوض قزوين في ظل هذا التعريف، إلى أن يتم الاعتراف به كبحر، وبالتالي فلا حق لأي دولة أخرى مطلة على البحر في حقول النفط والغاز على شواطئ الدول الأخرى المطلة على المسطح المائي.
لمحور الثاني: بناء قوة شراء وبيع احتكارية في قطاع الغاز محلياً والتنسيق دوليا تزامناً مع تنفيذ المحور الأول من استراتيجيتها، وعليه فقد سعت روسيا إلى تنفيذ المحور الثاني بشقيه الإقليمي والدولي وذلك في خطوات استباقية لمشروع نابوكو، وكان الشق الأول من المحور الثاني هو بناء قوة روسيا الاحتكارية في شراء كامل الغاز المنتج في أواسط آسيا وبالتالي احتكار بيعه عن طريقها وعبر أنابيبها العابرة للقارات، فإضافة إلى كونها تمتلك أكبر احتياطي للغاز في العالم حيث تمتلك 47 في المائة وتعتبر المنتج الأكبر لهذه السلعة الاستراتيجية (29 في المائة)، فقد دخلت روسيا في عقود شراء غاز طويلة المدى من كل حكومات الدول المفترض منها ضخ الغاز في خط أنابيب نابوكو، كتركمانستان التي تنتج حالياً نحو 80 مليار متر مكعب سنوياً، وقامت روسيا بشراء أكثر من 50 مليار متر مكعب في عقود طويلة الأجل.
كما دخلت بعقود شراء طويلة الأجل مع أوزبكستان التي لديها احتياطي قدره 1.8 مليار متر مكعب من الغاز، حيث قامت روسيا بشراء كامل إنتاجها من الغاز في عقد طويل الأجل ينتهي عام 2018، وفي ضوء ذلك انسحبت تلك الدول من أي تعهد لإمداد «نابوكو»، وأعلنت تركمانستان من جانبها أخيرا أنه حتى ولو بعد تطوير حقولها الغازية ووجود فائض في الغاز المنتج عن تلبية تعهداتها لروسيا والصين فلن تبيع الغاز لخط أنابيب نابوكو, كما أن أذربيجان التي يعول عليها كثيراً بعد انسحاب تركمانستان من إمداد النسبة الأكبر من الغاز المنقول إلى أوروبا، دخلت هي الأخرى في تعهدات مع روسيا بعقود بيع طويلة المدى، حيث وقعت روسيا معها في حزيران (يونيو) من هذه السنة، اتفاقاً لشراء حصة كبيرة من غازها، ولكنها أعلنت في الوقت نفسه أنها ستبيع الغاز لـ «نابوكو» إذا وجد فائضا لديها.
أما الشق الثاني من هذا المحور الاستراتيجي فهو قيام روسيا بتوطيد علاقاتها مع الدول المالكة لثاني وثالث أكبر احتياطي في العالم، وتمخض عن تلك الجهود الروسية المدروسة بإنشاء منظمة للدول المصدرة للغاز بينها وإيران التي تملك ثاني أكبر احتياطي وقطر التي تملك أكبر حقل غاز في العالم، وتضم أراضيها كميات من الغاز تضعها في المركز الثالث من حيث الاحتياطيات العالمية بعد روسيا وإيران، إن خطوة إنشاء هذه المنظمة التي تضم أول وثاني وثالث أكبر احتياطي في العالم هي خطوة زادت من تقوية موقع روسيا على ساحة الطاقة الدولية ووسيلة جديدة في بسط نفوذها الدولي في مجال الغاز، . نظرا لامتلاك الروس الاحتياطي الأكبر لهذه السلعة الاستراتيجية في العالم (47 في المائة) وكذلك المنتج الأكبر لها، ولقد وافقت روسيا على أن تكون دوحة قطر مركزاً لهذه المنظمة في خطوة روسية تطمينية لأوروبا والولايات المتحدة.
المحور الثالث: تسريع العمل على إقامة السيلين الشمالي والجنوبي
ولعل اللهاث الأمريكي-الفرنسي (الناتوي) وراء حسم الأمور في منطقة شرق المتوسط وتحديداً (سورية ولبنان)يكمن في ضرورة تأمين أوضاع هادئة وموالية لاستثمار ونقل الغاز، وهو ما ردت عليه سورية بتوقيع عقد لتمرير الغاز من إيران إلى سورية عبر العراق، وهو الغاز اللبناني والسوري محور الصراع من أجل إما إلحاق هذا الاحتياطي بغاز نابوكو أو بغازبروم وبالتالي السيل الجنوبي.
