هل الحل بالعقوبات فقط؟
أخبار البلد -
منذ كارثة مستشفى السلط؛ كان يفترض أن تدرك الحكومة أن الخلل لا يكمن في قرار إداري أو خطأ فني فقط، إنما هي منظومة كاملة أصابها العطب والخلل، ولا تحتاج فقط إلى قرارات ارتجالية لحظية لمعالجتها، بل إلى جهد شامل لا يقل عن ورشة وطنية تحوي الكفاءات الطبية والإدارية على مستوى البلد، دون إقصاء لأي من أطراف المعادلة، سواء في القطاع العام أو الخاص، وتشمل الجامعي والعسكري.
فحينما قدم وزير الصحة السابق د. نذير عبيدات استقالته؛ كان ذلك بمثابة التزام أخلاقي بمسؤوليته السياسية عما حدث، طبعاً ذلك يشمل اعترافه بأنه لم ينجح في إحداث تحول حقيقي على مستوى هيكل الإدارة والكوادر يُمكّن القطاع الصحي من السير على الطريق الصحيح، لكن يبدو أن رسالة الرجل لم تُلتقط حكومياً بحيث تُحرِك الحكومة للتفكير جدياً بضرورة البدء بخطة شاملة وهيكلية لإصلاح ذلك القطاع، بل اكتفت الحكومة بمحاولة قطف ثمار مشاريع سابقة لترويجها على أنها إنجازات لحل المشكلة، طبعاً هذا التصرف كان خطأً فادحاً؛ لأن مشاكل القطاع الصحي، والتي يعرفها الجميع، لا يمكن حلّها أو طمسها بهذه الطريقة البدائية، والتي باتت واضحة للعيان، فأي مراجع لمستشفى حكومي سيكتشف فوراً أن ما قيل حقيقي أو مجرد خداع.
فحادثة الطفلتين عليهما رحمة الله؛ بدون شك هي مأساة حقيقية مست ضمير كل أردني، لكن الفاعل الاول فيها ليس فقط الطبيب، بل هي منظومة متكاملة أصابها الترهل والتراجع بأكثر من مستوى، يتحمل المستوى السياسي المسؤولية الكبرى عنها، بينما الطبيب هو الحلقة الأخيرة فيها، ولا أنكر أن عليه تحمل المسؤولية، لكن التنطع لمحاسبته هو فقط والتوقف عند ذلك لا يعدو عن كونه فعلاً شعبوياً لمحاولة إطفاء نار الغضب المجتمعي بالاقتصاص من الحلقة الأضعف. طبعاً هذا التصرف لن يحل مشاكل هذا القطاع، بل سيفاقم مشاكله. باختصار؛ لأنه سيشعل نار الغضب لدى فئة الأطباء، والذين سيجدون أنفسهم في كل مرة الطرف المستهدف الأول في إجراءات الحكومة، وهذا بدون شك سيضعضع ثقتهم بأن الحكومة جادة في إصلاح واقع الحال، فهم الأدرى بمشاكل القطاع الصحي الحكومي، وهم الأعرف بطرق الحل.
لقد قُدر لي أن أكون في زيارة لمدير مستشفى البشير د. عبدالمانع يوم الخميس، واضطررت لانتظاره لفترة من الزمن، وعند قدومه ومساعديه؛ بادر معتذراً بأنه كان يعاين حادثاً في قسم الطوارئ، وأقسم لي بأن كل مصاب يرافقه ما لا يقل عن عشرة مرافقين، وأن القسم مكتظ بحيث لا مجال حتى لحركة الكادر لأداء مهمتهم، رغم محاولات الأمن إخراج الناس من المكان. في هكذا وضع؛ كيف يمكن لوم الطبيب إن ارتكب بعض الأخطاء او الهفوات، ففي مثل هذه البيئة من العمل يسهُل تحت وطأة الخوف والارتباك والتنمر المجتمعي على الكادر الطبي أن تُرتكب الأخطاء، وعندها لن يحُاسب إلا الكادر الطبي والإداري، وطبعاً سيتغاضى الجميع عن الواقع الذي مرّ به الكادر الطبي أثناء عمله، والمشكلة الكبرى أن عملية العقوبة للكوادر تخضع لمنطق تصفوي حقيقي، فالكثير من النكايات والوشايات تستدعي نفسها فوراً لتحدد طبيعة ونوع التغير القادم بما يخدم مصالحها، أعني هنا طبقة بيروقراطية عميقة متمكنة؛ استطاعت عبر عقود أن ترسخ وجودها وتمكن نفسها من مفاصل الوزارة، مما أعطاها القدرة على إجهاض أي تحرك فعلي لإعادة تأهيل هذا القطاع ووضعه على الطريق الصحيح.
لقد لجأت الحكومة إلى الحل الأسهل والشعبوي لإطفاء جذوة الغضب، ولكنها بذلك ارتكبت خطأً فادحاً؛ لأنها أوجدت مشكلة كبيرة لن تستطيع حلها فعلياً، فماذا لو توحد الأطباء وقرروا تقديم استقالات جماعية من وزارة الصحة؟ فماذا عسى أن تفعل الحكومة؟ لا أعتقد أنها ستجد حلولاً كثيرة. إذاً فالأجدى أن تعترف الحكومة بمسؤوليتها السياسية عما حدث، وبعد ذلك تتخذ اجراءات أبعد من مجرد معاقبة كادر طبي كل ذنبه أنه وقع ضحية واقع مرير فرض عليه نوعية من الأداء لا تصل للمستوى المطلوب، بعدها تشكل لجنة وطنية من كافة القطاعات؛ ترصد الأخطاء أينما كانت، وتقود بعد ذلك ورشة وطنية لإصلاح القطاع. عدا عن ذلك؛ فإن كل الحلول لن تخرج عن إطار الترقيع الذي لا طائل منه.
