لكي لا ننسى.. صبرا وشاتيلا والوجع الذي لا ينتهي …

أخبار البلد -

 
تأتي الذكرى كما هي العادة السنوية في اجندة المناسبات الفلسطينية، ويأبى ايلول الا ان يحمل معه ذكرى ‏بشاعة القتل، وممارسة الذبح، وابداعات السطو على الجسد الفلسطيني، والإمعان بتمزيقه بشتى السبل ‏والوسائل…
 وايلول هذا قد صار شهرا ينزف فيه الجرح منذ ان اعتلى القاتل منصة السادة الكبار، وصار ‏يلوح بقبضته متوعدا فقراء العصر، والمطاردين بين ازقة احلامهم، والمطرودين من جنتهم، واللاجئين الى ‏جنان ارض الغير ليتشكل المشهد الإنساني الجديد، فلا يمكن ان تستقيم دنيا الانسان دون لجوء الفقراء من ‏جنان ارضهم الى جنان الأخرين، وحيث ذلك فلابد من شهر للذبح والقتل وممارسة بشاعة المجزرة حتى ‏يستوى فعل القتل وحتى نتذكر ان للإنسان اللاجئ ارض وربما جنة يبحث عنها وسط معاني التذكر ‏والتذكير بالهم البشري، وللباحث عن وطن يستقيم معه فعل صراخه وممارسة ألمه وحبه ، والقليل من فعل ‏الشياطين….‏

تأتي ذكرى المجزرة والسؤال مازال مطروحا، واجاباته معلومة ولا مجاهرة بالحديث او كشف اللثام عن ‏واحدة من اروع وأبشع الإبداعات في القتل والهمجية… وعلى لوحة لم يستطع غبار الزمن إخفاءها ولم ‏يستطع التاريخ طمس معالمها… رغم القهر… رغم المعاناة… رغم الألم مازالت صبرا وشاتيلا على قيد ‏الحياة وها هي المجزرة رغم السنون مازالت شاهدة لم تستطع النسيان.‏

مجزرة صبرا وشاتيلا… الجرح النازف … جرح شعب مازال يجمع أشلاءه… جرح أرض مازالت تأن ‏وتصرخ كما هي الحال في مجازر الفعل اليومي لممارسات اخوة القيد والمعاناة وحلفاء الشيطان الجديد، ‏التي نشهدها بالظرف الراهن في ازقة ما يسمى بالوطن الفلسطيني المحروم من استكانة ولو قليلة للملمة ‏ذاكرة بشاعة القتل الذي كان في كل أمكنة لجوء من يحاول ان يحيا فوق الأرض وان يمارس فعله الإنساني ‏وحقه بأن يصرخ بأن له وطن وجنة على ارض تسكن هناك بين ثنايا انياب الشيطان…‏

بعد كل هذه السنوات نمارس فعلنا الأولي والمتواصل بأن نكتب مرثياتنا من جديد وبلغة قد نفهم ابجدياتها ‏وربما نتوه بالمعاني واساليب صياغة المفاهيم. بالعرف الفلسطيني يرتبط مفهوم القتل والذبح وفعل المجزرة ‏بممارسة العدو وهذا العدو قد يكون ذاك الشيطان او من يتحالف مع سدنته وخدامه المتطوعين في بلاط ‏سادة القتل ووأد الحلم ان حاول ان يتشكل، او ان يعبر الذاكرة وان كان كمحاولة لاستكانة الذات او ارضاء ‏غرورها بأن تطوف عند قبور الأولين الذين صنعوا مجد اسطورة الزمن الجميل…‏

تبدأ القصة حينما تسللت الأنوار والأضواء الكاشفة بذاك الليل الحالك عتمة وسوادا لتخترق العتمة ليبدو ‏مشهد القتل والذبح أكثر وضوحا.. وأكثر ايلاما للضحية وللمقتول ولمعصوب العينين وكأن المشهد الدرامي ‏لابد من تسجيله وسط صرخات الثكالى ما بين الأضواء الكاشفة… وهنا تكمن حقيقة الأشياء الصارخة.. ‏القتل لابد ان يكون تحت الأضواء الكاشفة والفاضحة لكل العورات… وسيد القتل لابد له من ان يراقب ‏تفاصيل التفاصيل لكشف المستور وتوجيه القاتل وادواته المغروزة باللحم الحي… كان لابد لهم من ان ‏يرعبوا الضحية ورعب الضحية لا يستوي الا بفعل نصل السكين والذبح بالسيوف والبلطات… وحتى ‏تستوي الأمور اكثر لابد من شهود ليخبروا من بقي حيا من ابناء وسخ المخيمات، فكان النجاة الذين عزفوا ‏شهادتهم على دفاتر ازمانهم عويلا وبكاء وصراخا والشيء من الضجيج لعل مضاجع سادة العرب والعجم ‏يتنبهوا ان ثمة مجزرة ترتكب هنا ورائحة الموت تنتشر بالمكان ولا ضير ان كان القليل من عطر الموت ‏قد أزكم الأنوف… فالقاتل بحاجة لمن يوقفه عن القتل ويستصرخ كل ضمائرهم ان تعالوا واقفوني عن ‏ممارسة القتل لذلك لا ضير ان تسلل القليل من ابناء الوسخ في ذاك المخيم….‏