التكاليف الأولية لهذا المشروع المنافس لغازبروم، والتي قدّرت قبل خمس سنوات بـ 11.2 مليار دولار، وستحقق أسعار غاز أقل من المشروع الروسي، سترتفع بسبب التأخير حتى عام 2017 إلى 21.4 مليار دولار مما يطرح تساؤلات حول مدى نجاح هذا المشروع الاقتصادي، خصوصاً مع استنفاد شركة غازبروم عقد الصفقات في أكثر من مكان لتطويق نابوكو التي ستقتات على القدرة الفائضة للغاز من تركمانستان، خصوصاً وأن اللهاث الرئيس الضائع الأثر وراء غاز (إيران) يُبعد حلم نابوكو عن أن يكون ذا قيمة واقعية.
وهذا أحد أسرار الصراع على إيران التي زادت في التحدي عبر اختيار العراق وسورية مساراً لغازها أو لجزء أساسي منه على الأقل.
وهكذا، لا يعود لنابوكو من خيار إلا إمدادات حقل شاه دنيز الأذربيجاني لن تكون إلا المصدر شبه اليتيم لمشروع يبدو أنه متعثرمنذ البداية من خلال تسارع صفقات ونجاحات موسكو في شراء مصادر نابوكو من ناحية، والصعوبة في إحراز تغيرات جيوسياسية في كل من إيران وشرق المتوسط: (سورية ولبنان)، في وقت تسارع فيه تركيا لحجز حصتها في مشروع نابوكو سواء لجهة توقيعها عقداً مع أذربيجان لشراء ستة مليارات متر مكعب من الغاز عام 2017 أو لجهة السعي لوضع اليد على سورية ولبنان إما لعرقلة مرور النفط الإيراني أو لنيل حصة في الثروة الغازية اللبنانية أو السورية، أو لكليهما معاً. فيما يبدو السباق ضارياً على حجز مقعد في النظام الدولي الجديد ... عبر الغاز، وأشياء أخرى تمتد من الخدمات العسكرية الصغيرة إلى القبب الاستراتيجية للدرع الصاروخي.
وكأن الهدف الأخير من مشروع نابوكو هو إغراء دول منطقة آسيا الوسطى والقوقاز بالتمرد على إن إنعاش الاتفاقية والتوقيع عليها في حد ذاته وسيلة لاستقطاب عدد أكبر من بلدان منطقة آسيا الوسطى والقوقاز وإغرائها بربطها عبر هذا الخط بمصالح اقتصادية مشتركة مع الغرب، وهذا واضح في تصريح رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان خلال احتفال توقيع الاتفاقية حينما قال: «كلما اتخذنا خطوات أكثر (باتجاه تنفيذ المشروع)، ازداد اهتمام الدول المزودة (للاتحاد الأوروبي) بالغاز». والأخيرة أي تركيا، ترى أن هذا الأنبوب الذي سيكون أكثر من ثلثي طوله في تركيا، سيعزز من دورها الأوروبي وقبولها لدى الاتحاد كما هي رغبة الولايات المتحدة كذلك، وأن تركيا في حالة نجاح المشروع ستجني مبلغاً كبيراً من خلال مرور ذلك الأنبوب «نابوكو»، أي نحو 630 مليون دولار كرسوم عبور سنوية كما أنه سيمكنها،من شراء حاجاتها من ذلك الغاز بسعر مخفَّض،كما أن مشروع نابوكو يصب في جهد تركيا الحثيث لاجتيازها العقبات الـ 35 بفصولها المتعددة التي وضعت أمام تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو وهم إضافي أمام السلطنة النائمة في قعر التاريخ. وهذا ما يؤكده وهم تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم التوقيع على الاتفاقية حينما قال: «حتى إن قمتم بتقييم من ناحية الطاقة فحسب، يتضح أنه ينبغي أن تكون تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي». لكنه أمل إبليس في الجنة وسط ممانعات كل من فرنسا حتى لا تصبح حدود أوروبا مع آسيا هي سورية حسب تعبيره عام 2007 وقوله: في مقابلة له مع صحيفة ألمانية Bild am Sonntag: ومتوجهاً لألمانيا والنمسا بعد التوقيع على نابوكو: دعونا نكفّ عن قطع الوعود الفارغة إلى تركيا، و رفض المانيا والنمسا لاعتبارات تتصل بتركيا ذات العمق الإسلامي والخشية من وزنها المتنامي في الجاليات التركية المهاجرة في أوروبا.
ولعل أكثر ما يشكل خطراً على نابوكو هو أن تقوم روسيا بقتل ودفن الأخير من خلال التفاوض على عقود أكثر أفضلية وتنافسية لإمدادات الغاز لتصب في غازبروم بسيليها الشمالي والجنوبي، وقطع الطرق عن أي نفوذ (طاقي) وسياسي لأمريكا أو أوروبا في كل من إيران وشرق المتوسط، فضلاً عن أن تكون غازبروم من أهم مستثمري أو مشغّلي حقول الغاز حديثة العهد في كل من سورية ولبنان، إذ لم يكن اختيار التوقيت في 16/8/2011 عابراً كي تعلن وزارة النفط السورية عن اكتشاف بئر غاز في منطقة قارة وسط سورية وقرب حمص بما يحقق إنتاجية بقدرة 400 ألف متر مكعب يومياً أي ما يعادل 146 مليون متر مكعب سنوياً، دون أي حديث عن غاز البحر الأبيض المتوسط.....