فحينما قدم وزير الصحة السابق د. نذير عبيدات استقالته؛ كان ذلك بمثابة التزام أخلاقي بمسؤوليته السياسية عما حدث، طبعاً ذلك يشمل اعترافه بأنه لم ينجح في إحداث تحول حقيقي على مستوى هيكل الإدارة والكوادر يُمكّن القطاع الصحي من السير على الطريق الصحيح، لكن يبدو أن رسالة الرجل لم تُلتقط حكومياً بحيث تُحرِك الحكومة للتفكير جدياً بضرورة البدء بخطة شاملة وهيكلية لإصلاح ذلك القطاع، بل اكتفت الحكومة بمحاولة قطف ثمار مشاريع سابقة لترويجها على أنها إنجازات لحل المشكلة، طبعاً هذا التصرف كان خطأً فادحاً؛ لأن مشاكل القطاع الصحي، والتي يعرفها الجميع، لا يمكن حلّها أو طمسها بهذه الطريقة البدائية، والتي باتت واضحة للعيان، فأي مراجع لمستشفى حكومي سيكتشف فوراً أن ما قيل حقيقي أو مجرد خداع.
فحادثة الطفلتين عليهما رحمة الله؛ بدون شك هي مأساة حقيقية مست ضمير كل أردني، لكن الفاعل الاول فيها ليس فقط الطبيب، بل هي منظومة متكاملة أصابها الترهل والتراجع بأكثر من مستوى، يتحمل المستوى السياسي المسؤولية الكبرى عنها، بينما الطبيب هو الحلقة الأخيرة فيها، ولا أنكر أن عليه تحمل المسؤولية، لكن التنطع لمحاسبته هو فقط والتوقف عند ذلك لا يعدو عن كونه فعلاً شعبوياً لمحاولة إطفاء نار الغضب المجتمعي بالاقتصاص من الحلقة الأضعف. طبعاً هذا التصرف لن يحل مشاكل هذا القطاع، بل سيفاقم مشاكله. باختصار؛ لأنه سيشعل نار الغضب لدى فئة الأطباء، والذين سيجدون أنفسهم في كل مرة الطرف المستهدف الأول في إجراءات الحكومة، وهذا بدون شك سيضعضع ثقتهم بأن الحكومة جادة في إصلاح واقع الحال، فهم الأدرى بمشاكل القطاع الصحي الحكومي، وهم الأعرف بطرق الحل.
لقد قُدر لي أن أكون في زيارة لمدير مستشفى البشير د. عبدالمانع يوم الخميس، واضطررت لانتظاره لفترة من الزمن، وعند قدومه ومساعديه؛ بادر معتذراً بأنه كان يعاين حادثاً في قسم الطوارئ، وأقسم لي بأن كل مصاب يرافقه ما لا يقل عن عشرة مرافقين، وأن القسم مكتظ بحيث لا مجال حتى لحركة الكادر لأداء مهمتهم، رغم محاولات الأمن إخراج الناس من المكان. في هكذا وضع؛ كيف يمكن لوم الطبيب إن ارتكب بعض الأخطاء او الهفوات، ففي مثل هذه البيئة من العمل يسهُل تحت وطأة الخوف والارتباك والتنمر المجتمعي على الكادر الطبي أن تُرتكب الأخطاء، وعندها لن يحُاسب إلا الكادر الطبي والإداري، وطبعاً سيتغاضى الجميع عن الواقع الذي مرّ به الكادر الطبي أثناء عمله، والمشكلة الكبرى أن عملية العقوبة للكوادر تخضع لمنطق تصفوي حقيقي، فالكثير من النكايات والوشايات تستدعي نفسها فوراً لتحدد طبيعة ونوع التغير القادم بما يخدم مصالحها، أعني هنا طبقة بيروقراطية عميقة متمكنة؛ استطاعت عبر عقود أن ترسخ وجودها وتمكن نفسها من مفاصل الوزارة، مما أعطاها القدرة على إجهاض أي تحرك فعلي لإعادة تأهيل هذا القطاع ووضعه على الطريق الصحيح.
لقد لجأت الحكومة إلى الحل الأسهل والشعبوي لإطفاء جذوة الغضب، ولكنها بذلك ارتكبت خطأً فادحاً؛ لأنها أوجدت مشكلة كبيرة لن تستطيع حلها فعلياً، فماذا لو توحد الأطباء وقرروا تقديم استقالات جماعية من وزارة الصحة؟ فماذا عسى أن تفعل الحكومة؟ لا أعتقد أنها ستجد حلولاً كثيرة. إذاً فالأجدى أن تعترف الحكومة بمسؤوليتها السياسية عما حدث، وبعد ذلك تتخذ اجراءات أبعد من مجرد معاقبة كادر طبي كل ذنبه أنه وقع ضحية واقع مرير فرض عليه نوعية من الأداء لا تصل للمستوى المطلوب، بعدها تشكل لجنة وطنية من كافة القطاعات؛ ترصد الأخطاء أينما كانت، وتقود بعد ذلك ورشة وطنية لإصلاح القطاع. عدا عن ذلك؛ فإن كل الحلول لن تخرج عن إطار الترقيع الذي لا طائل منه.