"لا أحد فوق القانون ولا حصانة لأي أحد". هكذا قال جلالته


"لا أحد فوق القانون ولا حصانة لأي أحد". هكذا قال جلالته
وليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يؤكد فيها جلالته على محاسبة الفاسدين والمهملين ومعاقبتهم بصرف النظر عن مكانتهم الوظيفية أو الاجتماعية، منوها من قبل أن يكون البدء من الديوان الملكي. والسبب في ذلك ظاهر للعيان؛ فالمواطن يتدحرج سريعا في مدارك الفقر والبطالة والعنف وضيق ذات اليد وقلة الحيلة وانتشار الأوبئة الاجتماعية والأخلاقية في غياب العدل والعدالة، في حين يرتقي الهمل والدّشر أسباب ومدارج الغنى والثروات الطائلة بعد أن باعوا مقدرات البلد ومؤسساته الوطنية من شجر وحجر وتراب، ومن ماء وكلأ وسراب؛ نعم حتى السراب باعوه، والأحلام في غد أفضل سلبوه من عيون شبابنا وأطفالنا وحرائرنا؛ فهؤلاء القابعون على جماجم رؤانا وأمانينا غذاؤهم دماؤنا، وشرابهم الدموع في مآقينا، وخمرهم وسكرهم وعربدتهم من عصير حرقة عجائزنا وكهولنا
إذن، لا هامل فوق القانون، ولا حصانة لداشر؛ رسالة واضحة لا لبس فيها، وليست بحاجة إلى تفسير أو تأويل. فجلالته يدعو إلى تحويل الفاسدين والمهملين إلى القضاء دون أي تردد أو محاباة؛ فالتردد قد يكون مرده الخوف من مواجهة رؤوس الفساد وشراشيبهم وتوابعهم وملحاقتهم. والمحاباة مردها المقاسمة والمناصفة أو المرابعة والمثالثة مما يتفق عليه بين الحرامية من نِسبٍ على صورة سمسرة أو هدايا نفيسة أو رشوة ... إلخ. ومن المعروف عنا- العرب- أننا متأخرون خطوة إلى الوراء. فالتردد يعني بوضوح عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. وهذا التأخر هو الذي يستثير حفيظة الناس، فيهيمون في الشوارع غاضبين حانقين، وإذا جاء القرار بعد هذا الغليان فلا جدوى ولا فائدة ترتجى منه؛ لأن حينها سترتفع سقوف المطالب أكثر مما كانت عليه البارحة أو أول أمس، وعندها سيتكاثر أعداد الحانقين يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة، وعندها أيضا سيدخل الملعب من كان على دكة الاحتياط، أو من كان حائرا مترددا في أن يكون من ضمن الفريق الأصلي، أو البدلاء، بل وحتى لو كان أحد المتفرجين عن بعد. إن المراوغة والمماطلة في تحويل هؤلاء إلى العدالة يزيد لهيب الاحتقان وفقدان الثقة في ما يدعى بمحاربة الفساد، وأن من يراهن على شراء الوقت والزمن وأبر التخدير هو فاسد دون جدال ولا نقاش؛ فهناك الكثير من الملفات باتت معروفة لدى القاصي والداني، وهي مضغة الشارع والجلسات والإعلام تلاك على مدار الساعة والدقيقة والثانية بين المواطنين، وزد على ذلك أن أصحاب هذه الملفات باتوا معروفين بأسمائهم ودنسهم وأرصدتهم بانتظار إحالتهم إلى العدالة لتبرئ من تبرئ وتدين من تدين.
ولكن ما يشاع بين العباد في هذه البلاد الطاهرة أن الكثير من هؤلاء الفاسدين يحتمون بالقانون؛ فبالقانون باعوا واشتروا، وبالقانون سمسروا وارتشوا، وبالقانون نفسه يسّروا وسهّلوا ووسعوا بؤر فسادهم، وذلك من خلال معرفة مداخل ومخارج هذه القوانين، ونقاط الضعف فيها أو التحايل عليها. لذا، فإن المواطن لا يرتجي كثير أمل في أن يقبض على هؤلاء وإيداعهم السجن؛ فالكازينو مثلا تمّ بعقود قانونية وشروط جزاء قانونية، وتواقيع قانونية، وإن توصلت العدالة إلى حكم ما فلا يتوقع أن يزيد هذا الحكم على سوء إدارة لا ترقى إلى وقوع فساد. ومثال آخر هو تفويض الواجهات العشائرية وقد يكون تمليكها إلى من يملك النفوذ، والذي تم استنادا إلى قانون وبصورة أدق إلى منافذ القانون، مما هيّج العشائر وأبناءها، وعندما يهتاج الشارع سنرى صنوفا وأنواعا عديدة من التعدي على هيبة البلد والقانون، وسيخبو صوت التعقل وحسن التصرف. ومما يزيد الأمر سوءا أحيانا عدم التصرف المباشر والاحتواء من قبل بعض الحكام الإداريين، بحيث ينتهي الأمر إلى مزيد من الفوضى والشغب، وحينها سيواجه أبناؤنا الأشراف من قوات الدرك والأمن العام أخوانهم المحتجين، وعندئذ سيحدث ما لا يحمد عقباه بين الأخوة وأبناء العمومة والخؤولة والأردن الواحد من مشادات وعراك وما يستنسخ عنهما من إجراءات محصلتها الوحيدة الأذى، كل الأذى للوطن والمواطن.
هي دعوة إذن لكل مسؤول يخاف الله ويتقيه في أن يكون عونا لجلالة الملك لا عبئا ثقيلا على كاهله. ولنتخذ من جلالته القدوة والأنموذج في سعة الصدر، والتواصل المباشر مع المواطن دون حاجب ولا حواجز. هي همسة صادقة في أذن كل مسؤول في أن الأردني أيّا كان موقعه يمتاز بأنه يدرك الغث من السمين، ويميز بين التاجر والفاجر، ويقرأ التاريخ جيدا، ويعيش الحاضر مخلصا، ويحلم بمستقبل طاهر يستحقه.