حِلف «أوكوس» الثلاثي.. هل يستطيع بايدن «احتواء» الصين؟
اخبار البلد -
باتت معروفة الـ«مَقولة» التي لم تَسقط بعد, ومُفادها ان «لكل رئيس اميركي.. حربه»..
وبمراجعة سريعة لتاريخ الحروب العدوانية التي شنّتها بلاد العم سام على دول وشعوب عديدة بعد الحرب العالمية الثانية, خاصة إثر اندلاع الحرب الباردة, تتبين صحة هذه المقولة، وما يُعيد الاعتبار لها خصوصاً بعد إقدام الرئيس بايدن الذي تلاحقه فضيحة/لعنة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان, على إشهار حِلف جديد في الجوار الصيني, مستعيناً ببريطانيا الخارجة للتوّ من الاتحاد الأوروبي ومُغرياً أستراليا بثماني غواصات نووية، مُوجهاً صفعة قاسية لفرنسا حليفته الأطلسية، التي من فرط ثقة «قادتها» بواشنطن أو خشيتهم من سطوتها، سارعوا لاسترضائها وخطب ودّها. بل أكثر من ذلك، دخلوا في سباق محموم مع بريطانيا... بلير وقبله ثاتشر ولاحقاً الحالي بوريس جونسون.. للفوز برضا البيت الأبيض. كما فعل خصوصاً ساركوزي الذي وصفه الفرنسيون بأنه «مندوب» أميركا في فرنسا, كذلك فرانسوا هولاند وبالذات الرئيس الحالي ماكرون.. ولن يُغيّر كثيراً قرار ماكرون استدعاءَ السفير الفرنسي بواشنطن للتشاور، وإن كان يعكس مِن بين أمور أخرى حجم الغضب الفرنسي المزدوج من واشنطن كما كانبيرا.
فهل تتدحرج الأمور سريعاً إلى حرب أو مواجهة «محسوبة» بين الحلف الثلاثي الجديد (أميركا/بريطانيا/استراليا)، والذي من المتوقع بل المؤكّد أن تنضمّ إليه دول أخرى وعلى رأسها الهند واليابان وربما فييتنام، وإن كانت الأخيرة ستكون أكثر حذراً رغم صفقتها العسكرية الضخمة والنوعية الأخيرة مع اليابان, وزيارة وزير الخارجية الأميركي لهانوي فضلاً عن عدائها المعلن للصين؟
من السّابق لأوانه الحديث عن سيناريو حرب أو اشتباكات محدودة/مُبرمجة, يُراد منها رفع منسوب التوتر أو اختبار القدرات والاستعدادات وردود الأفعال والاصطفافات الإقليمية والدولية, في حال تدحرجت الأمور أو بدا أنّها متّجهة نحو نقطة اللاعودة.
لكن من المُتوقع ان تبدي الصين حزماً مصحوباً بخطوات عملية وعسكرية، وخصوصاً اقتصادية/تجارية باتجاه أستراليا التي ستكون الخاسر الأكبر, ليس فقط لأنها ترتبط بعلاقات تجارية واقتصادية واسعة مع الصين, إذ تصدر إليها أزيد من 35% من مجموع صادراتها الخارجية, وإنّما أيضاً لأنّها «استفادت» من مشروع «الحزام والطريق» الذي كانت تعوّل عليه في شأن رفع مستوى بناها التحتية, رغم معارضة واشنطن المُبكرة لانخراط كانبيرا فيه، حتى بدا وكأن الأخيرة توشك على الانسحاب منه.
صحيح أن تحالف «أوكوس» الجديد والمفاجئ, إنّما يندرج في إطار المساعي الأميركية الحثيثة لاحتواء الصين وعرقلة صعودها إقليمياً ودولياً، حيث لم تدّخر واشنطن جهداً لمضايقة الصين والتحرّش بها بأكثر من أسلوب وملف وقضية, مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي والعقوبات التجارية/الاقتصادية التي فرضها ترمب ولم يفعل بايدن شيئاً للتخفيف عنها, رغم ادّعائه في مكالمته الهاتفية الأولى مع الرئيس الصيني «شي», أنّه يريد لعلاقات البلدين أن تكون منافسة شريفة وليس صراعاً، إضافة بالطبع إلى تكرار مرور حاملات الطائرات الأميركية في مضيق تايوان، واقتراب التوقيع مع تايوان على صفقة أسلحة ضخمة ومتقدمة, فضلاً عن نيّتها تغيير اسم مكتب الاخيرة في واشنطن ليصبح «مكتب تايوان التجاري» وليس «مكتب تايبه»، ما يعني إهالة التراب على مبدأ «صين واحدة» الذي التزمته واشنطن عند تطبيع العلاقات بينهما.
كل ذلك يمكن أن يشكّل تراكماً وضغطاً يصعب على الصين القبول او التسليم به، خاصة إذا ما وعندما يتمّ توسيع حلف أوكوس الثلاثي ليضمّ دولاً أخرى, ما يشعر بيجين بأنّها باتت محاصرة أو أقله تحت المراقبة الحثيثة لأساطيل الحلف الجديد وخصوصاً لغواصاته النووية. ما بالك حال تزامَن ذلك مع التحرش الأميركي المستمر في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، ما يفرض على الصين اتخاذ خطوات عملية/ميدانية, وليس الاكتفاء بإطلاق التصريحات المندّدة المحمولة على تحذيرات من العواقب «الوخيمة», من مغبّة المضيّ قدماً في تكريس حلف «أوكوس» في المنطقة الجديدة التي اختارتها أميركا لاستعراض قوتها واستعادة هيمنتها الآخذة التراجع عالمياً؟
هل سألتم عن فرنسا/والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»؟
من المبكر «نعي» حلف الناتو الذي استبدلته واشنطن بحلف «أوكوس» الجديد، وقد تُقدِم باريس على «إحياء» خيار الجنرال ديغول عندما أعلن انسحاب فرنسا من الشقّ العسكري لميثاق الناتو، والذي أعاد نيكولا ساركوزي العمل به بعد نصف قرن, فضلا عن مواصلة الضغط لإنشاء جيش اوروبي/او قوة تدخل سريع.