«مذكرات» أصحاب الدولة والمعالي
أخبار البلد -
تختلف الآراء حول ما بات البعض يسميها بـ»ظاهرة»، وآخرون يطلقون عليها «موضة»، وغيرهم يصفونها بأنها «موجة «.. وليس هذا ما يهمّنا في موضوع اشهار «مذكرات» لاصحاب دولة وأصحاب معالي، ولكن الأهم أسئلة كثيرين: متى؟ وكيف؟ ولماذا؟ يقرر أؤلئك الذوات كتابة المذكرات؟، ولمن؟ وما هي الرسائل - اذا كانت هناك رسائل - يراد توجيهها من خلال تلك المذكرات؟.
علينا أن نقرّ أولا بأن أهمية أية مذكرات، تعتمد على عوامل نجاح وقوة تتمثل بعدة نقاط في مقدمتها: (صاحب المذكرات نفسه.. أهميته.. المناصب التي تولاها.. والحقبة التي عايشها.. ومقدار الحقائق التي كشفها أو سردها بالتفصيل، أو مرّ عليها مرور الكرام،..الخ).. كما أن المذكرات هي بمثابة «شاهد على العصر» تتفاوت أهميتها بالشفافية والوثائقية والمصداقية (بدبلوماسية أو بدون دبلوماسية) خصوصا حين تمسّ المذكرات مواقف لأشخاص لا زالوا على قيد الحياة!.
البعض ينظر الى تلك المذكرات أنها تحمل في غالبيتها «سيرة ذاتية « لكاتبها، يحاول من خلالها الدفاع عن قرارات اتخذها أو لم يتخذها حين كان في موقع اتخاذ القرار، والبعض ينظر اليها أنها توثيق لتاريخ لا يمكن أن يكتبه شعراء ولا أدباء ولا كتّاب الروايات ولا حتى الشعراء، بل هو تأريخ مهم لا يكتبه الا من عايشه وشارك في كتابته وصناعته.. ومن غير هؤلاء السياسيين أقدر من ابلاغ الاجيال المعاصرة والقادمة بما حدث،وما كان يحدث؟؟.
متتبعو ما كتب من مذكرات لرؤساء وزراء سابقين ووزراء سابقين ايضا، يستطيعون التوصل الى مشهد أكثر وضوحا في مواقف مشتركة في مذكرات هنا وأخرى هناك، وقد تكمل احداهما الاخرى، وأحيانا قد تزيد ضبابية المشهد اختلاف سردية مذكرات عن مثيلاتها لاختلاف القراءة وصفا وتحليلا وتبريرا لبعض المواقف!..المهم أن هناك منعطفات هامة في تاريخ الدولة الاردنية وبعد مرور «مائة عام» من المهم أن تعيها الاجيال الحاضرة والقادمة، بل والاجيال التي عاصرتها وربما لم تفهمها منذ ذلك الوقت لغياب المعلومة الدقيقة التي آن أوان اظهارها من خلال تلك المذكرات.
مذكرات الساسة (او حتى الاقتصاديين.. فهناك كتب تم اشهارها تتحدث عن تاريخ الاقتصاد الاردني واخرى عن شركات فاعلة في تاريخ الاقتصاد كتبت على شكل مذكرات توثيق لتاريخ مرتبط بأشخاص).. ولا ضير بارتباطها بالاشخاص أو الحديث عن الذات (فهي مذكرات لأشخاص بالدرجة الاولى) يسردون مواقف وقرارات حدثت في «الماضي» ويبررونها وقد ينتقدونها من وجهة نظرهم في «الحاضر»!!.. وبغض النظر عن هذه الرؤى الا انها طبيعية ومنطقية ذلك ان كثيرا من احداث التاريخ يصنعها البشر،وخصوصا من تكتب لهم الاقدار المساهمة في صناعتها وكتابتها.
باختصار.. ما أود قوله أن هذه المذكرات (جميعها) مهمة جدا (بغض النظر عن وجهات النظر في محتواها بين مؤيد ومعارض) وهي تستحق القراءة، وتضيف الكثير من الحقائق والتوثيق للمكتبة الوطنية.. لكن الاهم وما ألحظه شخصيا - وقد يوافقني كثيرون - أن الاكثر اهتماما بها - المذكرات - هم أؤلئك الجيل الذي عايشها، أو عايش كثيرا من أحداثها، والاقل متابعة واهتماما جيل الشباب، جيل «المستقبل» الذي أرى أن عليه مراجعة الماضي (الغائب عن تفاصيله) ودروسه المستفادة من خلال تلك المذكرات، علّه يستوعب «الحاضر»، ويتخذ من دروس وعبر الماضي بما يمكّنه من تحسين صناعة «المستقبل».. متى قدّر له ذلك.