دي لاسال – الفرير .. تشعل سبعين شمعة من جبل الحسين في سماء الوطن .. منارة تجدد شبابها وتتميز من جديد
اخبار البلد - أسامة الراميني
قبل أيام كانت الأحلام تتجسد بفكرة وبنيان ومشروع وهدف ، حيث الذكرى السبعين لتأسيس كلية دي لاسال - الفرير ، في جبل الحسين والذي كان من أعرق جبال عمان وخرزاتها ... سبعون نجمة مضت وانقضت ولا تزال كلية دي لاسال تحمل رسالةً ورؤيةً وهدف تربوي وأكاديمي يُشع نوراً وضياءً جيلا بعد جيل.
دي لاسال كلية الأجيال .. عراقة وتاريخ ومسافة بين أزمان لا تعد بالأميال ولا تقاس بالأجيال والآجال فالفكرة لا تموت أبداً خصوصاً إذا كانت النظرية منسجمة مع الممارسة في إطار الهوية وفي عظمة وقدسية الوطنية الصادقة التي تشربها كل من تخرج منها .
دي لاسال ذلك الهرم التربوي الممتد على ساحة جبل الحسين والمطل على سلطة التشريع في مجلس الشعب ، هرم شاهق لم يبنَ من حجارة بل بني من فكرة مخلوطة ممزوجة بقيمة إنسانية أساسها الصلاح والنجاح والإنجاز والإعجاز في مسيرة تدوم بهدف أو أهداف لم تكن مجرد أمنية أو رغبة بل كانت رسالة والرسالة تدوم ولا تفنى .
في دي لاسال الذهاب إلى الكلية يختلف عن التعليم خصوصاً وأن القيمة المقدمة لا تخضع "للبزنس" أو الربح والخسارة فالقائمون الأوائل آمنوا بفكرة أن النجاح لا يحتاج إلى الكثير من العلم بقدر حاجته إلى الحكمة وهي كبيرة وممتمدة .
دي لاسال فريق منسجم ملتئم متصالح يعمل بروح الجماعة ويؤمن بأن لا أحد يمكن أن يحقق النجاح من خلال العمل منفرداً ، فهذه هي الموهبة وسر الخلطة التي أبقت دي لاسال بنفس الألق لأكثر من سبعين عاماً ... روح الفريق واضحة ومترسخة لأنها تبدأ من بناء الثقة والذات بنحن وليس أنا ، فالجميع من مدرسين وإداريين يتذكرون بأن "الآخر دوماً إلى جنبه ويسيروا معا" ، ولذلك فإن شعار المدير القائد ونكرر ونقول المدير القائد جابي غزاوي المدير العام الذي يطبق مبدأ على شكل نظرية وممارسة مفادها أن الموهبة تجعلك تفوز بالألعاب لكن العمل الجماعي يجعلك تحصد البطولات .
نعم ، كل فريق يحتاج إلى بطل لكن كل بطل يحتاج إلى فريق وهذا هو الفريق الذي زرع سبعين عاماً من النجاح والتألق فلم "تشيخ" الكلية لا بل على العكس استعادت شبابها متسلحة بالخبرة والسنين لتعود دي لاسال كما يقول الأهالي أو كما وصفها أحدهم حقل مغناطيس تردداته عالية وجاذبيته قوية للطالب والتلميذ ومن بعدهما أولياء الأمور الذي يثقون بأن في الكلية إدارة يمكن وصفها بأنها نعم القادة والقدوة ونعم القامة والقيمة ، هكذا هي الإدارة في عيون الطلبة و أوليائهم والذين يقولون دوما أن النجاح الذي تتمتع به اليوم هو نتيجة الثمن الذي دفعته الكلية في الماضي وما أرقاه من ماضي وما أفضله من تاريخ .. القائد والمدير غزاوي ربط الماضي التاريخ بالحاضر بالمستقبل بوصفة "مكس" مزجت التربية بالتعليم بالتكنولوجيا مع الإدارة والسلوك والنهج والنظرة إلى الأمام .
كلية دي لاسال أكثر من مجرد كلية فهي مؤسسة لا بل منبر وأسرة ومعلم أكاديمي ساهم في تشجيع الطلبة وتقدير جهودهم وتحفيز قدراتهم وتمكين إبداعهم وتعزيز إبتكاراتهم ويكفي ترسيخ أساسيات الإبتكار والإبداع ورسم صورة للتفكير الناقد بالطرق المبتكرة ـ فتحولت الغرف الصفية لمكان لاستلهام الأفكار وإثارة التفكير النقدي والإبداعي ... أحد أولياء الأمور قال لي ذات يوم أنه اختار دي لاسال عن غيرها لأنها تصنع تعليم وأسرة سلوك وعائلة لزرع القيم والمبادئ والأخلاق تعزز لدى أبنائه التفكير المنطقي بالطاولة المستديرة والتعليم التعاوني فتخلق جواً تفاعلياً حقيقياً ينعكس على شخصية الطالب .. وهذا بالطبع رأي الكثير من أولياء الأمور عندما يكتشفون أن أبناءهم ليسوا مجرد طلبة فقط بل إن المسألة لها علاقة ببناء إنسان وتقويم شخصية .