إلى الخلف، فيما تراجعت آثار الكُره الكامنة بين دول أوروبة الوسطى وروسيا، إلا أن بولندة لا يبدو أنها ستخرج من اللعبة سريعاً.
ولا يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للتراجع، إذ أنها أعلنت في أواخر تشرين الأول/أوكتوبر 2011 عن التحول المتمثل في سياسات الطاقة بسبب اكتشاف مناجم الغاز الحجري في أوروبة لتقليل الاعتماد على روسيا ... والشرق الأوسط. ولكن يبدو أن هذا أملاً بعيد المنال أو المدى، إذ ثمة العديد من الإجراءات قبل الوصول إلى الإنتاج التجاري من مصادر غير تقليدية كمناجم الغاز الحجري الموجود في الصخور على عمق آلاف الأقدام تحت الأرض ويمكن الحصول عليه بكسر الصخور واستخدام مياه عالية الضغط بالتكسير الهيدروليكي بضخ عالي الضغط للسوائل والرمال في بئر لإطلاق الغاز. ولكن السؤال يطرح نفسه بالمخاوف البيئية من تأثير تقنيات التكسير على المخزون الجوفي ذاته.
* الصين على الخط:
يُشكل التعاون الروسي – الصيني في مجال الطاقة القوة الموجهة للشراكة الاستراتيجية الصينية – الروسية، و هو ما يراه الخبراء رائزاً يقف وراء الفيتو المشترك لصالح سورية في مجلس الأمن.
إن التعاون في مجال الطاقة هو (شحم) تسريع الشراكة بين العملاقين، والأمر يتعدى إمداد الغاز بأفضليات للصين إلى المشاركة في توزيعه عبر (بيع الأصول والمنشآت الجديدة) ومحاولات السيطرة المشتركة على الإدارات التنفيذية لشبكات توزيع الغاز، حيث تقدم موسكو حالياً عرضاً بالمرونة في أسعار إمدادات الغاز شريطة أن يسمح لها بالدخول إلى الأسواق الصينية المحلية لأن الأرباح تكمن في الداخل الصيني. ولهذا تم الاتفاق على أن الخبراء الروس والصينيون يستطيعون العمل......
سورية في الاتجاهات التالية: "تنسيق استراتيجيات الطاقة في البلدين، والتنبؤ، ورسم السيناريوهات المستقبلية، وتنمية البنية التحتية للسوق، وفعالية الطاقة، ومصادر الطاقة البديلة.
وهنالك فضلاً عن التعاون في الطاقة مصالح إستراتيجية أخرى تتمثل في التصور المشترك الروسي – الصيني في مخاطر المشروع الأمريكي المسمى بالدرع الصاروخي، ذلك أن واشنطن تشرك اليابان وكوريا الجنوبية في ذلك المشروع. ولا تكتفي بذلك، بل إنها وجهت دعوة إلى الهند في أوائل شهر أيلول/سبتمبر 2011 من أجل أن تصبح الهند شريكاً في البرنامج نفسه. كما تتقاطع مخاوف موسكو وبكين من تحرك واشنطن لإعادة إحياء إستراتيجية آسيا الوسطى المدعو (طريق الحرير) وهو نفس توجه مشروع آسيا الوسطى الكبير الذي طرحه جورج بوش الأب لدحر النفوذ الروسي والصيني في آسيا الوسطى بالتعاون مع تركيا لحسم الموقف في أفغانستان عام 2014 وترتيب النفوذ (الناتوي) هناك والإشارات المتزايدة لرغبة أوزبكستان للقيام بدور المضيف للناتو في هذا المشروع. وهنا يقدِّر بوتين بأن ما يمكن أن يحبط غزو الغرب بشكل أساسي للرواق الخلفي الروسي لأسيا الوسطى هو اتساع الفضاء الاقتصادي الروسي المشترك مع كازاخستان وبيلاروسيا بالتعاون مع بكين بالنسبة لكازاخستان، وهو مشروع الرئيس في رئاسته المتوقعة ربيع عام 2012
هذه الصورة لآليات الصراع الدولي تفسح في المجال أمام رؤية جانب من عملية تشكيل النظام العالمي الجديد على أرضية الصراع على النفوذ العسكري وعلى أرضية (القبض) على روح العصر: الطاقة وعلى رأسها الغاز....

مقال مقتبس من ..
الدكتور :عماد فوزي شعيبي
بحث استراتيجي : الصراع على الشرق الأوسط: الغاز أو النفط
الكاتبة وفاء الزاغة