ثلاثة علماء أردنيون

 
كان حفلاً رائقاً، مساءَ الأَربعاءِ الماضي، في واحدةٍ من باحات برج خليفة في دبي، في الهواءِ الطلق، قُدّامنا بحيرةٌ واسعةٌ يُدهشك وجودُها بين فضاءٍ من العمران الأَنيق، تتراقصُ فيها حبالٌ من المياه على إيقاعاتِ أَغانٍ نعرفها، وكنّا جمعاً من كل البلادِ العربية. كان الحفلُ لتوزيع جائزةِ الإِبداع العربيِّ، والتي تمنحُها مؤسسةُ الفكر العربي في بضع فئات، وهي المؤسسةُ التي استطاعت في سنواتِها العشر الماضية أَنْ تُحقِّقَ لنفسِها موقعاً متقدِّماً في الراهن الثقافي العربي، بمؤتمِرها السنوي، وبتقريرِها الشامل للتنميةِ الثقافية، والذي بات صدورُه ينتظمُ كل عام، وتميَّزَ الرابعُ منه في هذا العام بمستوىً حرفيٍّ متقدِّمٍ في 750 صفحة. وكانت غبطةُ الأُردنيين من بين حضور الحفل كبيرة، لنيل ثلاثةِ علماءِ أُردنيين جائزتيْن من الفئاتِ الخمس للجائزة في دورتِها الخامسة، وقد فازوا بهما لتميُّز منجزاتِهم العلمية التي نالت تقديرَ المُحكِّمين وتقريظهم، ووجدوها تستحقُّ التكريمَ الرفيع من المؤسسة، وفي البال أَنَّ الروائية الزميلة سميحة خريس فازت بجائزة الإِبداع الأَدبي في 2008.

اختير محور أَبحاث المياه والطاقة لفئة جائزة الإِبداع العلمي لهذا العام، وفي قرار مشترك بين الهيئةِ الاستشاريةِ لمؤسسة الفكر العربي ولجنة تحكيم الجزائز، مُنحت مناصفةً لأُستاذ المياه والتربة وفيزيولوجيا النبات في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، الدكتور أنور منير البطيخي، وأُستاذ الطاقة في جامعة العلوم والتكنولوجيا، الدكتور يوسف سلامة النجار، لمساهماتِهما المتميزة في النشر العلمي ومشاريعِ التنمية المحلية في المياه والطاقة، والتي وصلت إلى نحو مائة مقالٍ علمي في مجلات إِقليميّةٍ وعلميةٍ محكمة، وتتمتَّعُ بالمصداقيةِ العلمية. ومُنِحَ أُستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة الإِمارات المتحدة، الدكتور يوسف سعد الحايك، جائزة الإِبداع التقني، لمساهمتِه المبنيَّةِ بشكل واضح على خبراتٍ علميةٍ بحثيةٍ، نظريةٍ وعلميةٍ، في التكنولوجيا الحيوية، وتطبيقاتِها في الصحة العامة والطب، ما تكرَّسَ في ثماني براءات اختراعٍ علمية. وقارئُ سير العلماءِ الثلاثة يجد أَنَّ الجائزةَ الجديدة لكل منهم (50 ألف دولار) ليست الأُولى التي يحوزونها، فقد استحقت مجهوداتُهم جوائزَ مرموقةً سابقة، ومن ذلك أَنَّ الدكتور البطيخي نالَ وسام التميز في التعليم في الأُردن في2005، واستحقَّ جائزة الخريج المتميز من جامعة إِيوا الأَميركية.

يُجدِّدُ هذا التكريم العربي لعلمائِنا الثلاثة التأْكيدَ المعلوم عن وجودِ كفاءاتٍ أُردنيةٍ متميزة، ليست قليلة، في جامعاتِنا وأَكاديمياتنا، ويُنبِّه أيضا إِلى وجوب الحرصِ الدائم على أَنْ تتيسَّر لهذه المؤسسات التعلمية، وكذا الإِنتاجية، كلَّ ما يُمكِّنُها من أَنْ تظلَّ بيئةَ إِنجاز. وإِذا كان شائعاً أَنَّ الخبراتِ الأُردنية مُقدَّرةٌ في تعليم الرياضيات والمعلوماتية ونظم الحاسوب (مثلاً)، فإِن فوز الدكاترة البطيخي والنجار والحايك يُعرِّفُنا بأَنَّ ثمّة جهداً إِنتاجياً وتقنياً وشديد التخصص في شؤونٍ أُخرى، ما يجعل أَهل الإِعلام في بلادِنا مطالبين بالاهتمام بإِشاعةِ مقادير أَوسع من الثقافة العلمية، وتوفير مساحاتٍ أفضل لما تخوض فيه المختبرات والمعامل في كليات الطب والعلوم والزراعة والهندسة في جامعاتِنا. وفي وسع أَهل الدراية المكينةِ في هذا أَنْ يستنفروا نقاشاً مطلوباً عن احتياجات هذه الكليات، وعن ما يأْخذُها إِلى التطوير والتجدّد والإِبداع أَكثر فأَكثر، وهو نقاشٌ يتصل بمسأَلةِ البحث العلمي في بلادِنا وميزانيّاتِه، وليس لدى كاتب هذه السطور دلو بشأْنها يمكن أَنْ يُدلي به، فيكتفي، هنا، بإِشهارِ بهجتِه بنيل ثلاثة علماءَ أُردنيين جوائز عربية مرموقة.