على الكليات الأخرى أن تتعلم من دي لاسال التاريخ أو المريخ كما أحب أن أصفها كيف توظف التكنولوجيا لخدمة التعلم والتعليم فما حدث في كورونا جسًد حقيقة أن هنالك ثورة إصلاحية كانت الإدارة والمعلمين والمعلمات على قدر أهل العزم ، فالمعلمون قيمة ومعنى يجسدون الفكر المبدع الراقي المتناغم مع قيم التفاني والخلاص مع وجود إدارة تعمل على تطوير المعلم وتنمية قدراتهم ودعمهم وتدريبهم وتحفيز مهاراتهم وأساليبهم التدريسية لتواكب كل مستجد ومتغير ، لتجعلهم أكثر كفاءةً وفاعلية وها هي الورش المهنية والعلمية والتربوية والأكاديمية التي أقامتها ولا تزال وكأنها خلية نحل لا تتوقف عن العمل والعسل ، فمواكبة التغييرات والنهل من تكنولوجيا التعليم جعلت من المعلم في دي لاسال ليس مجرد خطيب أو معلم تقليدي فقد حولته إلى قائد يملك موهبة ومسيرة ومن يشاهد المعلمات وهنً يتحاورن عن بعد مع الطلبة أثناء جائحة كورونا ويكتشف أن من يقف خلف الشاشة مؤهل وخبير ذو كفاءة ومهارة بإتقان لكل مصادر التعليم الإلكتروني الذي بات ضرورة وحاجة من مجرد ترف .
قديما قالوا الجوال ممنوع في الكلية والآن أصبحت الكلية في الجوال ، ياله من عالم متقدم يختصر المسافات ولكن الأهم أن تكون الكلية على أعتاب التغيير لأن الحياة هي اختبار ودرس ، ليس هذا فحسب فالنجاح لا يقاس بالعلامات أو الدرجات بل يقاس بالصعاب التي نتغلب عليها ، دي لاسال وبعد سبعين عاماً من العمل والأمل والإنجاز المتواصل المتعاظم الذي يكبر يوماً بعد يوم من خلال فريق العمل الذي مكًن وخلق للطلبة والأساتذة بيئة أسهمت في ترسيخ الإنتاج وتوثيق المهام لأن الرؤيا واضحة والبصيرة أوضح والمهارات منتقاة بعناية والأداء يمتاز بالإحترافية مع تعامل راقٍ وتجديد مستمر بروحٍ إيجابية لكل أطراف المعادلة التعليمية ، وعندما نقول التعليمية فعليك أن تفرد مساحات واسعة وهامة تظهرها النتائج والمخرجات والتي هي بالطبع محصلة المقدمات فالنتائج التي تحققت في البرامج الوطنية والأجنبية والدولية بمختلف مسمياتها ونوعيتها تشعرك بأن بوصلة العلم تسير مع العالم ومع كل ما هو جديد في ومتطور ومتقدم في المجال الأكاديمي بشقيه البريطاني والأمريكي وما بينهما ، فالبرامج الدولية ليست مجرد أمنية أو رغبة بل هي حاجة وضرورة وهدف ورسالة وتلك البرامج ليست موضة أو برستيج أو فرد عضلات كما تفعل الكثير من الكليات التي تتعامل مع التعليم على طريقة الصيفي والشتوي أو "الجمهور عاوز كده" فالبرامج الدولية تحقق قفزة ونقلة نوعية مدروسة ومخطط لها ومنظمة ضمن إمكانيات وقدرات ومؤهلات وخبرات كانت الكلية تعدها وتطبخها على نار هادئة فأصبحت الكلية قبلة وبوابة للباحثين أو الساعين إلى التميز والإبداع وهاهي المخرجات تكتب بشرف وعزة وكبرياء وفخر ما وصلت إليه النتائج في تلك البرامج ، حيث الإعتمادات الدولية التي تحصل عليها تلك البرامج ولا تزال تقدم الكلية ببرامجها نماذج على شكل قدوة أو أشكال حقيقية وغير مصنعة أو مزيفة كما تفعل كليات أخرى تقدم برامج بدون أهداف أو حتى خطة ورؤية .
دي لاسال وكما قلنا أكثر من مجرد كلية وليست مبنى تاريخي تأسس قبل سبعين عاماً ، وليس مجرد ساحة أو مساحة فهي كلية بناها وأسسها ووضع لبنتها الأولى رجال مؤمنون بأهداف وموقنون برسالة ومتشبعون بإنسانية عنوانها المساواة والمعرفة والخلق والتسامح والأخوة والجيل المثقف الذي بنى الأردن القديم والحديث ، فهذه المدرسة خرجت إلى الدوار الرابع إثنين من رؤساء الوزراء أحدهم فيصل الفايز الذي يتربع على عرش السلطة التشريعية والآخر على رأس السلطة التنفيذية وهو الدكتور بشر الخصاونة وما بين الرابع والعبدلي تبقى دي لاسال شاهداً وشهيداً بسبعين نجمة يعلوها نجمة العلم ونبراس القلم حيث كانت ورمزية هذا الهرم الذي يسمى دي لاسال ... فطوبى لمن مرً من بواباتها وطوبى لمن تخرج من غرف صفها وطوبى لمن حوًل الفكرة إلى فقرة في أول السطر عنوانها دي لاسال أول الكلمة وآخرها