لماذا يصعّد الإسلاميون خطابهم؟



شهدت الأيام الأخيرة تصعيدا غير مسبوق في خطاب الحركة الإسلامية المتعلق بمطالب الإصلاح السياسي والموجه للنظام الأردني "من أعلاه إلى أدناه" –على حد قول بعض قياداتها، حتى وصل الأمر إلى ما يشبه لهجة التحذير أو "التهديد" –كما وصفته بعض وسائل الإعلام، وتمثل هذا الخطاب الشديد أكثر ما تمثل في الاعتصام الذي أقامته الحركة الإسلامية الجمعة الماضية في مسجد الجامعة الأردنية.

من مفردات هذا الخطاب غير المسبوقة ما وصفه المهندس عبد الرحمن حسنين ممثل الحراك الشبابي الإصلاحي ب"الشتاء الساخن" الذي ينتظر النظام، والذي صاغته بعض وسائل الإعلام على أنه "تحذير موجه للملك"، وبأن الشعب الأردني سئم مما وصفه المتحدثون ب" المكرمات" التي تؤخذ من مقدراته وتغدق عليه بشكل "هبات"، وأن "حماس الشباب شديد جدا ولن يتوقف حتى يحدث تغييرا جذريا في بنية النظام السياسي في العام 2012" أي خلال أشهر أو أسابيع.

كما كان القاسم المشترك لجميع المتحدثين الهجوم الحاد على "دائرة المخابرات العامة" بالاسم وهو الذي كان يتجنبه الإسلاميون بذكرهم "الأجهزة الأمنية" على استحياء فيما مضى، واتهامها الصريح بتزوير الانتخابات النيابية و"احتلال الشعب" من خلال "اغتصاب إرادته" وهدم الركن الدستوري الأول لنظام الحكم في الأردن ألا وهو الركن "النيابي"، وتركها "ملكية مطلقة" – على حد قول نائب الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي السيد نمر العساف.

أما الناشط النقابي الدكتور إبراهيم العرعراوي –والمحسوب على جناح الصقور المتشدد في الحركة الإسلامية على عكس زميليه السابق ذكرهما- فقد عكس تشدده من خلال توعد معيقي الإصلاح بمصير أقرانهم في ثورات الربيع العربي، كما خانه التعبير السياسي عندما نال بشكل غير مقبول من شخوص ضباط دائرة المخابرات العامة، الأمر الذي لا أظن أن الحركة الإسلامية الراشدة تقره قبل رفع سقفها ولا بعده.

وقد حدث هذا التصعيد في الخطاب فيما كان المراقب العام للإخوان المسلمين الدكتور همام سعيد والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الأستاذ حمزة منصور يؤكدان في جميع المناسبات واللقاءات الداخلية التنظيمية أوالجماهيرية المعلنه على أن سقف الحركة الإسلامية وهدفها واضح لا لبس فيه، وهو إصلاح النظام وليس "إسقاط النظام"، وبطريقة سلمية لا يشوبها العنف، حتى إن الحركة لم تقبل برفع سقفها لتبني "الملكية الدستورية" رسميا، واقتصرت على طرح مطالب إصلاحية تشمل جميع مفاصل النظام السياسي بطريقة مهذبة لفظيا، تتجنب التجريح والتهجم والشخصنة.

وهنا يتساءل المراقبون: هل كان هذا التصعيد الخطابي تجاوزا شخصيا من المتحدثين المتحمسين أم كان سياسة جديدة تنتهجها الحركة؟

والظاهر في الأمر أن هذا التصعيد بغض النظر عن طريقة إخراجه وحسن تنفيذه مقصود ولو بدرجة أخف لأن الاسم الجامع لكل فعاليات الجمعة الماضية في النزهة وماركا ومسجد الجامعة والزرقاء والعقبة والطفيلة والكرك كان تحت عنوان "كفى مماطلة!"، مما يعبر عن حالة "ضجر" بدأت تعتري جسم الحركة الإسلامية بعد ما يقرب من عام على بدء الحراك الإصلاحي ودون أن يتحقق أي إصلاح حقيقي وجذري منشود على أرض الواقع – على حد قول الإسلاميين.

ولكن بعض المراقبين يعزون هذا التصعيد إلى حالة من الثقة والانتعاش والبعض سماها "ممارسة الاستقواء" بالحركات الإسلامية التي بدأت تصعد إلى كرسي الحكم في تونس والمغرب ومصر وقبل ذلك في تركيا وربما قريبا في ليبيا، والأنظمة التي بدأت تترنح في اليمن وسوريا، مركزين على الوضع السوري اللصيق والقريب والمؤثر.

البعض يرى في خطوات النظام الإصلاحية ومنها إشهار الديوان الملكي للأراضي التي سجلت باسم الملك وسعي مجلس النواب لفتح ملف الأراضي التي فوضت لأشخاص أو شركات والتعامل الأمني الناعم مع الفعاليات الجماهيرية للحراك الإصلاحي وعدم رفع أسعار المحروقات رغم العبء الاقتصادي الثقيل وغيرها خطوات مقدرة ومعتبرة، أما الحركة الإسلامية ومعها الأحزاب والحراكات العشائرية والمناطقية والشبابية فلا ترى فيها إصلاحا حقيقيا مقنعا ودائما.

ولكن من المتفق عليه أن الأردن بنظامه السياسي وجماهيره التواقة إلى الإصلاح هم جميعا في مركب واحد تعصف به رياح الضغوط الاقتصادية الخانقة وأمواج الوضع السوري المتفجر والمؤثر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا بشدة على الساحة الأردنية، وخصوصا بعد خيبة الأمل الكبيرة التي مني بها الأردنيون إثر تخلي دول الخليج عن مشروع انضمامه لمجلس التعاون الخليجي، والاكتفاء بدعمه المجزوء والمتقطع والموسمي على شكل "مكرمات" و"هبات" -كما يراها الخليجيون- وينظر إليها الأردنيون على أنها"فتات" قدم الأردن مقابله الكثير الكثير.

هذا المشهد الأخير الذي توصلنا إليه وربما يتفق معظمنا عليه يلزم الأردنيين جميعا نظاما وشعبا، سلطة ومعارضة، بالمشاركة في تحمل المسؤولية، والتحدث بمسؤولية، والتحرك بمسؤولية، وتجنب التصعيد أيا كان ومن أي طرف كان، ونبذ العنف والتحريض عليه، فالوطن أغلى منا جميعا، والأردن باق وكلنا إلى زوال.


هشام عبد الفتاح خريسات
hishamkhraisat@gmail.com