هنا جلس من كان في المكان على تلة من الجثث محاولا ان يستعرض المشهد من جديد… وفي محاولة لأن ‏يفهم مجريات النسق السياسي الذي تبدل… وحيث هو يتفكر يأتيه من يلقي على مسامعه بيان العصر ‏الجديد… وأساطير حكاية الضحية والجلاد… وتغير الأزمان… وكيف يصبح من ينطق بلهجة الفقراء على ‏هامش البيان الرشيد….‏
وهنا حاول من حاول من اطفال البزازة ان يتنزعوا حلمات امهاتهم ليأخذوا منها قطرات من حليب.. فكان ‏للقتل الفعل الرحيم لأمهات سئمن الصراخ والعويل وكان ان جاءهن القتل بغفلة وهن يرضعن اطفال ‏البزازة بذاك المساء حيث كن يحاولن سرد حكايا أقاصيص الرجال الراحلين للتو ببواخر كل اقاصي الدنيا.. ‏وقهقة من يعتلي منصة المكان تختصر كل بلاغات اوامر فعل التنفيذ….‏

وكان ان يأتي القائد المرصع بكل نياشين الأطفال الرضع ان استنكر وانكر فعل المجزرة.. وما هي الا ‏سنوات حتى عاد بلا من ابطال تلك الأزمنة .. ليكون احد لاعبي لعبة الرئاسة من جديد في بلد المجزرة ‏وحاضنة الوسخين بوسخ مخيمات الشقاء والبؤس… وما هي الا سنوات حتى يعود من جديد من تولى ‏اضاءة الأضواء الكاشفة ليقرأ علينا الشيء اليسير مما كان يتوعد ويتهدد في ظل انفلات وانقلاب موازيين ‏الحلال والحرام في بلد الجبل والبحر والنساء الجميلات والكثير من عنفوان مقاومة الأشباح المتسترين ‏خلف الأسماء ليهوذا الساكن بالمكان منذ ان بدات المجزرة تؤتي ثمارها… حيث توالت ما بعدها كل ‏المجازر وصار القتل للوسخين من ابناء المخيمات مشروعا وممكنا… بل لا تستوي حسابات ذاك البلد ‏الطائفية وتلك المذهبية وحتى الأثنية والجمالية الا من خلال ضرائب الدم التي لابد من ان تدفعها مخيمات ‏الوسخين وهذا ما كان وما سيكون ايضا حتى الأن…‏

هي قصة المجزرة وهي قصة ابادة الحالمين.. ومحاولة لاستئصال فلسطين من ذاكرة المؤمنين بالأرض ‏السمراء … وكل هذا من سفر تكوين حكاية المهاجرين باستمرار والقابضين على مفاتيح البيوت المعلقة ‏بالصدور منذ ان كان العبور للزمن المجهول…. وهذا الطبيعي فلا هجرة دون اشتياق، ولا عبور دون ان ‏يتكون ويتشكل المجهول بالأذهان، ولكن ان نرتكب نحن المجزرة وتنقلب على ذاتها الضحية وتحاول ان ‏تمارس فعل الجلاد… فهذا ما حاول ان افهمه واتفهمه هذه الأيام… وان نمارس القتل والذبح بحد السكين ‏وعلى مرأى ومسمع من القاتل المتبختر الأن في شوارع البيروت والقادم الى فعل السيادة والحرية ‏والاستقلال، فهذا ما لا استوعبه الأن… وما عسانا سنقول لكل من يحاول ان ينصر دماء شهداء المجزرة ‏التي تكومت اجسادهم جبالا بالطرقات ونحن نمارس ابشع افعال القتل اليومي بحواري غزة وخانيونس ‏ولربما ايضا هنا حيث القدس الأقرب الى مرمى الحجر….؟؟؟

بعد كل هذه السنين نعجز عن فضح القاتل من جديد، وممارسة فعل البكاء والعويل حيث ان الأحمر القاني ‏ينزف الأن في حوارينا وعلى ارض البرتقال… وقد صار القتل محللا باعتي الفتاوى الشرعية لجهابذة ‏الخلوات الشرعية…‏

المجزرة الأن اصبحت خلف الحقيقة بعدما غابت تلك الحقيقة خلف الأفق كالشمس في ظل حقيقة القتل ‏الأنية والراهنة لحملة بنادق ما يسمى (بالوطنية الجديدة) …. فها هي المجزرة من جديد متواصلة بلا اسم … ‏بلا عنوان… بلا قضية …محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض…. لنحاول ‏ان نجمع تراث المجازر ونحصي اسماء القتلي ولربما ايضا الشهداء….‏