رسالة إلى “الشاباك”
أخبار البلد -
تبذلون جهودا حثيثة لترميم صورتكم التي أطاحها "نفق الحرية”، بالملاحقات والتحقيقات والعقوبات والتخابرات والضغوطات مفتوحة الصلاحيات ، وبدا انكم تواصلون الليل بالنهار والشفق بالغسق والشاباك بالموساد والشرطة بالمستشفى والامني بالجنائي وقصاص الاثر بالقضائي ، فقد رشح ان عشرين محققا "يمارسون عملهم” مع العارضة في الوجبة الواحدة. في الوقت ذاته "ترى كم يبلغ عددهم مع الزبيدي ؟”، يحققون في معرفة عشرة أسرى آخرين بالقضية، ويحققون فيمن طرق الفارون ابوابهم ولم يبلغوا عنهم فيتهمون بالتستر، وفيمن من الحراس ساعدهم فيتهمون بالخيانة العظمى.
كل هذا لن يجدي نفعا، فالنرد قد سقط، وكما تقول الحكمة العربية "اللي ربّع ربّع، واللي قبّع قبّع”، فالباستيل سقط وسقطت هيبته على ايدي مأسوريه بالملعقة، وكل ما تقومون به هي محاولات يائسة وبائسة، ما تحاول ان تقوم به "الماشطة في الوجه العكر”، وليس أدل على ذلك من المكانة النجومية العالمية التي وصل اليها النفق وابطاله، مقارنة بالهاوية التي وصل اليها الجلبوع واصحابه ممن يمتلكون قراراته و مفاتيحه. كفوا عن هذا "الهبل”، هل ستزيدون عدد الاسرى لديكم عشرين او ثلاثين شخصا وانتم تفعلون ذلك يوميا في الضفة الغربية؟ ومن لا تستطيعوا إدانته تحيلونه الى ما يسمى الحبس الاداري بل وتمتلكون امكانية تمديده مرات ومرات. فهل حال ذلك دون اسقاط الجلبوع أو "الخزنة” على حد وصفكم؟
أم كنتم تظنون ان نفق الحرية هو مأثرة الاسرى الوحيدة؟
انكم واهمون، كما توهمتم ان اسرائيل هي دولة، لم تستطع بعد سبعين سنة من”اقناع” نصف يهود العالم او أكثر من انها دولتهم ووطنهم. حتى ذهبتم لاحضار حوالي مليونين من روسيا واثيوبيا. توهمتم ان جيشكم لا يقهر، فأسقطكم حزب الله في فريتكم سقوطا مدويا. توهمتم انكم الديمقراطية الوحيدة في الشرق، فحكَمَكم منغلق فاسد 15 سنة، وحينما استبدلتموه بعد اربع انتخابات خلال سنتين، احضرتم فرخا تلموديا متعفنا ما زال مؤمنا انكم شعب الله المختار والوحيد الذي يذهب الى الجنة ، فاصبحتم و”داعش” صنوان.
إن "نفق الحرية” ليس مأثرة الاسرى الوحيدة، انتم نظرتم اليه كمقبرة تقبروننا فيها أحياء، ونحن نظرناها اكاديميات لتعليم الثورة الانسانية ضد الظلم والعنصرية والاستعمار والاستكبار. تعلمنا فيها لغات اخرى الى جانب لغتكم، نلنا شهادات عليا، ألفنا كتبا ودراسات، هرّبنا منها نطفنا وانجبنا اكثر من مئة طفل وطفلة "سفراء الحرية” (تسعة في عام الكورونا) وأجبرنا الشيخ ان لا يفتي بتحريمها، وحفرنا النفق في جلبوع.
***********
في عام 1980 وبعد خمسين يوما من الاعتقال والتعذيب في مسلخ المسكوبية، فوجئت برئيس التحقيق "سامي” يقول لي: خلص، عرفنا من الذي رفع العلم الفلسطيني في الناصرة. سألته: من ؟
فأجاب: أنا.
أظهرت بعض الاستغراب، فأردف: نعم، القيادة السياسية تضغط علينا لمعرفة الفاعل لأنها اصبحت قضية رأي عام، ووعدَت العالم باعتقاله، فقلت لهم: خلاص انا من رفعته، وسجِّلوها علي. أنذاك، في ليلة الافتتاح، بحضور ممثلين عن اكثر من خمسين دولة من المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، رفعت اعلام كل هذه الدول، بما فيها العلم الاسرائيلي، باستثناء علم فلسطين، وعندما خرج ملثم يحمل علما صغيرا خاطه على عجل، لاحقه المنظمون من الحزب الشيوعي الاسرائيلي "راكاح” دون ان يتمكنوا منه. قرابة منتصف الليل حضر المسؤول الأول الى خيمتنا واتهمنا بأننا "زعران حبش وعرفات” من رفع العلم وقال لنا: انتم ضيوف غير مرحب بكم في المخيم (كنا حمولة باصين)، سألته ان كان يريدنا أن نغادر الان ام ننتظر للصباح، فقال: لا بأس في الصباح. ما لم تذكره الاخبار انذاك، ان جميع الحضور وقفوا تصفيقا حادا ومطولا لدى رؤيتهم الملثم يجوب المنصة بعلم فلسطين. واذا كان المحقق "سامي” (يقال انه قتل في عملية سلامة الجليل 1982) صادقا، فإنه من يكون رسميا قد رفع ذلك العلم. ومنذ ذلك الوقت كل من يسألني عمن رفع العلم، أقول له: سامي، من الشاباك.