هل قصر الأعمار وطولها حظوظ أم هي آجال محددة لن تتأخر ولا تتقدم؟

أخبار البلد -

 
هل أعمارنا حظوظ ننالها فتطول وتقصر؟ أم أن البركة تحل في قصيرها فيطول وتنزع من طويلها فيقصر؟

تلك إشكالية قديمة لم يزل الإنسان يخوض معارك إستكشافها وحل غامضها.

وقد تتالت عقود طويلة والجهود العلمية متواصلة لمعرفة أسرار العمر وأسباب الشيخوخة ولماذا تتعاقب الطفولة والمراهقة والشباب والشيخوخة بصورة متشابهة ومنتظمة لا تتخلف.
وتظل الجزيئات النشطة كيميائيا وما تتعرض له بسببها الخلايا من شيخوخة ودمار، هي المعاول المؤدية لتأكسد الخلايا وشيخوختها فتنقل صاحبها من مرحلة عمرية لأخرى.

وقد طرحت إشاعة تروج هذه الأيام ضمن محاربة لقاحات كوفيد مفادها أن الملقحين لن يعيشوا أكثر من سنتين مقبلتين، وأشعلت جدلا بين من يعتقد في هذه الإشاعة ومن يرفضها ويرى أن الأعمار بيد الله.

وللدين الإسلامي موقفه من قضية الأعمار وطولها وقصرها؛ فالموت والأجل من قضاء الله وقدره الذي كتبه في اللوح المحفوظ عنده سبحانه قبل أن يخلق الخلائق بخمسين ألف سنة، فلا يلحقه تغيير ولا تبديل؛ فقد كتبه سبحانه بعلمه الذي لا يخطئ، ومشيئته التي لا تتخلف .

لكن العلماء حسب موقع «الإسلام: سؤال وجواب» يؤكدون أن ذلك لا يعني أن الموت والأجل غير خاضعين لقانون السببية الذي خلقه الله في هذا الكون، بل أَمْرُ الموت كسائر ما يقدَّر في هذه الدنيا مبنيٌّ على الأسباب المادية المكتوبة أيضا في اللوح المحفوظ . ويسود اعتقاد واسع اليوم أنه بفضل الطب الحديث والتغذية الأحسن، بات الإنسان يعيش عمرا أطول مما عاش آباؤه وأسلافه منذ فجر التاريخ.

وتؤكد دراسات حول الأعمار «أن متوسط الأعمار زاد خلال العقود القليلة الماضية، بشكل ملحوظ في مختلف بقاع العالم، فبينما بلغ متوسط عمر مواليد عام 1960 وهو أول عام بدأت فيه الأمم المتحدة تسجيل البيانات دوليا 52.5 عاما، فقد بلغ متوسط العمر اليوم 72 عاما».

والنتيجة الطبيعية التي توصلت إليها معظم الدراسات هي أن منجزات الطب الحديث وجهود الصحة العامة أثمرت في جعل الإنسان يعيش أطول من أي وقت مضى، حتى أننا ربما نكون قد بلغنا غاية ما يمكننا من آفاق لإطالة العمر.

لكن يظل متوسط العمر، مع ذلك، مجرد وصف إحصائي نابع من التقارير، فهو لم يرتفع لأننا نعيش أعمارا أطول بكثير مما عاشها الأقدمون، بل ارتفع لزيادة نسبة المعمرين بيننا عن ذي قبل.
فلحساب متوسط العمر، لنفترض أن طفلين أحدهما مات قبل بلوغ عامه الأول، والآخر عاش للسبعين، فمتوسط العمر بينهما 35 عاما.

ومع ذلك فالحساب الذي يستند إليه متوسط العمر صحيح، وقد يطلعنا على أمور تتعلق بظروف معيشة الطفلين، لكنه لا يعطينا صورة كاملة، ويكون قاصرا حين ينسحب على حقب كاملة، أو مناطق بعينها، شهدت معدلات مرتفعة من وفيات الأطفال.

وعلى مدار التاريخ، عانى البشر من معدلات مرتفعة لوفيات الأطفال، وهو أمر لم يتغير حتى يومنا هذا في عديد من البلدان.

وفي عام 2016 نشرت غاتسانيغا نتائج دراستها لأكثر من ألفي هيكل عظمي روماني قديم وجميعها لأشخاص كانوا يعملون بأيديهم ودفنوا في مقابر عامة.

وكان متوسط العمر عند الوفاة في الثلاثين، ولم يكن ذلك نتيجة متوسط إحصائي بل أثبت الفحص الطبي للعظام ذلك العمر، وكثير منها ظهرت عليه آثار إصابات جراء العمل الشاق وأمراض عادة ما ترتبط بعمر أكبر كالتهاب المفاصل.

وكانت احتمالات إصابة الرجال كثيرة جراء العمل الشاق أو الخدمة العسكرية، ومع ذلك ثبُت قيام النساء بأعمال شاقة شملت العمل في الحقول، ولم تكن حياتهن أسهل.

ولكن حتى لو لم تتغير أعمار البشر بشكل كبير عبر العصور، فإن هذا لا يقلل من الجهود الهائلة التي بذلت خلال العقود الأخيرة والتي وسعت القاعدة السكانية لمتوسط طول العمر، فضلا عن توفير صحة أفضل لعدد أكثر من البشر.